"نيويورك تايمز": بايدن والإسرائيليون متشبثون بخلافاتهم بشأن إيران برغم الترحيب الحار به
برغم التصريحات عن الصداقة القوية بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، كانت المقاربة المختلفة بشأن أفضل طريقة لوقف برنامج إيران النووي واضحة في زيارة بايدن إلى "إسرائيل".
كتب ديفيد سانغر تقريراً مطولاً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تناول فيه نتائج زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للكيان الإسرائيلي. وقال الكاتب إن بايدن قد أصدر يوم أمس الخميس أحد أكثر التحذيرات صراحة لطهران خلال رئاسته، حيث تعهد لقادة "إسرائيل" "بأننا لن نسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي"، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤقت يائير لابيد دفع إلى أبعد من ذلك، مطالباً أن على "كل الدول الديمقراطية أن تتعهد بالتحرك إذا استمر الإيرانيون في تطوير برنامجهم النووي".
ورأى الكاتب أن التمييز بين تعهد بايدن بوقف "سلاح" نووي وإصرار لابيد على تدمير "برنامج" إيران النووي بالكامل هو أكثر من مجرد دلالات: فهو يذهب إلى قلب المقاربتين المختلفتين للدولتين في التعامل مع طموحات إيران النووية. فحتى وسط التأكيدات المتكررة والعلنية للعلاقة الوثيقة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، تظل الخلافات حول كيفية التعامل مع إيران مستعصية. فلمرات عدة يوم أمس، حض أعضاء في القيادة الإسرائيلية (بايدن) علناً وسراً على أن تطور الولايات المتحدة خياراً عسكرياً أكثر مصداقية للقضاء على المنشآت النووية الإيرانية، كطريقة لإقناع طهران بضرورة وقف برنامجها النووي المتسارع.
وقال الكاتب إن "إسرائيل" أجرت سلسلة من عمليات التخريب والاغتيال السرية لإبطاء قدرة إيران على تخصيب الوقود النووي، بينما أصر بايدن على أن الدبلوماسية، واستعادة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، هما أفضل السبل لإيجاد حل دائم.
قال لابيد في افتتاح مؤتمر صحافي في القدس المحتلة بعد اجتماعه مع بايدن: "إذا استمروا في تطوير برنامجهم النووي، فسيستخدم العالم الحر القوة". وقد استمع بايدن بانتباه لكلامه لكنه لم يكرر هذا الالتزام مطلقاً. بدلاً من ذلك، تمسك بالحديث عن منع إيران من الحصول على سلاح – وليس منعها من الحصول على "برنامج" قد يكون الغرض منه تطوير سلاح، بحسب الصحيفة.
وأوضح الكاتب أنه حتى هذه الاختلافات الإستراتيجية طويلة الأمد آخذة في التحول، وسط تصدعات في الإجماع الإسرائيلي على مدى هو خطر وشيك التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني.
وأضاف أنه تم وضع هذه الخلافات حول استراتيجية إيران أمس جانباً إلى حد كبير في أول يوم من أول رحلة لبايدن إلى الشرق الأوسط كرئيس، في منطقة تغيرت فيها التحالفات والعلاقات بشكل جذري منذ أن كان آخر مرة هنا كنائب للرئيس باراك أوباما.
ينتقل بايدن اليوم الجمعة إلى المهمة الأصعب للرحلة: محاولة إحياء التحالف مع المملكة العربية السعودية، وسط انتقادات حادة له، وخاصة من الجناح التقدمي لحزبه، بأنه يعيد تأهيل ولي للعهد الذي تعتقد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنه كان على علم، وربما متواطئ، في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، المعارض وكاتب العمود المقيم في أميركا.
ورأى الكاتب أن مهمة بايدن في تل أبيب كانت تعزيز وتعميق العلاقة مع القادة الإسرائيليين الذين ينتظرون انتخابات صعبة لاختيار رئيس وزراء جديد. واستغل بايدن المؤتمر الصحافي الذي عقده الخميس مع لابيد لتعزيز العلاقة المزدهرة بين "إسرائيل" وعدد قليل من الدول العربية، بما في ذلك إنشاء منطقة دفاع جوي مشتركة للحماية من الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية. يقول مسؤولو الإدارة الأميركية إنهم بينما يضغطون من أجل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين السعودية و"إسرائيل"ن لكنهم يتوقعون فقط تقدماً تدريجياً نحو هذا الهدف في هذه الرحلة. لكن علاقة بايدن مع السعودية هي التي تلوح في الأفق أكثر خلال الجزء الثاني من زيارته. في المؤتمر الصحافي القصير الخميس، تم الضغط على بايدن مباشرة بشأن ما إذا كان سيثير قضية مقتل خاشقجي عندما يلتقي بالقادة السعوديين اليوم الجمعة. وولي العهد الأمير محمد بن سلمان متهم بالموافقة المباشرة على القتل الوحشي لخاشقجي في اسطنبول عام 2018. قال بايدن أمس إن آرائه بشأن قتل خاشقجي معروفة، لكنه لم يذكر ما إذا كان سيثير اسم المعارض على وجه التحديد خلال لقائه بالأمير محمد.
أوضح بايدن: "كانت آرائي بشأن خاشقجي واضحة تماماً وإيجابية"، مشيراً إلى أنه لم يتردد البتة في التحدث علانية مع الحلفاء والخصوم حول حقوق الإنسان. ولكن مع المقرر أن يطير الرئيس الأميركي مباشرة من "إسرائيل" إلى جدة اليوم الجمعة - وهي رحلة تخبرنا كثيراً عن البيئة المتغيرة في الشرق الأوسط - لا يزال مسؤولو الإدارة يناقشون إذا ما كان يجب وكيف يثير القضية في التعليقات العامة على الأراضي السعودية.
ورأى الكاتب أنه في حالات أخرى، بما في ذلك كوبا وفنزويلا أخيراً"، شدد بايدن على أن إدارته تجعل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان الاعتبار الأول للتعامل مع قادة الدول الأخرى. لكنه قال أمس في القدس المحتلة إن "سبب ذهابي إلى السعودية هو تعزيز المصالح الأميركية".
وبحسب الكاتب، تشمل هذه المصالح دفع المملكة إلى ضخ المزيد من النفط من قدرتها الاحتياطية المتواضعة إلى حد ما. وقد احتفل بايدن بالتوقيع على "إعلان القدس" الجديد، الذي يعيد التأكيد على صلابة التحالف بين "إسرائيل" والولايات المتحدة والالتزامات الأميركية بعدم السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي، وتقارب "إسرائيل" مع العديد من الخصوم العرب. وفي حين أن القليل في الإعلان كان جديداً، فإن حقيقة أنه ذكر بجرأة الخطوط العريضة للعلاقة - التي وقعها رئيس ديمقراطي ينظر إليه الكثيرون في إسرائيل بريبة، ورئيس وزراء إسرائيلي بالإنابة يسعى إلى جعل دوره دائماً- يسيطر عليها الكثير من النقاش العام في "إسرائيل".
حصل بايدن أمس على وسام الشرف الرئاسي الإسرائيلي، واقتبس من التوراة واصفاً "إسرائيل" بأنها "أمة لن تسكن بمفردها بتاتاً، لأنه طالما توجد الولايات المتحدة فلن تكون وحيدًا أبداً".
وأشار الكاتب إلى أن بايدن قضى الكثير من الوقت في زيارته للكيان الإسرائيلي في الترويج لمشاريع مشتركة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، بدءاًمن نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ ونظام جديد يسمى "الشعاع الحديدي" Iron Beam، والذي لا يزال نموذجاً أولياً، يستخدم الليزر. قال بايدن: "هذه التقنيات والتطورات بالغة الأهمية. كل صاروخ يتم اعتراضه هو حياة محتملة، وربما أكثر، يتم إنقاذها".
وأضاف: لم يكن التزامه بمنع إيران من الحصول الفعلي على سلاح نووي جديداً- فقد قطع كل من جورج دبليو بوش وباراك أوباما ودونالد ترامب تعهدات مماثلة - لكن لغته الأكثر صرامة كانت صريحة بشكل غير عادي، بما في ذلك الوعد باستخدام القوة العسكرية اذا كان ذلك ضرورياً. (أوباما، على سبيل المثال، كان سيتجنب التهديدات الصريحة ويتحدث بدلاً من ذلك عن استخدام "جميع أدوات" القوة الأميركية - المالية والدبلوماسية والعسكرية).
وأشار الكاتب إلى أن "إسرائيل" لقد انتهجت منذ سنوات عديدة سياسة نسف متكررة للمنشآت النووية واغتيال قادة البرنامج النووي في محاولة لإبطاء قدرة إيران على إنتاج الوقود النووي. تم تسريع هذا البرنامج السري الإسرائيلي في العام الماضي، وقد وصفه المسؤولون الإسرائيليون أحياناً بأنه "قص العشب"، اعترافاً منهم بأنه بقدر سرعة تفجير عناصر البرنامج، يحاول الإيرانيون إعادة بنائه. لكن الولايات المتحدة تتبع مساراً مختلفاً، في محاولة لإحياء الاتفاق الدبلوماسي مع إيران، الذي تخلى عنه ترامب. تطلب ذلك الاتفاق من إيران شحن 97 في المائة من وقودها النووي إلى خارج البلاد، ويقول العديد من المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الإسرائيليين إنهم يعتقدون الآن أن خطوة ترامب بالانسحاب من الاتفاق قد فشلت، مما سمح لإيران باستئناف وتسريع برنامج التخصيب النووي. وأكد بايدن أمس اعتقاده بأن الدبلوماسية توفر الأمل الوحيد لحل دائم.
أما بالنسبة للابيد، فقد يكون اتخاذ موقف لا هوادة فيه بشأن إيران في حضور الرئيس الأميركي ضرورة سياسية قبل انتخابات تشرين الثاني / نوفمبر المقبل، حيث يأمل في تحويل وضعه المؤقت إلى فترة ولاية كاملة كرئيس للوزراء. فلسنوات، سعى لابيد إلى تجنّب السماح لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بالالتفاف إلى يمينه فيما يتعلق بالقضايا الأمنية، على الرغم من أن نتنياهو قال بعد لقائه مع بايدن أمس قال إنه قال له إن "هناك حاجة إلى خيار هجوم عسكري جدير بالثقة".
وأوضح الكاتب أن "التحدي الذي وجهه لابيد إلى بايدن تم تخفيفه من خلال لغة الجسد الودية بشكل مفرط، ولم تكن الجلسة خالية من التوتر الحاد الذي ميز أحياناً اجتماعات نتنياهو مع بايدن عندما كان نائباً للرئيس. في السر، يقول بعض المسؤولين الإسرائيليين إنهم يركزون أكثر على دعم إيران للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط، وأنهم يعتقدون أنه سيكون لديهم تحذير كافٍ إذا تحركت إيران بالفعل لبناء سلاح" نووي، على حد زعمهم.