"فتية التلال".. إرهاب صهيوني بدعم أميركي
"فتية التلال".. عصابة تعمل على سرقة أراضي الضفة الغربية لإقامة بؤر استيطانية بحماية "الجيش" الإسرائيلي وبدعم أميركي
أعاد مقتل منسق ميليشيات المستوطنين، التي تعرف بـ "فتية التلال"، الرقيب (احتياط) إليشا يهوناتان لوبر، في الـ 25 من كانون الأول/ديسمبر الفائت، في معارك قطاع غزة، اسم هذه العصابة إلى الواجهة من جديد. فما هي؟ وكيف نشأت؟ وكيف تعمل الولايات المتحدة الأميركية على دعمها؟
أصل التسمية والنشأة
يعود أصل تسمية "فتية التلال" إلى خطاب ألقاه أرييل شارون، عندما كان وزيراً لأمن الاحتلال الإسرائيلي، في الـ16 من تشرين الثاني/نوفمبر 1998، دعا فيه الشبان المستوطنين إلى "الاستيلاء على قمم التلال".
تتكوّن عصابة "فتية التلال"، في أغلبيتها، من فتية مستوطنين يعيشون في بؤرٍ استيطانية معزولة في الضفة الغربية، تتحكّم فيهم منطلقات أيديولوجية يمينية راديكالية، ويميزهم شعرهم الطويل، وإطلاق اللحى، واعتمار القبّعات الكبيرة المحبوكة، والعمل في الأرض ورعي الأغنام.
وفقاً لتقديرات عام 2021، يبلغ عددهم نحو 400 فتى، وهم منتشرون في نحو 50 بؤرة استيطانية، و30 مزرعة، في جميع أنحاء الضفة الغربية.
ممثل وزارة "المعارف" لدى الاحتلال الإسرائيلي يقول إن "فتيان التلال" هم، في معظمهم، من الشبان المراهقين "المعرضين للخطر"، إذ يعانون أزماتٍ شخصية عائلية. وتمثل الأيديولوجيا بالنسبة إليهم غطاءً ومحفزاً من أجل التنفيس عن غضبهم. وأطلقت عليهم دراسة، صدرت عام 2018، صفة "الفردانيين"، الذين تدحرجوا إلى التلال لأسباب شخصية.
منذ بداية هذه الاستراتيجية، ظهرت عدة جماعات استيطانية إرهابية، اتخذت التلال والمناطق الجبلية هدفاً لها. وساهمت هذه الجماعات في تطوير استراتيجية السيطرة على التلال، بما في ذلك عصابة "فتية التلال" وحملة "حرب التلال"، واللتان كانتا نواة أساسية لتوسيع السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية.
من يدعم هذه العصابة؟
تشهد عصابة "فتية التلال"، في الآونة الأخيرة، زيادةً ملحوظةً في أعداد الملتحقين بها من الشبّان المستوطنين المؤهّلين أيديولوجياً، وزيادةً في إمكانات الدعم المقدَّم إليها من جانب الحكومات الإسرائيلية، في إطار سياسات توسيع دائرة الاستيطان في المرتفعات الجبلية المحاذية للمستوطنات. وأطلقت حكومة الاحتلال الحالية، وذات التوجه اليميني، مؤخراً، مشاريعَ داعمة لتوجهات "فتية التلال"، بالإضافة إلى كونها تتلقى دعماً واسعاً من منظمات صهيونية متعددة، مثل "أمانا"، الذراع الاستيطانية لحركة "غوش إيمونيم" المتطرفة، والتي توفر الإمكانات اللازمة لإقامة البؤر الاستيطانية، من حيث التوجيه الجغرافي، وفقاً لمحاذاة المستوطنات القائمة بالفعل، كي تكون عملية "تبييضها وشرعنتها" مرنة فيما بعد.
وفي هذا الإطار، كشفت جمعية "كيرم نابوت" الإسرائيلية، في تقرير، أن المنظمة الإنجيلية المسيحية الأميركية، "اليوبيل"، (Hayovel)، استولت على عشرات الدونمات جنوبيَّ قرية جالود بالتعاون مع المستوطنين، وأقامت فيها مقرها القيادي، الذي وصفته الجمعية بـ "البؤرة الاستيطانية الجديدة".
والمنظمة الأميركية، "اليوبيل"، مسجّلة في الولايات المتحدة الأميركية منظمةً غير ربحية تقدم "خدمة ومساعدة إلى المجتمعات الزراعية في إسرائيل"، الأمر الذي يعني أن كل التبرعات لهذا المشروع معترف بها لأغراض ضريبية.
وكانت منظمة "كيرم نابوت"، التي تقول إنها تعمل لمراقبة "سياسة الأراضي الإسرائيلية في الضفة الغربية"، كشفت، قبل 8 أشهر، أن منظمة "اليوبيل" الأصولية، التي تجلب سياحاً إنجيليين، معظمهم من الولايات المتحدة الأميركية لمساعدة المستوطنين الأشد إرهاباً في الضفة الغربية، استولت على الأراضي الزراعية التي يملكها سكان قرية بورين، نيابةً عن المستوطنين من مستوطنة "هار براخا".
الانتماء التنظيمي لـ "فتية التلال"
بعد فكّ الارتباط بمستوطنات قطاع غزة عام 2005، وفي إثر تشتّت الآلاف من المستوطنين، الذين أُطلق عليهم "المتسلّلون"، اتحد معظم الشبان في التلال حول حركة "شباب من أجل أرض إسرائيل"، لكنها انقسمت فيما بعد إلى عدة تيارات، من أهمها حركة "ناكلا" أو "نحالا" و "نواة المدن العبرية"، إلا أن نشاط الحركتين في بناء بؤر التلال توقف هو الآخر بعد فترة وجيزة. وتحولت حركة "ناكلا" إلى منظمات احتجاجية عامة، وهو أمر دفع أفراد "فتية التلال" إلى الانضمام إلى حركاتٍ أخرى، في حين بقي البعض الآخر من دون أيّ انتماءٍ حركي أو تنظيمي.
يتحرك أفراد العصابة وفق رؤيةٍ صهيونية مترسخة في أذهانهم تُعرف باسم "إظهار الوجود اليهودي"، وتؤمن بضرورة العودة إلى المستوطنات، التي كانت قبل اتفاقية أوسلو، وفق مبدأ مفاده "الحرب لم تنتهِ، هذه المدن فارغة ولا يوجد سبب يمنعنا من الاستقرار هناك". لذا، يبقى العامل الأيديولوجي لأفراد "فتية التلال" هو المحرك الرئيس والمحفز الوحيد لهم على البقاء في التلال خدمةً للمشروع الصهيوني، في ظل ظروف الطقس الصعبة من بردِ الشتاء القارس وحرِّ الصيف الشديد، إلى جانب الظروف المادية الصعبة، والعيش بلا كهرباء وماء.
إرهاب بحماية سلطات الاحتلال
يوفِّر "جيش" الاحتلال الحماية لهذه البؤر. ووافقت سلطات الاحتلال على الاعتراف بـ15 بؤرة أقامتها "فتية التلال". وهناك 35 بؤرة أخرى قيد البحث للاعتراف بها، وتشير أرقام موقع منظمة "ييش دين" إلى إغلاق شرطة الاحتلال الإسرائيلية 91% من الملفات الناتجة من تبليغات جنائية ضد المستوطنين، الذين يعتدون على فلسطينيين.
وما يؤكد الغطاء الحكومي للاحتلال هو إغلاق جميع القضايا المتعلقة بهذه المجموعات أو "فتية التلال"، تحت ادّعاء تسجيلها ضد مجهولين، أو عدم وجود أدلة، فضلًا عن التغطية عليهم من جانب النيابة العامة لدى الاحتلال الإسرائيلي. وبالتالي، فإن الاعتداءات تتواصل.
يشأر إلى أن استمرار عمل هذه المجموعات وغيرها من المنظمات الرسمية وغير الرسمية الاستيطانية في التوسُّع، يتزامن مع تصاعُد الصهيونية الدينية لدى الاحتلال، وحكمها من خلال الأحزاب الممثَّلة في الكنيست، الأمر الذي يشي بأنها جزء لا يتجزأ من سياسات ممنهجة لاستهداف الوجود الفلسطيني في الضفة.
جرائم "فتية التلال"
يتركّز نشاط المجموعات على مسارَين أساسيَّين: الاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم وبناهم التحتية، وسرقة الأراضي لإقامة البؤر الاستيطانية. وتتلخّص آلية عملهم في الاستيلاء على الأرض، بطرائق غير رسمية، من خلال احتلال قمة تل عبر إقامة معسكر عليها بحماية الجيش، والمطالبة بالأراضي المجاورة، سواء كانت أراضي زراعية فلسطينية أو لا، وبدء اقتلاع الأشجار الفلسطينية وإطلاق النار من أجل تهديد أي فلسطيني يقترب إلى البؤرة الاستيطانية الجديدة.
نفّذت هذه المجموعات عدة هجمات، عبر إعداد وتنظيمٍ مسبَقَين، تاركة وراءها شعارات تعبّر عن دوافعها الأيديولوجية. ويُطلق على هذه الاعتداءات في العادة تعبير "تدفيع الثمن"، وهو مصطلح بدأ استخدامه منذ عام 2008 تقريباً، ويشير إلى استهداف الفلسطينيين وممتلكاتهم انتقاماً للبؤر الاستيطانية غير المرخّصة، والتي هُدمت.
وثمة أعضاء مرتبطون بالجماعة، متورطون في أعمال عنف يقوم بها المستوطنون، بما في ذلك تخريب المدارس الفلسطينية والمساجد وسرقة الأغنام من الفلسطينيين، وتجريف بساتين الزيتون التي تعود إلى قرون، أو سرقة محاصيل الزيتون.
وتشير الإحصاءات إلى أن المستوطنين نفّذوا، من بداية عام 2017 حتى كانون الثاني/يناير 2021، نحو 3000 اعتداء على الفلسطينيين ومملتكاتهم ومزروعاتهم في الضفة الغربية، انطلق جزء كبير منها من المستوطنات والبؤر التي تُعَدّ معقلًا لـ "فتية التلال".
حتى نهاية عام 2020، تمكّن "فتية التلال" من إقامة 170 بؤرة استيطانية، إلا أن مجموعة من هذه المحاولات تُفشلها مقاومة الفلسطينيين ومُلّاك الأراضي، مثل بؤرة "عادي عاد" المقامة في أراضي قرية المغيّر، وبؤرة "ديرخ هأفوت" المقامة في أراضي قرية الخضر، وبؤرة "أحياه" في أراضي قرية جالود.
يأتي معظم الإرهاب اليهودي اليوم من تلال الضفة الغربية، والذي تمارسه عصابة "فتية التلال"، وهي التي تقف خلف عمليات "تدفيع الثمن" في البلدات والمدن الفلسطينية، بما في ذلك اعتداءات وسرقة وإشعال نار في مبانٍ ومركباتٍ وأشجار فلسطينية. كما أن أعضاء هذه العصابة هم من يقف خلف إحراق منزل عائلة دوابشة واستشهاد 3 من أفراد الأسرة، وإحراق الشهيد الطفل محمد أبو خضير في القدس، وإحراق كنيسة "الخبز والسمك"، وغيرها كثير مما لا يتسع المقام لسرده.
بعض الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها عصابة "فتية التلال" في الآونة الأخيرة:
عام 2022، اعتدى مستوطنان من عصابة "فتية التلال" على عائلة فلسطينية في بلدة برقة، الأمر الذي أدى إلى إصابة الأب بجروح خطيرة.
عام 2023، أطلق مستوطنون من عصابة "فتية التلال" النار على سيارة فلسطينية في بلدة ترمسعيا، وهو ما أدى إلى مقتل شاب فلسطيني يبلغ من العمر 20 عاماً.
عام 2024، زرع مستوطنون من عصابة "فتية التلال" متفجرات في منزل فلسطيني في بلدة حوارة، الأمر الذي أدى إلى إصابة ثلاثة أشخاص بجروح.