تدمير غزة: جريمة حرب تعكس ثقافة القتل الإسرائيلية

الصحافي الإسرائيلي، ميرون ربوبورت، رأى في تقريره أن سلوك "الجيش" الإسرائيلي في هذه الحرب يعطي انطباعاً بأن التدمير المتعمد لمدينة غزة ومحيطها هو أحد الأهداف غير المكتوبة للحرب.

  • تدمير غزة: جريمة حرب تعكس ثقافة القتل الإسرائيلية
    تدمير غزة: جريمة حرب تعكس ثقافة القتل الإسرائيلية

أعد الكاتب والصحافي الإسرائيلي، ميرون ربوبورت، تقريراً عن همجية "الجيش" الإسرائيلي وقسوته في التعاطي مع المباني في مدينة غزة ومحيطها، ونشره موقع "سيحا مكوميت". ربوبورت رأى في تقريره أن سلوك "الجيش" الإسرائيلي في هذه الحرب يعطي انطباعاً بأن التدمير المتعمد لمدينة غزة ومحيطها هو أحد الأهداف غير المكتوبة للحرب، لدرجة أن يُمكن القول فيها إنّ مدينة غزة "تُقتلع من جذورها". 

ورأى ربوبورت أن الإبادة الجماعية هي أكثر من مجرد جريمة حرب، ويتم تعريفها على أنها "جريمة الجرائم"، فمنذ الحرب العالمية الثانية، هناك إجماع واسع النطاق على أن العمل الذي يهدف إلى إبادة شعب أو مجموعة عرقية، هو أسوأ من أي جريمة حرب أخرى. وهذا التشخيص موجود في القانون الدولي، وفي "معاهدة روما" التي أنشئت على أساسها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وأيضاً في الرأي العام العالمي .

لكن، يبقى السؤال، بحسب ربوبورت - ماذا عن إزالة أو محو مدينة؟ هل هناك خطورة مفرطة في هذا أيضا تتجاوز جرائم الحرب "العادية"؟ هل يمكن اعتبار هدم مدينة غزة ومحيطها جريمة خطيرة في حد ذاتها، جريمة تدمير منازل، جريمة سكن؟

"غزة لها لون مختلف من الفضاء"

لفت ربوبورت إلى أن مدينة غزة مدمرة بالفعل، وكذلك الحال محيطها، إذ وفقاً للبيانات التي تم تقديمها مع نهاية العام الماضي (2023) في اجتماع دولي ضم منظمات الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة، تبين أنّ 26% من الوحدات السكنية في شمال قطاع غزة دمرت بالكامل، وتعرضت 62% أخرى لأضرار جزئية. أما مدينة غزة نفسها، فتم تدمير 16% من الوحدات السكنية بشكل كامل، وتعرضت 59% أخرى لأضرار جزئية، بما مجموعه 75 %.  وفي المجمل، وبحسب البيانات، فإن حوالي 70% من إجمالي الوحدات السكنية في قطاع غزة - 305,000 وحدة سكنية من أصل 439,000 - تضررت كلياً أو جزئياً .

وتأكيداً لهذه المعطيات أورد ربوبورت في تقريره، شهادات صادرة عن مؤسسات دولية مختلفة، منها تحقيق أجرته وكالة "أسوشييتد برس"، اعتمد على خبيرين أميركيين شاركا في تحليل أضرار الحرب، بحيث تبين أن الأضرار التي ألحقتها "إسرائيل" بغزة خلال شهرين ونصف من القتال (حتى نهاية العام 2023)، تتجاوز ما أصاب مدينة حلب مثلا بين عامي 2012 و2016؛ وتتخطى الدمار النسبي الذي لحق بالمدن الألمانية بسبب قصف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وفي هذا السياق، نقل عن خبير في هذا المجال، يدعى كوري شار، قوله إن "غزة الآن لها لون مختلف عن الفضاء".  

واقتبس ربوبورت أيضاً من تحقيق آخر أعدته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، تحدثت فيه عن حدوث أضرار بنحو 70% من الوحدات السكنية في قطاع غزة . وقال خمسة خبراء، قاموا بتحليل صور الأقمار الصناعية، للصحيفة، إن جميع المستشفيات الـ 28 في شمال قطاع غزة تعرضت للقصف، وتم إسقاط ما يقرب من 17 قنبلة تزن 900 كجم أو أكثر.

تقرير إضافي اقتبس منه ربوبورت، أعدته صحيفة الغارديان البريطانية، وردت فيه شهادة لمقرر الأمم المتحدة حول الحق في السكن، أستاذ القانون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بالاكريشنان راجاغوبال، قال فيها إن الدمار في سوريا، أوكرانيا، وميانمار، أثار الحاجة إلى إنشاء فئة "قتل المنازل"، وتدمير الفضاء الحضري، باعتباره جريمة ضد الإنسانية، حيث لا توجد اليوم إشارة مباشرة إلى مثل هذه الحالة في القانون الدولي، وما يحدث الآن في غزة يزيد من هذه الحاجة.

ونقل ربوبورت عن الخبير في قوانين الحرب وحقوق الإنسان، المحامي مايكل سيفارد، قوله إنه حتى لو تم استخدام أي مكان (كالبرلمان في غزة) للحرب، بمجرد تطهيره، لا يعود هدفاً مشروعاً، إذ يجب التمييز بين الهدف المسموح به في الهجوم والهدف غير المسموح به، فالموقع المدني الذي لا يخدم القتال ليس هدفاً مشروعاً، كما أن الإضرار بمبنى مدني لا توجد حاجة عسكرية لتدميره هو جريمة حرب. ولفت سيفارد إلى أن عمليات الهدم واسعة النطاق، التي تهدف إلى تحويل منطقة مدنية مأهولة إلى منطقة لا يمكن العيش فيها، ينبغي تعريفها على أنها جريمة ضد الإنسانية، كونها وسيلة للقضاء على المجتمع. وأضاف سيفارد أن "الحقائق التي تظهر من غزة تثير شكوكا قوية في أن "الجيش" الإسرائيلي ينفذ خطة تدمير واسعة النطاق لجعل مناطق واسعة من غزة غير صالحة للاستخدام من قبل السكان المدنيين، ولجعل مناطق بأكملها غير صالحة للسكن". 

عقيدة "بن غفير" تغلغلت في "الجيش" الإسرائيلي

أشار ربوبوت إلى أن الكثير من السياسيين والشخصيات العامة في "إسرائيل"، جعلوا من تدمير مدينة غزة، أحد أهداف الحرب، فعلى سبيل المثال، اقترح عضو الكنيست تسفي فوغل من حزب "قوة يهودية"، "تحويل شمال قطاع غزة بأكمله إلى منطقة استيطان يهودية". ووصف الكاتب في موقع "هشيلوح"، يوآف سوريك، الصورة التي يجب أن يكون عليها شمال قطاع غزة في العام 2027، وقال إن "لشيء الوحيد الذي سيبقى منها، هو متحف في ذكرى النكبة  سيقام على أنقاض مخيم جباليا للاجئين". كما اقترح رجل الأعمال أورين دوبرونسكي، نجم برنامج الواقع "أسماك القرش"، تدمير غزة من اساسها وتحويلها "إلى أشهر موقف سيارات في العالم.

ونقل ربوبورت عن معلق الشؤون العسكرية في القناة "13"، ألون بن دافيد، قوله إن "الجيش الإسرائيلي لديه الإذن بتفجير أي منزل، يوجد فيه (حتى) صندوق بريد لحماس"، ونقل أيضاً عن ضابط إسرائيلي في لواء الهندسة 601، يُدعى شمعون عوركافي، قوله أثناء تفجيره منزل في شمال مدينة غزة: "سنواصل تدمير البنية التحتية بأعلى معدل نعرفه". ولفت ربوبورت إلى أن توثيقات انتشرت بكثرة في "إسرائيل" أظهرت مقاطع فيديو لتدمير منازل تضمنت تعليقات لضباط إسرائيليين، على سبيل المثال قول ضابط إسرائيلي كبير: "باي باي شجاعية الله يرحمها... بعون الله، ستتمتع بإطلالة على البحر"، وقول ضابط آخر إن إزالة الصف الشرقي من المنازل في الشجاعية ستوفر للمستوطنات المحيطة بغزة، "المشهد المطلوب" .

ولفت ربوبورت إلى أنه على الرغم من أن "إسرائيل" لم تتبنَّ رسمياً فرضية تدمير مدينة غزة، لكن سلوك "الجيش" يعطي انطباعاً بأن التدمير المتعمد للمدينة ومحيطها هو أحد الأهداف غير المكتوبة للعملية في غزة، إذ إنّ الدمار لا يحدث فقط نتيجة القنابل المصممة "لتليين" الأهداف قبل دخول القوات البرية إليها، أو نتيجة مجريات المعركة، بل أيضاً بسبب أن "الجيش" الإسرائيلي يواصل عمليات تدمير مكثفة حتى بعد إعلان "سيطرته العملياتية" على مناطق مختلفة في شمال قطاع غزة .

ونقل ربوبورت عن نائب رئيس الأركان سابقاً، عضو الكنيست سابقاً، اللواء يائير غولان، قوله إن "ثقافة إطلاق النار لأنها ممكنة، استولت على "الجيش" الإسرائيلي، وهذا مؤشر غير لطيف على القدرة القتالية للجيش الإسرائيلي. إذ لكي تكون منضبطاً وهادئاً، حتى في حالة المواجهة والقتال، عليك أن تكون محترفاً للغاية، وما يحصل الآن هو دليل على وجود جيش غير محترف، فثقافة إطلاق النار من أجل إطلاق النار، سواء في حادثة مقتل المستوطن الإسرائيلي، يوفال كاستلمان، في القدس (ظناً أنه فلسطيني)، أو في مقتل الأسرى الثلاثة في غزة، هي ثقافة الانتقام، بحيث يبدو أن عقيدة بن غفير اخترقت الجيش الإسرائيلي".

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.