في عمليات الفعل ورد الفعل.. كيف يُقرأ استهداف حرس الثورة في سوريا؟
انتقال الاحتلال الإسرائيلي إلى مرحلة الاغتيالات والاستهدافات الممنهجة في الشهر الأخير يُعبّر عن عجز "إسرائيل" في المنطقة، ومحاولتها توسيع رقعة الصراع وجرّ واشنطن إليه لإنقاذها من المستنقع.
بعدما اغتال كيان الاحتلال الإسرائيلي، في أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي، القائد البارز في حرس الثورة في إيران، رضي موسوي، في سوريا، عمد أمس إلى اغتيال 5 مستشارين عسكريين للحرس أيضاً في عدوان استهدف مكان وجودهم في العاصمة دمشق، فيما كانوا ضمن مهمّات استشارية، بدعوةٍ رسمية من جانب الحكومة السورية.
هذا الاغتيال الذي جاء استكمالاً لاغتيال قادة محور المقاومة مؤخراً، يُظهر بوضوح أنّ "إسرائيل"، التي لم تستطع منذ بدء عملياتها العسكرية في قطاع غزة، تحقيق أي إنجازٍ عسكري يُذكر، بفعل صمود المقاومة الفلسطينية وقدراتها على تكبيد "جيش" الاحتلال خسائر فادحة، والتي أصبحت أيضاً تحت مرمى النيران من لبنان وسوريا والعراق واليمن، إضافةً إلى إيران التي وجّهت ضربةً قاسية إلى "الموساد" في أربيل، والتي كان قد سبقها استهداف سفينتين إسرائيليتين في المحيط الهندي، يُظهر أنّ "تل أبيب" دخلت مرحلة الجنون الذي يُفضي إلى الانتقام من كل من كان له دورٌ في صمود وتوحيد ساحات المقاومة، ومن طهران تحديداً، التي تُعدّ الرافد الاستراتيجي للمحور، وذلك عبر اغتيال قادتها، واستهدافها في الداخل، مثل ما حدث في كرمان.
انتقال الاحتلال إلى مرحلة الاغتيالات والاستهدافات الممنهجة هذه في الشهر الأخير، يُعبّر بطبيعة الحال، عن أنّ من يستهدفهم، آلموه وهدّدوا كيانه ووجوده بطريقة أو بأخرى. فإيران عزّزت مع بدء "طوفان الأقصى"، عبر فيلق القدس في حرس الثورة، علاقاتها ودعمها لحلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وغزة والضفة الغربية، إذ وعد قائد الفيلق، إسماعيل قاآني، بدعم حركة حماس، ومحور المقاومة، بكل "ما يجب على طهران في هذه المعركة التاريخية".
وهذا الدور الإيراني المحوري في دعم المقاومة الفلسطينية ومقاومة المحور في مرحلةٍ مفصلية تشهدها المنطقة، تطوّر تدريجياً من الدعم اللوجستي والسياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، إلى أن أصبحت إيران شريكاً عسكرياً في معركة "طوفان الأقصى" عبر الاستهدافات الأخيرة في العراق وسوريا، والتي جاءت رداً على اغتيال قادة المحور وتفجيري كرمان، باستهداف المخططين لهذه العمليات في أربيل (الموساد)، والإرهابيين في إدلب السورية، ما أدّى فعلياً إلى كشف وجه "إسرائيل" الضعيفة والغارقة في وحول قطاع غزة، كما أدّى إلى تطويقها إقليمياً، وحصارها حتى في البحار والمُحيطات.
ومن هنا كان لا بُدّ أن يواجه التمادي الإسرائيلي بعمليات عسكرية دقيقة ومحسوبة كالتي نفّذها حرس الثورة، ضمن حق الرد والدفاع عن النفس، وأيضاً لتثبيت مُعادلات ردع وإيصال رسائل إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية وحلفائهما، مفادها أنّ طهران مُستعدة وجاهزة لأي تصعيد، ولديها القدرات للمواجهة ولن تسكت عن المساس بأمنها الوطني والقومي، ولكنّها لا تُريد تفجير المنطقة، بل وقف العدوان على غزة.
لذلك، فإنّ كيان الاحتلال وباستهدافه الأخير في سوريا ولجوئه مرةً جديدة إلى سياسة الاغتيالات، ظهر بصورة الذي يُريد التغطية على فشل مهماته المنطلقة من شمالي العراق بعد الاستهداف الإيراني الذي أدّى إلى مقتل أربعة مسؤولين في "الموساد" بينهم الرجل الرئيسي فيه، ولحفظ ماء الوجه.
وهو بذلك، يسعى أيضاً للهروب إلى الأمام من فشله الاستراتيجي والأمني، ويُحاول نشر الفوضى، من خلال جرّ الولايات المتحدة إلى حرب واسعة في المنطقة لتسهيل الخروج من المستنقع الذي يغرق فيه أكثر فأكثر، عن طريق استفزاز إيران بشكل مباشر لاتخاذ خطوة انفعالية. وهو أمر من الصعب أن يحدث في أدبيات العقل السياسي الإيراني. وخير دليلٍ على ذلك، التأنّي الإيراني في الانخراط عسكرياً في المعركة، والسياسة التي انتهجتها طهران قبل الرد المباشر، وضمنه.
إنّ الموقف الإيراني هذا جعل تأثيرها يتضاعف ويتعاظم في المنطقة، حيث برزت كقوّة ومُدافعة شرسة عن حقوق الفلسطينيين والحفاظ على استقرار دول المحور، في مُقابل النهج الأميركي الذي يُواصل دعم الاحتلال الإسرائيلي في استمرار عدوانه على القطاع، ويُؤجج الصراعات الإقليمية خدمةً له، بحيث إنّ الضربات العدائية التي تشنّها واشنطن على اليمن، وعسكرتها للبحر الأحمر، فيما تدّعي أنّها لا تُريد "الفوضى الإقليمية" بل تُريد السلام، دليل على ذلك.
وقد قرأ الاحتلال الإسرائيلي هذا التباين والتمايز بين الموقفين الأميركي والإيراني، وتراجع الدعم العالمي لواشنطن التي وُصمت بوصمة العار لدعمها المجازر واستخدام "الفيتو" لمنع وقف إطلاق النار ومواصلة شلّال الدماء، في مُقابل تزايد شعبية المقاومة وداعميها، فراح يلعب ويُناور على هذا الوتر الحسّاس بالنسبة إلى واشنطن التي تعد إيران مهدّداً رئيسياً لنفوذها في الشرق الأوسط، وذلك بهدف توريطها عسكرياً في المنطقة، لإخراجه وإنقاذه من فشله في تحقيق أهدافه المعلنة في غزة، وفقدانه لـ "ردعه الاستراتيجي".
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ هذه السياسات الإسرائيلية - الأميركية في المنطقة تحدث على مرأى ومسمع من العالم، الذي يتشدّق بالحديث عن القوانين الدولية وسيادة الدول وحقوق الإنسان، لكنّه يصمت عن هذه الانتهاكات عندما تستهدف "إسرائيل" عناصر الحرس في سوريا، علماً أن الوجود الإيراني في سوريا هو بموافقة رسمية سورية، لكن الوجود الإسرائيلي في العراق ليس كذلك، فهو من دون موافقة رسمية عراقية ولا حتى بإشهار علني من إقليم كردستان.
في المُحصّلة، تُنذر المُعطيات المذكورة بمرحلة حسّاسة قد تشهدها المنطقة، بحيث إنّ وتيرة العمليات والعمليات المضادة ترتفع، فإيران توعّدت بالردّ على اغتيال مستشاريها الخمسة في سوريا في الوقت والمكان المُناسبين، بموازاة استمرار محور المقاومة بعملياته ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً الأميركي، دعماً لقطاع غزة وإسناداً لمُقاومته حتى يتوقّف العدوان على قطاع غزة. فالمشهد في المنطقة بصورته العامة مربوط بوقف العدوان على غزة أولاً.. وإلّا فالخيارات مفتوحة.