"نيويورك تايمز": بايدن سيجد في زيارته شرق أوسط متغيراً
في زيارته إلى المنطقة الأولى له منذ توليه منصبه، سيبدأ الرئيس بايدن جولته في "إسرائيل"، التي تعمل على بناء علاقات تطبيع مع بعض الدول العربية.
قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير لها إنه عندما يصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع، في أول زيارة له كرئيس للولايات المتحدة، سيجد منطقة قد تغيرت فيها التحالفات والأولويات والعلاقات مع الولايات المتحدة بشكل كبير منذ رحلته الرسمية الأخيرة (كنائب للرئيس)، قبل ست سنوات.
وأضافت الصحيفة أن زيارة بايدن تبدأ في "إسرائيل" والضفة الغربية المحتلة، اللتين كانتا في يوم من الأيام في قلب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ومن المتوقع "أن تركز على علاقات "إسرائيل" القوية مع الدول العربية والشراكة العسكرية العربية الإسرائيلية الناشئة لمكافحة التهديدات من إيران. وسينهي رحلته في المملكة العربية السعودية، الدولة الخليجية التي يريد منها الغرب أن تضخ المزيد من النفط كمرهم لأزمة الطاقة العالمية المتزايدة التي اندلعت بسبب الحرب في أوكرانيا".
وتابعت "نيويورك تايمز": عندما زار بايدن "إسرائيل" آخر مرة في عام 2016 كنائب للرئيس، كانت لها علاقات دبلوماسية مع دولتين عربيتين فقط، هما مصر والأردن. لكن الآن، أصبحت "إسرائيل" جزءاً لا يتجزأ من النظام الدبلوماسي للشرق الأوسط بعد عدة صفقات تاريخية توسطت فيها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب والتي أدت إلى تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" وثلاث دول عربية أخرى: البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة.
في الضفة الغربية، سيلتقي بايدن بمسؤولين فلسطينيين وقد يعلن عن دعم اقتصادي جديد. لكن محللين ودبلوماسيين قالوا إنهم لا يتوقعون تطورات كبيرة في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية.
وقال ألون بينكاس، القنصل العام الإسرائيلي السابق في نيويورك: "لم تعد المشاركة الأميركية، ناهيك عن التدخل الرئاسي، في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أولوية. لقد عادت الولايات المتحدة إلى إدارة التحالف أو تحولت إلى إدارة التحالف، وهذا هو السبب في أن التحالف الإسرائيلي الخليجي المعادي لإيران أهم بكثير بالنسبة للولايات المتحدة من حل الصراع" الفلسطيني-الإسرائيلي.
من المتوقع أن يناقش بايدن ومضيفوه الإسرائيليون تعزيز نظام التنسيق العسكري بين "إسرائيل" وحلفائها العرب الجدد والجيش الأميركي. هذا التحالف ما كان يمكن تصوره خلال زيارة بايدن الرسمية الأخيرة، إذ سيسمح النظام للجيوش المشاركة بالتواصل في الوقت الحقيقي حول التهديدات الجوية من إيران ووكلائها، وقد تم استخدامه بالفعل للمساعدة في إسقاط العديد من الطائرات بدون طيار، بحسب زعم مسؤولين إسرائيليين.
وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن هناك تلميحات حول انخراط السعودية في التنسيق العسكري، والتي لا تربطها حالياً علاقة علنية بـ"إسرائيل" لكنها تشاركها معارضتها لإيران.
وقال السفير الأميركي لدى "إسرائيل"، توماس آر نيديز في مقابلة بثت مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، "إننا لن نعلن عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية في هذه الرحلة. لكن هذه ستكون بداية لعملية ستظهر أهمية الأمن الإقليمي".
تاريخياً، قال المسؤولون السعوديون إنهم سيتجنبون إقامة علاقة رسمية مع "إسرائيل" حتى إنشاء دولة فلسطينية. لكن السعوديين البارزين أصبحوا ينتقدون القيادة الفلسطينية بشكل متزايد، وأعرب معلقان سعوديان عن دعمهما للتطبيع مع "إسرائيل" في الأيام الأخيرة، بحسب "نيويورك تايمز".
كما أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مفاوضات عبر القنوات الخلفية لزيادة عدد الطائرات الإسرائيلية المسموح لها بالتحليق فوق الأراضي السعودية، وتأمين موافقة "إسرائيل" على تغيير دور قوات حفظ السلام الدولية في جزيرتين صغيرتين استراتيجيتين بالقرب من الساحل الجنوبي للكيان الإسرائيلي، سلمتهما مصر إلى السعودية في عام 2017.
وقال الوزير الإسرائيلي عيساوي فريج الخميس إنه طلب من السعودية السماح برحلات جوية مباشرة من "إسرائيل" لتسهيل أداء فريضة الحج إلى مكة من قبل المسلمين في الكيان.
وقال إيتامار رابينوفيتش، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن: "هناك تقارب جديد بين إسرائيل والخليج. السؤال هو: هل يمكن للولايات المتحدة أن تحاول أخذ كل هذه الأحجار المختلفة وتبني شيئاً جديداً معهم؟".
ورأت الصحيفة أن زيارة بايدن ستمنح الولايات المتحدة فرصة لتجسير خلافاتها مع الحكومة الإسرائيلية حول كيفية احتواء البرنامج النووي الإيراني. فمنذ رحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو الذي كان على علاقة متصدعة مع الحزب الديمقراطي، تحسنت العلاقات بين "إسرائيل" والولايات المتحدة. يتحدث كلا الجانبين عن تفاعلات دافئة، ولم تكن هناك خلافات عامة كبيرة. هذه الديناميكية لا تزال قائمة على الرغم من الانهيار الأخير للحكومة الإسرائيلية وتنصيب رئيس وزراء مؤقت، يائير لبيد.
ومع ذلك عارضت "إسرائيل" في السر الجهود التي تدعمها الولايات المتحدة لإقناع إيران بتقليص برنامجها النووي في مقابل تخفيف العقوبات - وزيارة بايدن هي جزئياً محاولة لطمأنة "إسرائيل" بأن واشنطن تدعمها، بحسب الصحيفة.
قال نيديز في المقابلة: "لن يسلّط أحد الضوء على التزام جو بايدن وحبه لدولة إسرائيل. أمن إسرائيل له أهمية قصوى في الولايات المتحدة".
وتوقعت الصحيفة أن تكون محادثات بايدن مع الفلسطينيين بأن تكون أكثر صعوبة. ففي المرة الأخيرة التي زار فيها بايدن فلسطين، انهارت مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية الأخيرة، التي توسطت فيها الإدارة الديمقراطية الأخيرة. يُعتبر تجديد المحادثات أمراً مستبعداً جداً وسط تضاؤل الآمال في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية في المستقبل القريب وتضاؤل الاهتمام الأميركي بالسعي إلى ذلك.
يؤكد المسؤولون الأميركيون، بمن فيهم نيديز، أن إدارة بايدن تؤمن بحل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لكن المحللين قالوا إن ترسيخ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والانقسامات داخل القيادة الفلسطينية وعدم اهتمام "إسرائيل" بمفاوضات السلام كلها مسائل تجعل قيام دولة فلسطينية يبدو وكأنه احتمال بعيد المنال بشكل متزايد.
تقول إدارة بايدن إنها أعادت نحو 500 مليون دولار من التمويل للفلسطينيين، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة التي تقدم الدعم للاجئين الفلسطينيين (الأونرا). كما انتقدت الإجراءات، بما في ذلك التوسع الاستيطاني، التي تجعل حل الدولتين أقل قابلية للتطبيق. لكنها فشلت في التراجع عن العديد من الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب والتي رأى الفلسطينيون أنها تقوّض مساعيهم.
لم تلغِ وزارة الخارجية الأميركية رسمياً قرار إدارة ترامب لإضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي يعتبرها معظم العالم غير قانونية. لقد كان ذلط قلباً لعقود من السياسة الأميركية. وبعد الضغط الإسرائيلي، لم تعِد الولايات المتحدة فتح قنصليتها للفلسطينيين في القدس، والتي كانت مغلقة في عهد ترامب. كما أن البعثة الفلسطينية في واشنطن، التي أغلقت أيضاً في عهد ترامب، لا تزال مغلقة في عهد بايدن.
تصاعد الغضب الفلسطيني مجدداً الأسبوع الماضي، بعد أن خلصت الولايات المتحدة إلى مقتل الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عقله بالرصاص في الضفة الغربية في أيار / مايو الماضي، كان على الأرجح عن طريق الصدفة وقالت إنها لن تدفع "إسرائيل" لملاحقة التحقيق الجرمي مع أي جندي إسرائيلي.
واتهمت السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية، "إسرائيل" بقتل أبو عقله عمداً، واعتبر عدد من الفلسطينيين، فضلاً عن عائلة الصحافية، الإعلان الأميركي محاولة لحماية "إسرائيل من المساءلة"، وهو ادعاء رفضته واشنطن.
وقال إبراهيم دلالشا، مسؤول الاتصال السابق بين الحكومة الأميركية والقيادة الفلسطينية ومدير مركز الأفق، وهو مجموعة بحثية في الضفة الغربية، إنه بشكل عام، من منظور فلسطيني، لم تفعل الإدارة الأميركية ما يلزم لإصلاح الضرر الذي حدث.
وقالت "نيويورك تايمز" إنه من غير المرجح أن تؤدي زيارة بايدن إلى تغيير كبير في هذه الديناميكية.
وأشارت إلى أن لبيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي، يؤيد على نطاق واسع مفهوم الدولة الفلسطينية، على عكس سلفه، نفتالي بينيت. لكن لبيد يقوم بمنصبه على أساس مؤقت، بانتظار الانتخابات في الخريف، وهو يفتقر إلى التفويض لتغيير الوضع الحالي.
ومع ذلك، قال المسؤولون الفلسطينيون إنهم يأملون في أن تقنع الإدارة الأميركية "إسرائيل" على الأقل بتنفيذ مشاريع أقل أهمية، مثل شبكة الجيل الرابع للهاتف المحمول في المناطق التي يديرها الفلسطينيون في الضفة الغربية.
قال دالاشا: "ربما ليس هذا هو الوقت المناسب بالضبط للإدارة للضغط من أجل حل الوضع النهائي". لكنه أضاف: "فشلت هذه الإدارة في حمل الإسرائيليين على تنفيذ مجموعة ذات مغزى من إجراءات بناء الثقة".