أولويات السوريين في الطريق لانتخابات مجلس الشعب
ثمّة رهان على إمكانية تحقيق انفراجات ضمن المتاح محلياً يطرحها كثير من المرشّحين لانتخابات مجلس الشعب السوري، انفراجات تتصل بإقلاع القطاع الزراعي والصناعات الصغيرة وإطلاق برامج وطنية واقعية لحلّ أزمة الكهرباء.
لم تختلف أولويات السوريين كثيراً، وهم يتجهون إلى الانتخابات التشريعية المقرّرة في 15 تموز/يوليو الجاري، عمّا كانت عليه في انتخابات عام 2020، فبالرغم من جملة انفراجات أبرزها: عودة العرب إلى دمشق واستعادتها مقعدها في جامعة الدول العربية، ثمّة عناوين ضاغطة في الملف المعيشي واستعادة السيادة الكاملة على شمال غرب وشمال شرق البلاد أو ما يزيد على 25 بالمئة من مساحة البلاد.
تفسّر صعوبة الأوضاع الاقتصادية اهتمام السواد الأعظم من السوريين بلقمة العيش على ما عداها من عناوين عشية انتخابات مجلس الشعب، فصعوبة تأمين فاتورة الغذاء والدواء والتعليم والنقل تبلغ ذروتها اليوم، وقد تضاءلت القدرة الشرائية للسوريّين مع تسجيل سعر صرف الدولار مقابل الليرة في "نشرة المصرف المركزي" 13500 ليرة، ومعدل أجور لا يتجاوز 400 ألف ليرة شهرياً للموظف الحكومي، ودخول أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب بيانات الأمم المتحدة.
فرضت تلك العناوين حضورها في برامج المرشحين الانتخابية على بساطتها، فحضرت تعهّدات بمعالجة البطالة، وهجرة مئات الآلاف من الشباب الباحثين عن فرص أفضل، وتراجع الخدمات الصحية والتعليمية، ومكافحة الفساد وغيرها مما يشكّل جوهر اهتمام الناخب السوري المدرك بدوره أنّ جزءاً كبيراً من تلك الشعارات صعبة التحقيق موضوعياً لارتباطها بظروف الحرب والحصار الغربي المفروض على سوريا منذ سنوات.
لكن في المقابل ثمّة رهان على إمكانية تحقيق انفراجات ضمن المتاح محلياً يطرحها كثير من المرشّحين لانتخابات مجلس الشعب، انفراجات تتصل بإقلاع القطاع الزراعي والصناعات الصغيرة وإطلاق برامج وطنية واقعية لحلّ أزمة الكهرباء، وكلّها تنعكس إيجاباً على توفير فرص العمل وتبديل مشهد الجمود السائد حالياً.
تحوّل ملف "مكافحة الفساد" إلى عنوان برّاق في حملات المرشّحين اتساقاً مع أولويات السوريين، ومع ظهور شريحة من رجال أعمال خلال سنوات الحرب وجدت في الأزمات المعيشية فرصة لمضاعفة ثرواتها. وإذا كان قرار مجلس الشعب رفع الحصانة، أخيراً، عن سبعةٍ من أعضائه لمحاكمتهم في قضايا تتعلّق بالفساد وهدر المال العام والتهريب وغيرها، حرّك شجوناً ومواجع لدى كثير من السوريين إزاء ملف بالغ الحساسية، فإن الآمال تذهب بعيداً باتجاه مواصلة الملاحقة في ملفات فساد كبيرة كفيلة بإعادة أموال ضخمة إلى خزينة الدولة جرى نهبها خلال السنوات العشر الماضية خصوصاً.
لم يعد كافياً، بالنسبة للسوريين، التذرّع بالعقوبات الدولية والحصار الغربي لتبرير التراجع في الأداء العام: ضعفٌ في إقلاع القطاعات الإنتاجية، وتراجع الخدمات وفرص العمل، والأهم غياب كامل عن اجتراح حلول وطرح مقاربات جدية لأزمات البلد بعد الحرب، وهنا تعويل على دور أعضاء مجلس الشعب المقبل، يفتح ثغرات في حالة الانسداد العام، ويسهم فعلياً في طرح حلول لأزمات اللاجئين والهجرة وإصلاح مؤسسات القطاع العام والتعليم وتفعيل النقابات إلخ.. وهي عناوين الانفراج الحقيقي التي تحدث فارقاً في الأداء.
وواقعياً يذهب الرهان اليوم إلى ما تحمله قائمة "الوحدة الوطنية" التي يشرف عليها حزب البعث العربي الاشتراكي، باعتباره الحزب الحاكم في سوريا وله 166 نائباً في دورة مجلس الشعب الحالي، أولاً لأنه يترّأس هذا القائمة ومعه 17 نائباً من أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية "أي أكثر من ثلثي أعضاء المجلس، وهذه كتلة مطالبة وتستطيع تغيير المشهد برمّته وتفعيل دور مراقبة الحكومة والمؤسسات التنفيذية عموماً، وثانياً لوجود قرار واضح بالتغيير بدأ من تغيير "البعث" قيادته المركزية بالكامل في أيار/مايو الماضي بإشراف الرئيس بشار الأسد.
هذه القيادة بدورها اتخذت قرارات جريئة أبرزها منع أكثر من 20 نائباً بعثيّاً ترشيح أنفسهم للانتخابات المقبلة ترتبط بمخالفات تنظيمية داخلية، وثالثاً إجراء قيادة "البعث" انتخابات داخلية للمرشحين من البعثيين لاختيار قائمة الحزب في المحافظات للانتخابات أو ما تسمّى عملية "الاستئناس الحزبي"، وهي آلية تحدّد لدرجة معيّنة اتجاهات قواعد الحزب لتفضيل شخصيات عن أخرى للوصول إلى مجلس الشعب كممثّلين عن البعث. وتضمن توازناً مطلوباً في المجلس لجهة تمثيل المرأة وشرائح مجتمعيّة متنوّعة إثنياً وجغرافياً..
خطوات أولية مهمة تسهم في تفعيل العمل البرلماني واقترابه من تحديات كبيرة تواجه سوريا، سياسياً في سعيها لتفعيل مسار التقارب العربي، واستعادة سيادتها الكاملة على أراضيها قبل التطبيع مع تركيا مع ما يحمله هذان المساران في حال نجاحهما من انفراجات هامة تطال ثروات البلاد ومعالجة ملف اللاجئين، وداخلياً في إطلاق مسار تنموي واقعي ينهض فعلياً بالإنتاج ويتجرّأ على ضرب الفساد وتعزيز ثقة الناس بمؤسسات الدولة.
لم تعد تلك الخطوات شعارات انتخابية للوصول إلى قبة البرلمان وتشكيل الحكومة وبعدها بفترة المجالس المحلية بقدر ما باتت مدخلاً ضرورياً لاستعادة سوريا عافيتها وطناً لكلّ أبنائها.