تركيا تنتخب وتحسم: إسطنبول أكبر المعارك.. والصوت الكردي لاعب مؤثر
مع اقتراب موعد فتح صناديق الاقتراع في الانتخابات التركية المحلية من الضروري الإضاءة على التحديات التي يواجهها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في هذه الدورة الانتخابية، وعلى عناصر قوته، مع إطلالة على بلدية اسطنبول وخصوصيتها، وعلى أهمية الصوت الكردي.
منذ العام 1963، يجري انتخاب المجالس البلدية في تركيا من قبل الشعب بشكل مباشر، وتكتسب هذه الانتخابات أهمية خاصة، وتأخذ طابعاً احتفالياً، انطلاقاً من اعتقاد الناخبين بأنهم، على عكس الانتخابات العامة، قادرون على مساءلة المسؤولين المحليين.
وتتركز الأهمية بوجه خاص على المدن الكبرى التي تحتدم فيها المنازلة بين الأحزاب السياسية في البلاد، وفي طليعتها الحزبان الأبرز، حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وحزب "الشعب الجمهوري" أكبر أحزاب المعارضة.
إسطنبول، التي منحت أصواتها في الانتخابات الأخيرة لحزب "الشعب الجمهوري"، ومرشحه أكرم إمام أوغلو، هي واحدة من أبرز المدن الكبرى، وهي تستقطب الأضواء اليوم مع استعداد الأتراك للتوجه إلى صناديق الاقتراع، الأحد المقبل، لاختيار ممثليهم.
ومع اقتراب موعد فتح صناديق الاقتراع، تبدو ضروريةً الإضاءة على التحديات التي يواجهها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في هذه الدورة الانتخابية، وعلى عناصر قوته، مع إطلالة على بلدية إسطنبول وخصوصيتها، وعلى أهمية الصوت الكردي.
تحديات متعددة في وجه إردوغان
في طليعة التحديات التي يواجهها إردوغان في هذه الدورة الانتخابية، اهتزاز "تحالف الجمهور" من دون أن ينفرط عقده، مع انسحاب حزب "الرفاه الجديد" بزعامة فاتح أربكان، من تحت مظلة التحالف، بعد جولات من المفاوضات الشاقة والمطولة لم تكن كفيلة بإقناعه بمواصلة السير مع إردوغان، بسبب عدم استجابة الحزب الحاكم لطلبه بعدم تقديم مرشحين في بلديتين محددتين.
المحلل السياسي التركي إسلام أوزكان، رأى في حديث للميادين نت، أنّ حزب "العدالة والتنمية"، ورغم ضخامة ماكينته الدعائية، ورغم تشتت المعارضة، لم يتمكن من التقدم على أكرم إمام أوغلو في استطلاعات الرأي في إسطنبول، إذ يمكن في ظل التقارب الشديد في الأرقام أن يفوز أوغلو، ويكتسب فوزه بمفرده أهمية إضافية في مواجهة حزب يمتلك كل تلك الإمكانات.
وأعاد أوزكان الأمر إلى التشتت الذي يعاني منه "تحالف الجمهور" بعد خروج حزب "الرفاه الجديد" منه، وهو ما يرى فيه تحدياً كبيراً في وجه إردوغان.
وشدد أوزكان على أهمية الصوت الكردي، وما يمكن أن يلعبه في مواجهة إردوغان، خصوصاً بعد إقالة رؤساء البلديات في المناطق الكردية، وهو ما يتوقع أن يفرز "تصويتاً انتقامياً" من إردوغان.
أما التحدي الأكبر الذي يواجهه إردوغان، بحسب أوزكان، فهو الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الشعب التركي الذي يرزح تحت وطأة التضخم المالي الذي بلغ وفقاً للمعطيات التي قدمتها المؤسسات الرسمية التركية نسبة 65%، ووصل إلى 125% وفقاً لمؤسسات غير رسمية، لتكون تركيا الأولى عالمياً من حيث نسبة التضخم المالي.
على ماذا يمكن أن يراهن إردوغان؟
وإذا كان التفكك قد أصاب "تحالف الجمهور"، فإن تحالف خصوم إردوغان لم يسلم من التفكك أيضاً، والظروف التي رافقت فوز الخصوم في الانتخابات الأخيرة ليست متوفرة اليوم بالقدر نفسه من الانسجام، إذ انتقل حزب "الجيد" برئاسة ميرال أكشنار من دعم مرشح حزب "الشعب الجمهوري" أكرم إمام أوغلو في الانتخابات السابقة في إسطنبول إلى الترشح ضده في هذه الانتخابات، وقد أعلنت أكشنار أن "هدفها هو هزيمة إمام أوغلو".
تباعد الخصوم هو أول ما يمكن أن يراهن عليه إردوغان. ويستطيع إردوغان المراهنة على تحوّلٍ ما في صفوف الناخبين العلويين أيضاً، وهم يشكلون شريحة وازنة في أكثر من منطقة تركية، في ظل الحديث عن حالة غضب واستياء بين "الشعب الجمهوري" والعلويين، بعد خروج رئيس الحزب السابق، كمال كلتشدار أوغلو، من رئاسة الحزب، ومجيء قيادة جديدة عملت على تصفية نفوذ قيادات من العلويين، وتقليل المرشحين منهم.
مع الإشارة إلى أنّ إردوغان سعى لاستقطاب العلويين عبر خطوات حكومية، ضمن إطار الانفتاح على هذه الطائفة في البلاد.
وإن كان الحديث عن انقلاب كامل في مزاج الناخب العلوي لصالح "العدالة والتنمية"، ينطوي على مبالغة واضحة، فإن ما يحتاج إليه إردوغان بالضبط هو "تحييد" أغلبية هؤلاء من خلال امتناعهم عن التصويت، بعد أن كانت لحزب "الشعب الجمهوري" حصة الأسد من أصواتهم تاريخياً.
إسطنبول.. محور الاهتمام وأكبر المعارك.. هل تبقى "صانعة الرؤساء"؟
كان إردوغان رئيساً لبلدية إسطنبول، بين العامين 1994 و1998، أما الرئيس الحالي للبلدية أكرم إمام أوغلو، والمرشح إلى المنصب ذاته عن حزب "الشعب الجمهوري"، فهو صاحب طموح لا يخفى إلى منصب رئاسة البلاد على المدى المتوسط.
ولعل هذه الجزئية، تشي بالأهمية التي تحظى بها المدينة القابعة على طول مضيق البوسفور عموماً، وبلديتها على وجه الخصوص، ضمن التركيبة السياسية للبلاد.
ومن وحي هذه الأهمية أتى اختيار حزب "الشعب الجمهوري" إمام أوغلو مرشحاً له في المرة الأولى، كواحد من أبرز وجوهه السياسية، ومن وحيها أيضاً يأتي اختياره في المرة الثانية.
على المقلب الآخر، اختار "تحالف الجمهور" الذي يضم حزب "العدالة والتنمية"، مراد قوروم، ليكون مرشحاً له.
أما حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" الكردي، صاحب الثقل الانتخابي المؤثر في هذه المدينة، فقد اختار ميرال دانيش بشتاش ومراد جبني للرئاسة المشتركة لبلدية إسطنبول، وفقاً لما أعلنته المتحدثة باسم الحزب عائشة غول دوغان في مؤتمر صحافي في 9 شباط/فبراير الماضي.
ولا تخلو هذه المعركة الانتخابية من تأثير لبقية الأحزاب، ومنها حزب "السعادة" الذي رشح نائب رئيس الحزب، بيرول إيدن، لهذا المنصب. وقد استبعد إيدن، في حديث للميادين وجود تدخلات خارجية في الانتخابات، مؤكداً أنها تجري بديناميكية متكاملة، وانتقد النظر إلى الانتخابات في تركيا، ولا سيما في إسطنبول، كما لو كانت تجري بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري" فقط، معلناً أن من أهداف حزبه إنقاذ إسطنبول من هذا المفهوم السائد.
الصوت الكردي الحاسم..
يلعب الصوت الكردي دور "بيضة القبان" في أكثر من مدينة، وأبرزها إسطنبول حيث المعركة الأقوى.
ولهذه الغاية، فإن نسبة كبيرة من الناخبين الأكراد، قد تنحي ولاءاتها الحزبية جانباً، وتنتخب مرشح حزب "الشعب الجمهوري" في إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، على حساب مرشحة حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب"، ميرال دانيش بشتاش، أملاً بإسقاط مرشح "تحالف الجمهور"، مراد قوروم.
ويأتي ذلك بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي أنّ إمام أوغلو ومنافسه مراد قوروم متقاربان، مع تراجع مرشحة حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب"، وقد ترك هذا مؤيدي الحزب الكردي في معضلة: هل يجب أن يصوتوا بقلوبهم أم بعقولهم؟
ولكن استطلاعات رأي أخرى، أجراها مركز "سامر"، أظهرت أنّ "40% من مؤيدي حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" صرّحوا أنهم سيصوتون لصالح إمام أوغلو، لأنّهم لا يريدون فوز "العدالة والتنمية".
وقد لعب ناخبو حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" دوراً محورياً في فوز إمام أوغلو في انتخابات العام 2019، التي صدمت إردوغان وأنهت 25 عاماً من حكم حزب "العدالة والتنمية" وأسلافه الإسلاميين في إسطنبول، ومنحت المعارضة موطئ قدم حاسماً في السلطة على مدى السنوات الخمس الماضية.
لكنّ الهزيمة الساحقة التي مُنيت بها المعارضة أمام إردوغان في الانتخابات الرئاسية، التي جرت في أيار/مايو الماضي، غيّرت المشهد السياسي، وتركت الناخبين من مؤيدي حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" منقسمين بشأن أفضل السبل لدفع قضية "حقوق الأقلية الكردية" قدماً.
المحلل السياسي إسلام أوزكان، أكد للميادين نت أنّ الجدل لا يزال دائراً في أوساط "حزب المساواة وديمقراطية الشعوب" الكردي حول وجهة التصويت، وإن كانت المعطيات الأولية تفيد بالاتجاه إلى التصويت لصالح أكرم إمام أوغلو في إسطنبول، وأشار أوزكان إلى أنّ الشريحة الأكبر من الناخبين الكرد ستنتظر رسالة الرئيس السابق للحزب "الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرتاش في اليوم الأخير قبل الاقتراع والتي ستتضمن كلمة السر.