آخر فصول التطبيع المغربي.. تصنيع طائرات مسيّرة إسرائيلية في الرباط
تعمل الرباط على الاستعانة بالتكنولوجيا الإسرائيلية لتعزيز قطاعها العسكري وتحديثه. لذلك، يوسع المغرب و"إسرائيل" "تعاونهما" في المجال العسكري بشكل سريع، الأمر الذي قد يهدد الأمن في المنطقة.
منذ تطبيع العلاقات بين المغرب و"إسرائيل" عام 2020 ضمن اتفاقيات أبراهام التي وقعت بين الاحتلال وعدد من الدول العربية بمسعى من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، تطورت العلاقات بين الرباط و"تل أبيب" بسرعة كبيرة، مع أن العلاقات غير المعلنة بين الجانبين تعود إلى عقود ماضية.
بحسب تقرير نشره موقع "The Times of Israel" عام 2020، فإن "إسرائيل" والمغرب يجمعهما أكثر من 60 عاماً من "التعاون السري" في القضايا الاستخباراتية والأمنية والدبلوماسية.
وفي إطار التطبيع الأمني والدفاعي، نشر موقع "Zona military" المتخصص في أخبار الدفاع والأسلحة الشهر الماضي تقريراً عن أن الشركة الإسرائيلية Bluebird Aero Systems تعتزم إنشاء منشأة لتصنيع طائرات من دون طيّار في المغرب.
ونقل الموقع عن رونين نادير، الرئيس التنفيذي للشركة، قوله إن الشركة أنشأت بالفعل منشأة الإنتاج المحلية التي ستبدأ العمل في المستقبل القريب.
سعت المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز قدراتها الدفاعية والعسكرية، وسلّطت عدة تقارير الضوء على جهود المغرب لتطوير ترسانته العسكرية، فقد أدرج تقرير صادر عن موقع التحليل المالي Insider Monkey خلال الشهر الماضي المغرب في المرتبة العشرين بين الدول التي تمتلك أكبر ترسانة مدفعية.
وبحسب تقرير آخر صدر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، حلّ المغرب في المرتبة 29 ضمن قائمة أكبر 40 مستورداً للأسلحة خلال الفترة ما بين 2019-2023، إذ استورد 0.8% من إجمالي الأسلحة التي تم بيعها خلال الفترة المذكورة.
ووفقاً للتقرير أيضاً، تعد "إسرائيل" من بين أكبر 3 مصدرين للأسلحة إلى المغرب بنسبة 11% بعد الولايات المتحدة الأميركية (69%) وفرنسا (14%).
شركة Bluebird Aero Systems
هي شركة إسرائيلية تأسست عام 2002، وهي متخصصة في تصميم وتطوير وإنتاج الطائرات من دون طيّار. وتشمل منتجاتها مجموعة واسعة من الطائرات المسيّرة المصممة لمختلف مهام الاستخبارات والمراقبة وتحديد الأهداف والاستطلاع. ومن بين منتجاتها pyLite، ThunderB، WanderB.
إضافة إلى الطائرات من دون طيّار، تقوم الشركة بتطوير الذخائر المتسكعة أو الدرونات الانتحارية مثل SpyX.
توفر الشركة الإسرائيلية الطائرات من دون طيّار لجيش الاحتلال الإسرائيلي الذي استخدمها خلال الغارات التي شنها على قطاع غزة 2008/2009 و2014، وعلى لبنان صيف 2006.
علاقة المغرب بشركات الأسلحة الإسرائيلية
تعد الرباط من أهم عملاء شركة Bluebird. هذا "التعاون" المتزايد جاء بعد ما يعرف بـ"اتفاقية التعاون العسكري" التي وقعتها الرباط مع "تل أبيب" عام 2021 في أثناء زيارة وزير أمن الاحتلال بيني غانتس إلى المغرب.
وبموجب الاتفاق، فإن المملكة المغربية تستضيف جزءاً من سلسلة إنتاج بعض الطائرات من دون طيّار داخل أراضيها، وهو ما تعمل عليه حالياً الرباط مع شركة Bluebird.
ووفقاً لقناة "i24News" الإسرائيلية، أجرت شركة Bluebird أول اختبار ميداني لطائراتها من دون طيّار SpyX في المغرب مؤخراً. وبحسب القناة أيضاً، فإن وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت لأول مرة ظهور هذه الطائرات من دون طيّار في المغرب في حزيران/يونيو 2023، مشيرة إلى أن القوات المسلّحة المغربية قامت باختبار الطائرات من دون طيّار، ثم اشترت كميات كبيرة منها، ما جعلها أول قوات عسكرية تشتري هذا النوع من الطائرات فقط قبل بضعة أشهر من عرضها.
وفي أيلول/سبتمبر 2021، قدّم المغرب طلباً لشراء 150 طائرة من دون طيّار من طراز WanderB وThunderB من شركة Bluebird.
إضافة إلى شركة Bluebird، أبرم المغرب في شباط/فبراير 2022 صفقة مع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI)، التي تملك 50% من أسهم شركة Bluebird بقيمة 500 مليون دولار للحصول على نظام الدفاع الجوي والصاروخي Barak MX. كما طلب قمرين صناعيين للاستطلاع من طراز Ofek-13 لتعزيز قدرات المراقبة والاستخبارات وتحديثها.
وفي العام نفسه أيضاً، توصل المغرب مع شركة "IAI" الإسرائيلية إلى "اتفاق مؤقت للتعاون في مجال الطيران".
وعام 2021، اشترى المغرب نظام Skylock Dome المضاد للطائرات من دون طيار من "إسرائيل".
أما "الشركة الإسرائيلية للإلكترونيات الدفاعية" Elbit Systems، فقد أعلنت في حزيران/يونيو 2023 عن خططها لإنشاء موقعين لإنتاج أنظمة ومكونات الدفاع الجوي في المغرب، أحدهما سيكون في منطقة الدار البيضاء، إضافة إلى أنها قامت بتزويد الجيش المغربي بطائرات من دون طيّار من طراز Hermes-900، ونظام إطلاق صواريخ المدفعية PULS.
الدوافع المغربية
في إطار جهود المغرب لتحديث ترسانته العسكرية، خصصت الحكومة المغربية ميزانية دفاع تقدر بنحو 12.088 مليار دولار أميركي لعام 2024، بزيادة تقارب 484.78 مليون دولار عن ميزانية الدفاع لعام 2023، التي بلغت 11.6 مليار دولار أميركي.
تعمل الرباط على الاستعانة بالتكنولوجيا الإسرائيلية لتعزيز قطاعها العسكري وتحديثه. لذلك، يوسع المغرب و"إسرائيل" "تعاونهما" في المجال العسكري بشكل سريع، الأمر الذي قد يهدد الأمن في المنطقة، إذ إن المغرب منخرط في حرب طويلة مع جبهة البوليساريو التي تنادي باستقلال الصحراء الغربية، فيما المغرب يعتبرها تابعة له.
وقد انخرط الجانبان في مناوشات دورية، واستخدم الجيش المغربي طائرات من دون طيّار لمهاجمة مقاتلي البوليساريو في الصحراء الغربية. مثلاً، شنت مسيّرات مغربية في أيلول/سبتمبر 2023 هجوماً على مقاتلي البوليساريو، ما أدى إلى مقتل عدد منهم. وبحسب موقع Ecsaharaui الإخباري الصحراوي، فإن المسيّرات المستخدمة إسرائيلية الصنّع.
كما أن العلاقة بين المغرب وجارته الجزائر متوترة على خلفية جملة من الأمور. وقد وصل التوتر بين الدولتين إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 2021.
ومن المواضيع الخلافية بين الجزائر والرباط هي شكوك الجزائر بأن المغرب يدعم حركة "ماك" التي صنّفتها الجزائر منظمة إرهابية، فيما تتهم الرباط الجزائر بدعم جبهة البوليساريو.
إضافة إلى ذلك، لدى الرباط قلق من تداعيات عدم الاستقرار في ليبيا والسودان وأفغانستان، إذ قد يؤدي انعدام الاستقرار في تلك البلدان إلى موجة من الهجرة من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة عبر المغرب وزعزعة استقرار المغرب نفسه.
من ناحية أخرى، يرى المغرب أن تصنيع المسيّرات على أرضه يمكن أن يساعده على تعزيز نفوذه الإقليمي عبر بيع المسيّرات إلى الدول الأفريقية الأخرى.
بعد مرور أكثر من 7 أشهر على عملية "طوفان الأقصى"، ووصول أعداد الشهداء إلى ما يزيد على 43 ألف شهيد، وعدد الجرحى إلى أكثر من 77 ألف جريح، وتدمير الكيان 75% من قطاع غزة، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المجارز بحق الشعب الفلسطيني، يتجه المغرب إلى تعزيز علاقاته مع الاحتلال، متجاهلاً تظاهرات مواطنيه دعماً للقضية الفلسطينية، وتنديداً بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومطالبين بقطع العلاقات مع "إسرائيل".
توجه الحكومة المغربية لا يعكس أبداً التوجه الشعبي، فبحسب استطلاع أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ومقره الدوحة، في كانون الثاني/يناير 2024، فإن 78% من المغاربة لا يعترفون بالسيادة الإسرائيلية.
إضافة إلى مخاطر التعاون العسكري مع الاحتلال وأثره في الفلسطينيين وفرص تسويق الأسلحة الإسرائيلية في أفريقيا من بوابة المغرب، فإن من المحتمل أيضاً أن يؤدي إنشاء المصنع الإسرائيلي لصناعة الطائرات من دون طيّار في المغرب إلى زيادة المناوشات بين المغرب وجبهة البوليساريو، وتأجيج الخلاف مع الجزائر، ودفع البلدين إلى سباق تسلح طويل.