قادة المقاومة وأبناؤها في غزة.. وحدة المسار والمصير
عـدوٌ يهدم وأيدٍ تتّحد، تبني وتُعمّر حتى النصر. شعارٌ تسعى المقاومة الفلسطينية إلى تكريسه، مؤكدةً عدم وجود أي فرق بين قادتها الذين يتقدّمون المشروع المقاوم، مع بقية فئات الشعب الذي تنتمي له.
"إننا مع شعبنا في الخندق ذاته، سنبني ما هدمه الاحتلال النازي ونتقاسم مع شعبنا لقمة الخبز وشربة الماء، وسينكسر ويفشل هذا العدوان بقوة الله".. أعادت كتائب القسام، مساء أمس الأحد، نشر هذا الاقتباس من خطابٍ سابق للناطق العسكري باسمها، أبي عبيدة، لتعيد التشديد على وحدة الصمود والتضحيات بين قيادة المقاومة وأبناء شعبها في غزة.
عـدوٌ يهدم وأيدٍ تتحد، تبني وتُعمّر حتى النصر. شعارٌ تسعى المقاومة الفلسطينية إلى تكريسه، مؤكّدةً عدم وجود أي فرق بين قادتها الذين يتقدّمون المشروع المقاوم مع بقية فئات الشعب الذي تنتمي إليه. هذا الأمر أثبتته المقاومة طوال مسيرتها النضالية، وجدّدت تأكيده خلال معركة "طوفان الأقصى"، ولا سيما مع تقديم العديد من قادتها وأبنائهم شهداء على طريق النصر.
فقادة المقاومة في غزة كانوا من أوائل الذين التحقوا بركب شهداء فلسطين، ولا شكّ في أنّ هذا سيستمرّ عقوداً أيضاً، مترجمين، فعلاً وقولاً، أنّ على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة، وأنّه "لجهاد، نصر أو استشهاد".
القادة في طليعة الشهداء
يقدّم قادة "حماس" من جديد نموذجاً للقيادة التي تدفع أبناءها لتقدّم الصفوف في مواجهة الاحتلال، مسقطين بذلك السردية التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لترويجها، والتي تلقّفها كثيرٌ ممّن وافق هواهم هوى الدعاية الصهيونية، من كون حماس تدفع بالمستضعفين من النساء والأطفال إلى الموت، في حين أنّ القادة وأبناءهم ينعمون بالعيش الرغيد في فنادق الدوحة وغيرها من العواصم.
وقد كان نائب رئيس حركة حماس، صالح العاروري الذي اغتالته "إسرائيل" خلال معركة "طوفان الأقصى"، قد أشار سابقاً إلى أنّ نواة المقاومة مستمدّة من الشعب، بقوله: " نحن لا نختلف عن كل أبناء شعبنا، نحن جزءٌ من هذه المقاومة ويمكن أن نكون جزءاً من الثمن".
ولا تقتصر محاولات نيل الاحتلال الإسرائيلي من المقاومة على تنفيذ عمليات الاغتيال ضدّ قادتها، بل تمتدّ أيضاً إلى استهداف من هم في فلك هؤلاء القادة، من أبناء وأحفاد وأقارب، بهدف الضغط عليهم لتقديم التنازلات وتليين مواقفهم.
إلا أنّ ما يغيب عن الاحتلال هو أنّ فصائل المقاومة وقادتها يأبون رفع الأيدي والاستسلام، بل يواصلون القتال، مدفوعين بدماء الشهداء. وتجلّى هذا الأمر في تلقّي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، لخبر اغتيال الاحتلال 3 من أبنائه وعدداً من أحفاده في استهداف مركبة كانوا يستقلّونها في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، بصبرٍ واحتساب.
الأب والجد المقاوم، تلقّى نبأ استشهاد أفراد عائلته، خلال زيارته جرحى العدوان على غزة في أحد مستشفيات العاصمة القطرية الدوحة، بقوةٍ وثبات، وهو ما شكّل صفعةً قوية على وجوه الذين أثاروا الشائعات المضلّلة، مدّعين أنّ هنية هرّب أبناءه وأحفاده وعائلته خارج غزة.
#بالفيديو | لحظة تلقّي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس #إسماعيل_هنية خبر استشهاد أبنائه وأحفاده خلال زيارته لجرحى #غزة في أحد مستشفيات #الدوحة. #طوفان_الأحرار #الميادين pic.twitter.com/t7Hi8PFKQd
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) April 10, 2024
عملية الاغتيال هذه أكدت مجدداً أنّ أبناء القادة كبقية أفراد الشعب الفلسطيني يواجهون المصير نفسه، وأنّ من هو في الخارج منذ فترة طويلة فهو محكوم لمتطلّبات العمل وضروراته، وهو ما حاولت حماس أن تقوله لفترة طويلة، ولكنها اليوم تثبته بدماء أبناء قادتها.
فدور القادة لا يقتصر فقط على الميدان العسكري، إذ تخوض حماس ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية في ميدان التفاوض معركةً ضروساً لا تقلّ ضراوةً عن معركتها العسكرية. فقيادات المقاومة في الخارج تقود المعركة السياسية عبر إدارتها للمفاوضات، وسعيها المتواصل لإنجاز صفقة مع ضمانات تؤدي إلى وقف الحرب وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة.
ويرى محللون أنّ صمود المقاومة الفلسطينية أمام الاحتلال حتى اليوم والحيلولة دون تمكينه من تحقيق أهدافه المعلنة للحرب، ودون الخضوع له في صفقة لا تلبّي شروطها على الرغم من كلّ الضغوطات، يعتبر بحدّ ذاته انتصاراً لها.
"نتقاسم لقمة الخبز"
وبينما تقدّم المقاومة ورقتها في المفاوضات، التي تؤكد عبرها مطالبها الوطنية المحقّة، يواصل الاحتلال ارتكاب المجازر الدموية بحق المدنيين في قطاع غزة، مستهدفاً كل مقومات الحياة بنيران غاراته ومدفعيته، وبفرضه حصاراً خانقاً على وصول الماء والدواء والغذاء. وبطبيعة الحال، فإنّ مآلات الأزمة تنسحب بشكلٍ متساوٍ على كلّ أبناء غزة، من مدنيين وكوادر عسكرية وقيادية في المقاومة، الذين يعيشون محنةً واحدة، ويتقاسمون الهمّ نفسه.
وعلى الرغم من المأساة التي يعيشها سكان القطاع نتيجة المجاعة والشحّ الكارثي في مصادر المياه وانتشار الأمراض، إلا أنّ قيادات المقاومة تعمل جاهدةً لتأمين المساعدات الإنسانية وإيصالها إلى أهل غزة، إضافة إلى تعزيز التكافل الاجتماعي في المجتمع.
هذا إلى جانب سعيها المتواصل لمحاربة الاحتكار وضبط الأسعار في الأسواق، حيث شهدت الأسواق الغزاوية ارتفاعاً جنونياً في أسعار البضائع في ظل سياسة الحصار المشدّد التي ينتهجها الاحتلال. والأمر لم يقتصر عند هذا الحد، إذ تعمل قيادة المقاومة جاهدةً لجمع التبرعات من الخارج لدعم أبناء غزة ومساندتهم على قدر المستطاع.
يوماً تلو الآخر، ترسّخ هذه المواقف صورة القيادة الصلبة الملتحمة مع شعبها في خندقٍ واحد، والتي ترفض تقديم أي تنازلات للاحتلال، مهما علَت التكلفة، ومهما بلغ الثمن. وتؤكد القيادة بذلك أنها لا تخضع للضغوط أو للابتزاز، وهو ما من شأنه أن يعزّز الاصطفاف الشعبي حولها والتحام أبنائها بها، ثقةً منهم بصوابية خطواتها وقراراتها.
بالصمود الشعبي وثبات المقاومة في الميدان، لن تفلح محاولات الاحتلال في كسر إرادة أبناء المقاومة في غزة، ولن تزيدهم إلا ثباتاً وإصراراً على مواصلة المعركة حتى دحر الاحتلال من القطاع، وإعادة إعماره.
تتوهّم "إسرئيل" أنّ تصعيد إرهابها ضدّ أهل غزة سيحقّق لها إنجازاً في مسار المفاوضات، بعد فشلها في تحقيق أيٍّ من أهدافها العدوانية، إلا أنّ هذه الدماء والتضحيات ستكون وقوداً يقوّي الحاضنة الشعبية للمقاومة، ويلهبها ضد الاحتلال، حتى "ينكسر ويفشل هذا العدوان".