هل ستزود أميركا دول آسيا الوسطى بالأسلحة؟
لم يستبعد مجتمع الخبراء إمكانية فتح "جبهة ثانية" تطعن روسيا في خاصرتها الآسيا. ويرجحون أن يكون الهدف منها صرف انتباه موسكو عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
تبحث مقالة المحللة السياسية يلينا ألكساندروفنا كوروتكوفا الباحثة في مركز "روسيا" الإعلامي (جمهورية قيرغيزستان)، والمنشورة في صحيفة "نيزايسيمايا غازيتا" المسكوفية، حول أجندة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين وفحوى نقاشاته مع قادة دول آسيا الوسطى، وإمكانية تزويد واشنطن هذه الدول بالأسلحة.
وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
تناقش دول آسيا الوسطى إمكانية الحصول على أسلحة من الولايات المتحدة. صرح بذلك مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون جنوب ووسط آسيا، دونالد لو، في جلسة استماع بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي في 9 آذار/مارس الجاري، مشيراً إلى أن بلاده لديها "شراكة رائعة مع دول آسيا الوسطى" في مجال الدفاع.
بات مثل هذا السيناريو ممكناً بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين إلى المنطقة، والتي ناقش فيها تعزيز الشراكات والديمقراطية والاستقرار والازدهار والاقتصاد الأخضر. ومع ذلك، فإن الأجندة الحقيقية يمكن أن تكون أوسع وأعمق بكثير، بناءً على بعض الأحداث بعد اختتام المفاوضات.
بعد الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركي بلينكين إلى كازاخستان، ولقائه بالرئيس قاسم جومارت توكايف، وعقد قمة "C5 + 1" في كازاخستان، تم استبعاد بنك "بيركي" بشكل غير متوقع من قوائم العقوبات الخارجية الأميركية ومراقبة الأصول الخاصة بخزانة الولايات المتحدة. على الرغم من أن هذا البنك هو "ابن" سبيربنك الروسي في كازاخستان، إلا أنه استمر في العمل تحت العقوبات، ولكن مع فرض قيود على معاملات الصرف الأجنبي بالدولار الأميركي واليورو، والتفاعل مع الخدمات الأجنبية والعلاقات المصرفية المراسلة.
يقول رئيس مجلس إدارة البنك أندريه تيمشينكو: "إنها لحظة تاريخية للسوق المالي بأكمله في البلاد. بذل المساهمون والبنك الوطني والجهات المنظمة جهوداً جبارة لرفع العقوبات المفروضة على بنك بيريكي. وقد تم تقديم دعم كبير من قبل وزارة الخارجية وسفارة كازاخستان في الولايات المتحدة".
كما زار بلينكين أوزبكستان المجاورة للمرة الأولى. بالإضافة إلى لقاء الرئيس شوكت ميرزيوييف ووزير الخارجية بالإنابة بختيور سعيدوف، عقد مؤتمرات صحافية لوسائل الإعلام والمدونين وزار جامعة أوزبكستان الحكومية للغات العالمية. في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، بلغ عدد مراكز تعليم اللغة الإنكليزية في أوزبكستان 17، وقد افتتحت تحت رعاية سفارة الولايات المتحدة في طشقند. وبحسب الخدمة الصحفية للبعثة الدبلوماسية الأميركية، فقد خصصت واشنطن منذ عام 2018 أكثر من 25 مليون دولار لتطوير ونشر اللغة الإنكليزية وشراء كتب تعليمية جديدة.
تأكد بلينكين بنفسه بأن هذه الأموال لم تنفق عبثاً، فقد حدّثه الطلاب حين التقى بهم، بكل ما يعرفونه عن العيد الأميريكي المسمى "يوم الرئيس"، وأخبروه بقصص قصيرة عن أنفسهم وهواياتهم وطعامهم المفضل. في المناسبة، بالإضافة إلى هذا البرنامج، تنفذ الولايات المتحدة برنامجاً آخر في أوزبكستان منذ عام 2020 يسمى "الأمة الناطقة باللغة الإنكليزية". يتعلم فيه أكثر من 15000 مدرس أوزبكي طرقاً جديدة لتدريس اللغة الإنكليزية من زملائهم ومدربين أميركيين.
يبدو أن قيرغيزستان قد تصبح أيضاً عضواً في برنامج "الأمة الناطقة باللغة الإنكليزية" في المستقبل القريب. بعد أقل من أسبوع من انتهاء ملتقى "أستانا C5 + 1"، في 3 آذار/ مارس، التقى رئيس البرلمان القيرغيزي نورلانبيك شكييف بالسفير الأميركي المعتمد حديثاً في قيرغيزستان ليزلي فيغيري. وذكرت وكالة "جوغوركو كينيش" الصحافية أن شكييف أعرب نيابة عن قيرغيزستان عن رغبته في إقامة علاقات مع الولايات المتحدة على أساس "الثقة المتبادلة". ونقلت الوزارة عن شكييف قوله: "من الأهمية بمكان تطوير العلاقات بين البرلمان القرغيزي والكونغرس الأميركي، والتي ضعفت بسبب وباء كوفيد 19 في السنوات الأخيرة. لذلك، وكخطوة أولى، نود إنشاء مجموعة من أصدقاء قيرغيزستان في الكونغرس الأميركي كجزء من أنشطة لجنة الشراكة من أجل الديمقراطية. ومن الضروري أيضاً تكثيف الزيارات المتبادلة للوفود البرلمانية والعمل المشترك في هذا الاتجاه".
ووافق فيغيري محاوره، مؤكداً أن واشنطن "تعتزم تكثيف العلاقات مع بيشكيك، وستكون الأولوية للاقتصاد والتعليم وحماية البيئة". يخطط شكييف لبناء علاقات ثقة متبادلة مع الولايات المتحدة على خلفية بقاء اللغة الروسية لغة رسمية من الجمهورية بموجب مشروع القانون الدستوري "حول لغة الدولة"، والتطور يكون عبر تقليص ساعات تدريسها في المدارس، مع زيادة تدريجية في عدد الساعات في المدارس الجمهورية للغة الإنكليزية. يشار إلى أن تكوين مجموعة الصداقة البرلمانية للتعاون مع روسيا ومجموعة الصداقة البرلمانية للتعاون مع دول أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية في برلمان قيرغيزستان متقاربة في الحجم. هناك 62 عضواً في معسكر أصدقاء الولايات المتحدة على المستوى البرلماني، و50 عضواً في معسكر أصدقاء روسيا. ولا يمنع أن يكون النائب الواحد في المعسكرين في آن معاً (يوجد 33 نائباً مزدوجي العضوية وفق خدمة "جوغوركو كينيش")، كما نائب رئيس مجموعة الصداقة مع بلدان أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية أيبيك ماتكيريموف، فهو عضو في مجموعة الصداقة الروسية، ولكنه فيها عضو عادي.
أخيراً، تبين أن نتائج المفاوضات بشأن تعزيز الأمن في آسيا الوسطى مثيرة للاهتمام. تحدث المشاركون في "C5 + 1" عن أهمية "تعزيز التفاعل الدبلوماسي" من أجل الاستقرار في آسيا الوسطى والحوار كضمان للسلام. كما نوقشت في إطار الملتقى "سبل ضمان الأمن والمستقبل السلمي لسكان آسيا الوسطى في سياق تطور الأزمات العالمية"، ومكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات، وضمان أمن الحدود الإقليمية والهجرة الآمنة. ومع ذلك، وفقاً للنسخة الأميركية فإن "طريقة ضمان الأمن" تشمل إمكانية الحصول على أسلحة أميركية من قبل دول المنطقة، التي تضم دول "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" (مع الاتحاد الروسي). صرح بذلك مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون جنوب ووسط آسيا دونالد لو في جلسة استماع بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي في 9 آذار/ مارس، مشيراً إلى أن بلاده لديها "شراكة رائعة مع دول آسيا الوسطى" في مجال الدفاع. "يمكن أن يكون مفيداً، نظراً إلى موقع هذه البلدان بجوار أفغانستان، في مرحلة ما "قد تواجه فجأة نقصاً في الطائرات أو الذخيرة. ولن تتمكن روسيا من مد يد العون إليها، لكن الولايات المتحدة أو كوريا الجنوبية أو اليابان ستقوم بذلك بشكل جيد"، كما أشار لو.
وفق دونالد لو: "تاريخياً، كانت هذه المنطقة (آسيا الوسطى) حساسة جداً لأعمال القوات العسكرية الأجنبية، وبرامج شراكتنا ناجحة جداً في جميع أنحاء المنطقة. بالنسبة للتعاون الأمني، نعلم جميعاً أن روسيا تستهلك الكثير من المعدات العسكرية والذخيرة في أوكرانيا. سيكون من الصعب عليها استعادة احتياطياتها، ناهيك عن إمكانية تصديرها إلى دول أخرى".
في المقابل، منذ صيف عام 2022، لم يستبعد مجتمع الخبراء إمكانية فتح "جبهة ثانية" تطعن روسيا في خاصرتها الآسيا وسطوية. ويرجحون أن يكون الهدف منها صرف انتباه موسكو عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، على أن يكون مقاتلو هذه الجبهة من ممثلي المنظمات الإرهابية الدولية التي تعارض السلطات الرسمية في كابول التي تحكمها حركة طالبان بحكم الأمر الواقع، أو من ممثلي الجماعات التي انفصلت عن طالبان نفسها بسبب الاختلافات الأيديولوجية.
نقلها إلى العربية: عماد الدين رائف