"نيويورك تايمز": الصين توسّع علاقاتها مع الشرق الأوسط مع الانسحاب الأميركي منه
تعمل الصين على توسيع علاقاتها مع دول الشرق الأوسط باستثمارات ضخمة في البنية التحتية والتعاون في التكنولوجيا والأمن.
كتب بن هوبارد وإيمي تشين تقريراً مطولاً في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تناولا فيه الانخراط الصيني في الشرق الأوسط في وقت تحد الولايات المتحدة الأميركية من تورطها هناك.
وقال الكاتبان إنه في شهر كانون الثاني / يناير الماضي وحده، زار خمسة من كبار المسؤولين من الدول الخليجية العربية الغنية بالنفط الصين لمناقشة التعاون في الطاقة والبنية التحتية. بينما تعهد كبير الدبلوماسيين في تركيا بالقضاء على "التقارير الإعلامية التي تستهدف الصين" في وسائل الإعلام التركية، وضغط وزير الخارجية الإيراني لإحراز تقدم في استثمار 400 مليار دولار وعدت الصين بلاده به.
وأضاف الكاتبان أنه في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة، المنهكة من عقود من الحرب والاضطرابات في الشرق الأوسط، إلى الحد من مشاركتها هناك، تعمل الصين على تعميق علاقاتها مع كل من أصدقاء واشنطن وأعدائها في جميع أنحاء المنطقة.
وعلى الرغم من أن الصين ليست قريبة من منافسة التدخل الواسع للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكن دول المنطقة تتطلع بشكل متزايد إلى الصين ليس فقط لشراء نفطها، ولكن للاستثمار في بنيتها التحتية والتعاون في التكنولوجيا والأمن، وهو اتجاه يمكن أن يتسارع مع انسحاب الولايات المتحدة.
وتابع التقرير: بالنسبة لبكين، فإن الاضطرابات الأخيرة في البلدان المجاورة مثل أفغانستان وكازاخستان قد عززت رغبتها في تنمية علاقات مستقرة في المنطقة. ويأتي هذا التواصل بعد انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان بعد 20 عاماً من غزوه، وكذلك الانتهاء الرسمي لمهمته القتالية في العراق. هذا، إلى جانب الحديث المتكرر لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن الصين كأولوية أمنية وطنية قصوى، الأمر الذي ترك العديد من شركائها في الشرق الأوسط يعتقدون أن اهتمام واشنطن يكمن في مكان آخر.
ورحبت بكين بفرصة توسيع نفوذها، ويقدر القادة العرب أن الصين - التي تروّج لفضيلة "عدم التدخل" في شؤون الدول الأخرى - لن تتدخل في سياساتهم الداخلية أو ترسل جيشها للإطاحة بحكام مستبدين غير ودودين. ويمكن لكل طرف أن يعتمد على الآخر في التغاضي عن انتهاكاته لحقوق الإنسان، بحسب "نيويورك تايمز".
وقال جداليا أفترمان، رئيس برنامج سياسة آسيا في معهد أبا إيبان للدبلوماسية الدولية في جامعة رايشمان الإسرائيلية: "هناك شعور في المنطقة بأن الولايات المتحدة في طريقها للخروج، وهذه فرصة للصين".
لطالما كان اهتمام الصين بالشرق الأوسط متجذراً في حاجتها إلى النفط. وهي تشتري نحو نصف إنتاجها من النفط الخام من الدول العربية، وتتصدر السعودية قائمة المصدرين، ومن المؤكد أن الصين بحاجة إلى المزيد من النفط مع استمرار نمو اقتصادها، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
لكن في السنوات الأخيرة، استثمرت الصين كذلك في البنية التحتية الحيوية في المنطقة وعقدت اتفاقات لتزويد البلدان هناك بالاتصالات والتكنولوجيا العسكرية.
وتتطلع الشركات الصينية المدعومة من الدولة إلى الاستثمار في ميناء بحري في تشابهار في إيران. كما ساعدت هذه الشركات في تمويل منطقة صناعية في ميناء الدقم، في سلطنة عمان، وفي بناء وتشغيل محطة حاويات في أبو ظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى مناء بيناءين جديدين في "إسرائيل"س.
وقالت "نيويورك تايمز" إن مثل هذه الخطوات تعكس وجهة نظر بكين للشرق الأوسط بشأن مبادرة الحزام والطريق، وهي خطة شاملة لبناء بنية تحتية دولية لتسهيل التجارة الصينية.
وقال جوناثان فولتون، الباحث غير المقيم لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، إن الصين تأمل في ربط الأسواق وسلاسل التوريد من المحيط الهندي إلى أوراسيا، مما يجعل منطقة الخليج الفارسي "مركزاً مهماً فعلاً".
وقال الكاتبان إنه في تعاملاتها التي تركز على الأعمال في المنطقة، لم تواجه الصين الولايات المتحدة بشكل مباشر. لكنها غالباً ما تروّج لنفسها كشريك بديل للدول التي تشكك في نموذج واشنطن للتنمية، أو في تاريخها الحافل بالتدخلات السياسية والعسكرية.
وقال لي جوفو، الباحث في معهد الصين للدراسات الدولية التي تشرف عليها وزارة الخارجية الصينية، "إن المصالح الرئيسية للصين في المنطقة اقتصادية، لكن علاقاتها المتنامية جلبت لها أيضاً مكاسب سياسية. ظلت دول الشرق الأوسط صامتة بشأن قضايا مثل قمع بكين للحريات السياسية في هونغ كونغ وتحركاتها المهددة لتايوان".
وأضاف الكاتبان أن "الأمر الأكثر إثارة للدهشة، بالنظر إلى سكان المنطقة الذين يشكلون أغلبية مسلمة، أن أياً من دولها لم ينتقد علناً الاعتقال القسري في الصين لقسم من أقلية الأويغور المسلمة، والتي اعتبرتها الولايات المتحدة إبادة جماعية. حتى أن بعض الدول العربية قامت بترحيل بعض المواطنين الأويغور إلى الصين، متجاهلة المخاوف من تعرضهم للتعذيب أو القتل".
وقال عبد الولي أيوب، وهو ناشط من الأويغور في النرويج، إن مواطنين صينيين اعتقلا في السعودية بعد أن دعا أحدهما إلى المقاومة العنيفة للقمع الصيني. وأضاف أن الرجلين قيل لهما إنهما سيعادان إلى الصين وأن مكان وجودهما الحالي غير معروف. وكشف أيوب أن أفراداً من الأويغور تم ترحيلهم من مصر والإمارات العربية المتحدة ودول عربية أخرى. وقال إن خمسة منهم أرسلوا إلى الصين من السعودية، التي صورت نفسها تاريخياً على أنها مدافعة عن المسلمين في جميع أنحاء العالم.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بالنسبة لدول الشرق الأوسط، فإن فوائد العلاقة واضحة: فالصين تعِد بأن تكون مشترياً طويل الأجل للنفط والغاز ومصدراً محتملاً للاستثمار، من دون التعقيدات السياسية التي ينطوي عليها التعامل مع الولايات المتحدة.
كما تتعامل بكين مع الحكومات التي ترفضها واشنطن. فسوريا، التي يخضع قادتها لعقوبات شديدة، انضمت لتوها إلى مبادرة الحزام والطريق. وأصبحت إيران تعتمد بشدة على الصين منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الدولي لتقييد برنامج إيران النووي وإعادة فرض العقوبات الأميركية التي أصابت اقتصادها بالشلل.
وأوضحت الصحيفة أن العلاقات الإقليمية الأكثر شمولاً للصين هي مع عمالقة النفط العرب في الخليج، بقيادة السعودية والإمارات. فالصين هي الشريك التجاري الأكبر للعديد من البلدان في المنطقة، وهي تتوقع أن تشتري المزيد من النفط والغاز لأن الولايات المتحدة، التي سعت في ظل إدارة بايدن إلى الابتعاد عن الوقود الأحفوري، تشتري كميات أقل. في العام الماضي، تجاوزت التجارة بين الصين ودول الخليج 200 مليار دولار لأول مرة، وتوسع التعاون ليشمل مجالات جديدة.
وكانت البحرين والإمارات أولى الدول التي وافقت على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا صينية الصنع، ودخلت الإمارات في شراكة مع شركات صينية لإنتاجها.
وفي الملخصات الرسمية الصينية لاجتماعات كانون الثاني / يناير الماضي، تم تخصيص أحر المديح للسعودية، التي وصفتها الصين بـ "الصديق الجيد" و"الشريك الجيد" و"الأخ الصالح". ويوم الأربعاء الماضي، عقد كبار مسؤولي الدفاع من الصين والسعودية اجتماعاً افتراضياً لمناقشة سبل تعميق العلاقات العسكرية بين البلدين.
أما الإمارات، التي تريد زيادة مكانتها كمركز تكنولوجي ومالي، فهي مهتمة بشكل خاص بالشركات الصينية.
وقال إيك فرايمان، مرشح الدكتوراه في الصين في جامعة أكسفورد: إن "هناك الكثير من شركات التكنولوجيا الصينية التي هي الآن في الطليعة وتحاول أن تصبح عالمية، ولا يمكنها الذهاب إلى الولايات المتحدة أو أوروبا بسبب اللوائح" القانونية الأميركية.
وضرب فرايمان مثالاً على شركة "سنستايم" SenseTime، وهي شركة صينية تعرضت لانتقادات من قبل جماعات حقوقية وأدرجتها الولايات المتحدة على القائمة السوداء لتزويدها بكين بالتقنيات المستخدمة في تحديد ملامح الأويغور. لكن ذلك لم يثنِ العملاء العرب: ففي عام 2019، افتتحت SenseTime مقراً إقليمياً لها في أبو ظبي.
وأضاف فريمان: "في كل دولة من دول الشرق الأوسط، يريد مكتب الأمن العام الخاص بها ذلك، والصينيون يقدمون ذلك المنتج".
وحاولت الولايات المتحدة منع بعض التحركات الصينية في المنطقة، وخصوصاً ترقيات البنية التحتية من قبل شركة الاتصالات العملاقة هواوي، والتي تحذر واشنطن من أنها قد تسهل التجسس الصيني. ومع ذلك، أبرمت بعض الدول العربية صفقات مع هواوي.
ويقول المحللون إنه بمرور الوقت، قد يعيق نفور الصين من السياسات الإقليمية والصراع من وصولها إلى الشرق الأوسط، المليء بالحروب والانتفاضات والتوترات الطائفية. ولم تبذل الصين أي جهد لمحاكاة الوجود الأمني الأميركي هناك، وحاول شركاء الولايات المتحدة العرب التعامل مع الصين بطرق لا تنفّر واشنطن.
وقالت إلهام فخرو، الباحثة الزائرة في مركز دراسات الخليج بجامعة إكستر البريطانية: "لقد حرصت دول الخليج (العربية) على تحقيق التوازن في نهجها لضمان ألا تؤدي العلاقات المتنامية مع الصين إلى استعداء ضامنها الأمني الرئيسي، الولايات المتحدة".
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم