الجبهة الشمالية مع حزب الله.. كيف تؤثر في قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي؟
بعيد عملية "طوفان الأقصى"، ودخول حزب الله على خطّ المواجهة ضد الاحتلال الإسرائيلي شمالي فلسطين المحتلة، القطاعات الاقتصادية الأساسية في كيان الاحتلال، تتكبّد خسائر فادحة.
في خطابه الأوّل الذي تلا عملية طوفان الأقصى، أكّد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، أنّ المقاومة الإسلامية في لبنان، دخلت المعركة منذ 8 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي". هذه المشاركة، والتي طالت بشكلٍ أساسي الجبهة الشمالية في "إسرائيل"، أجبرت، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أكثر من 230 ألف مستوطن على النزوح من الشمال.
كذلك، تحدّثت وسائل إعلام إسرائيلية، عن حالة من الخشية والذعر التي تسود هذه المستوطنات، القريبة من الحدود اللبنانية، بحيث أصبحت المنطقة خاليةً من المستوطنين وتشبه "منطقة أشباح".
وبطبيعة الحال، فإنّه مع إفراغ المستوطنات، وإغلاق الأعمال، فإنّ الحياة الاقتصادية بقطاعاتها المختلفة تتعرّض لخسائر كبيرة، وهو ما أكّده الخبير الاقتصادي في جامعة "تل أبيب"، تومر فضلون، الذي قال إنّ "التوتر في الشمال سيؤثّر في اقتصاد تلك المناطق على المدى الطويل، بطريقةٍ يُمكن أن تكون قاتلةً بالتأكيد".
القطاع الزراعي
يعتبر القطاع الزراعي أحد القطاعات الاقتصادية الهامة لدى "إسرائيل"، إذ يشكّل 2.5% من مجموع الناتج المحلي و3.6% من الصادرات، كما يوظّف نحو 3.7% من مجموع العمال، والأهم أنّه يؤمّن نحو 95% من الاحتياجات الغذائية.
ووفقاً لوزارة "الزراعة الإسرائيلية"، فإنّ الحدود الشمالية "الريفية" تعتبر مسؤولةً عن جزء كبير من إنتاج الغذاء، مشيرةً إلى أنّ نحو 70% من الدجاج البيّاض موجودٌ في الجليل والجولان، كما أنّ 40% من الفاكهة شبه الاستوائية تُنتَج في مزارع الشمال، والتي أُخليت نسبةٌ كبيرة منها.
وذكرت صحيفة "غلوبس" المالية الإسرائيلية، أنّ نصف إنتاج "إسرائيل" يأتي من مزارع تبعد مسافةً تصل إلى 5 كيلومترات عن الحدود اللبنانية.
أما صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، فتحدّثت عن الخسائر الزراعية التي يتكبّدها الاحتلال الإسرائيلي مع تواصل الحرب على الجبهة الشمالية.
وقالت الصحيفة إنّ الخوف من نيران حزب الله يتسبّب بأضرارٍ مالية مضاعفة، مبيّنةً أنّ الأضرار التي لحقت بمزارعي البساتين في الشمال غير القادرين حالياً على العمل، تُقدّر بـ 500 مليون شيكل (ما يزيد عن 131 مليون دولار).
وأشارت إلى أنّ المزارعين في الشمال "يشتكون من صعوبة الوصول إلى البساتين على طول الحدود، وأنّ الخسارة ذات شقّين: الفاكهة التي لم يتم حصادها الآن، مثل التفاح، والأفوكادو والكيوي، والأضرار للموسم المقبل"، لافتةً إلى أنّ "دائرة ضريبة الأملاك لم تتحدّث إليهم حتى الآن بشأن خطة تعويض".
بدوره، بيّن رئيس نقابة المزارعين لدى الاحتلال، دوبي أميتاي، أنّ "أيّ منطقة مكشوفة ومرئية من الجانب اللبناني، لا تتم زراعتها"، لافتاً إلى أنّه "من الصعب تقدير الأضرار بدقة".
وتابع أميتاي أنّ الوضع الحالي هو أنّه "لا يمكن الوصول من 0 إلى 2 كيلومتر من السياج"، كما "لا يمكن تشذيب الأشجار للموسم الجديد"، فضلاً عن "الفاكهة المعلّقة والمتعفّنة المتبقّية على الشجر والتي تمنعه من التجدّد".
وتوقّعت وسائل إعلام إسرائيلية، أن يُقيل مصنع "بري هغليل" (ثمار الجليل)، في مستوطنة "حاتسور هاغليليت"، نصف موظفيه، وذلك بعد قرار إغلاقه أحد خطوط الإنتاج، على خلفية المواجهة القائمة والتصعيد المُستمر بين حزب الله و"جيش" الاحتلال.
ولفت الإعلام الإسرائيلي إلى "تلقّي 53 موظفاً رسائل استدعاء لجلسة استماع قبل الإقالة"، مشيرةً إلى أنّ "إغلاق خطّ الإنتاج، سيضر أيضاً بمزارعي المنطقة الذين يزرعون الذرة والمحاصيل الأخرى لمصلحة المصنع".
View this post on Instagram
القطاع الصناعي
أما القطاع الصناعي في الشمال، بعيد ملحمة "طوفان الأقصى"، فإنّه، وبحسب صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية، "ليس غائباً عن الشلل".
ونقلت الصحيفة عن رئيس اتحاد الصناعيين في "إسرائيل"، رون تومر، قوله إنّ "المئات من أصحاب المصانع الكبرى في الجليل يطلبون الدعم وتوفير التحصين للمباني، ليتسنى عودة الموظفين إلى العمل".
وأشار تومر إلى أنّ المصانع في الشمال والجليل الأعلى "غير معتادة على الوضع، فبعضها لديها مناطق غير محمية، وهي في مرمى الصواريخ التي يطلقها حزب الله"، لافتاً إلى "خطر تسلل المسلحين إلى داخل المباني".
وبحسب بيانات وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، فإنّ "85 مصنعاً كبيراً في شمال البلاد والجليل الأعلى، تراقبها الوزارة منذ بداية الحرب، انخفض متوسط إنتاجها إلى نحو 70%"، ويرجع هذا الانخفاض إلى "قلّة العمالة والخوف من الوصول إلى المنطقة والعمل تحت النيران".
وأظهرت بيانات الوزارة أنّ هناك أيضاً "إغلاق لعشرات المصانع الصغيرة بسبب قربها من الحدود، وإغلاق الطرق والمحاور الرئيسية خشيةً من صواريخ حزب الله".
وبشأن المصانع والمناطق الصناعية والشركات، يُستدل من بيانات الوزارة أنّه منذ "طوفان الأقصى"، "تمّ إخلاء قرابة 15 ألف مصلحة ومصنعاً في شمال البلاد وجنوبها".
وفي السياق، تعتبر خطوة استهداف المقاومة مجمعاً لشركة "رافاييل" للصناعات العسكرية الإسرائيلية، في مستوطنة "شلومي" المحاذية للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، والتي جاءت ردّاً على قصف إسرائيلي طال مصنعاً للألمنيوم في منطقة وادي الكفور شمالي غربي منطقة النبطية، ضربةً بالنسبة للاحتلال وقيادته.
وعلى مستوى الشركة، بدّد قصف المصنع، الهدوء النسبي، الذي كانت تنعم به الجبهة الشمالية قبل "طوفان الأقصى"، ما يعني أنّ المنطقة التي أُعلنت فيها حالة الطوارئ العسكرية في الشمال، ضمن حزامٍ حدودي يصل عرضه إلى نحو 5 كيلومترات، أصبحت مكاناً غير مناسب حالياً لأي نشاط صناعي إسرائيلي.
كما أنّ انعدام أي أفق بالنسبة لموضوع الردع على الجبهة الشمالية عند "جيش" الاحتلال، وعدم استعداد المقاومة لإعطاء أي ضمانات أمنية للاحتلال ومستوطنيه، هو ما أدّى إلى أن يرفض معظمهم العودة إلى المستوطنات في ظلّ الوضع القائم، وبالتالي ألغيت الآفاق المستقبلية لأيّ رهان على التنمية الصناعية في المناطق الحدودية، وما يرتبط بها من ازدهارٍ مرتقب على مستوى سكن المستوطنين والحركة الاقتصادية.
القطاع السياحي
وبشأن القطاع السياحي، فإنّ وسائل إعلام إسرائيلية، تحدّثت عن ضربةٍ قوية تلقّاها في أعقاب الحرب على قطاع غزة.
وأكّد موقع "القناة 12" الإسرائيلي، أنّ "الأضرار التي ستلحق بالسياحة ستكون طويلة المدى"، مشيراً إلى أنّه "حتى مع انتهاء الحرب، فإنّ الناس في العالم سيختارون أماكن أخرى أكثر أماناً حالياً".
ونقل الموقع عن المستشار والباحث في قسم السياحة وإدارة الفنادق في الكلية الأكاديمية "كينيريت"، عيران كيتر، قوله إنّ تأثير الحرب على السياحة في "إسرائيل"، يتجاوز تحذيرات السفر ومنع زيارة "إسرائيل" هذه الأيام، ويتعدّاه إلى تأثيرات طويلة المدى على "صورة إسرائيل"، وعلى العلامة التجارية السياحية هناك.
وذكر موقع "غلوبس" الإسرائيلي، أنّ المرافق السياحية والمطاعم هي "المتضرر الرئيسي في الحرب"، وهو ما يظهر من خلال مؤشر إحدى كبريات شركات التمويل "فينيكس غاما" في الكيان.
ووفقاً لمؤشر "فينيكس غاما"، فإنّه في الربع الأخير من عام 2023، مقارنةً بنهاية العام 2022، انخفض مرفق السياحة في فئته بنسبة 73%.
وفي الشمال، فإنّ النشاط السياحي، بدأ بالتراجع منذ ما قبل "طوفان الأقصى"، عندما قام الاحتلال بأعمال جرف خارج ما يُعرف بـ"خط الانسحاب" في منطقة كفر شوبا المحتلة جنوبي لبنان.
وبعيد "طوفان الأقصى"، خلَت مراكز التزلج والمطاعم والمرافق السياحية كافة، من الزوار والسياح.
وفي حين لجأت الحكومة الإسرائيلية، إلى إجلاء آلاف الإسرائيليين من منازلهم، وتكفّلت بمصاريف إقامتهم خلال فترة نزوحهم، في غرفٍ فندقية في "إيلات"، إلا أنّ هذا الأمر لم يعد ممكناً في الشمال، إذ باتت الفنادق أيضاً مهددة.