إستراتيجية "فرّق تسد" الأميركية في المنطقة تأتي بنتائج عكسية
كاتب أميركي يتناول تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، مقابل تقدم الصين في تمتين علاقاتها مع كل الأطراف وأهمها إيران وروسيا.
يتناول الكاتب جوان كوليف، في موقع "Counter Punch" الأميركي، اللقاء الذي جمع الرئيس الصيني شي جين بينغ، مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، و مستشار الأمن القومي السعودي، مسعد بن محمد العيبان، للإعلان عن إعادة العلاقات الدبلوماسية ببين الرياض وطهران، آذار/مارس الماضي، وفق ما نشرت بكين.
فرض المشهد صدمة زلزالية على صانعي السياسة الخارجية في واشنطن، الذين تلمّسوا تراجع نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، في مقابل تقدم الصين في تمتين علاقات مفيدة مع كل الأطراف، مما يتيح لها الشروع في مبادرات ووساطة لاستبدال التوترات السائدة، بعلاقات منتجة توزع الأرباح بدل الخسائر التي تؤمنها الصراعات.
المصالحة بين الرياض وطهران، حدث كبير وضخم، تمّ استبعاد الولايات المتحدة عنه، وهذا تطور لا يعكس قوة المبادرات الصينية فحسب، بل يعكس أيضاً عدم كفاءة الولايات المتحدة، وغطرستها وتعاملها المزدوج المعايير مع دول المنطقة.
بعد الصورة الزلزلية، جاءت هزة ارتدادية أخرى في أوائل شهر أيار/مايو الجاري، بشأن بناء سري لقاعدة بحرية صينية في دولة الإمارات، وهي حليف للولايات المتحدة، وتستضيف الآلاف من الجنود الأميركيين. وستشكل المنشأة في أبو ظبي مع القاعدة العسكرية الصينية في جيبوتي على الساحل الشرقي لأفريقيا، حيوية استراتيجية لجيش التحرير الشعبي الصيني، على عدة مستويات، سياسية وأمنية واقتصادية.
اهتمام الصين بتهدئة التوترات بين السعودية وإيران، لم ينطلق من أي طموحات عسكرية في المنطقة، بقدر ما هو سياسة تحفظ مصالح الصين ومصالح الدول التي تتعامل معها. ولا شك، أنّ استيراد الصين لكميات كبيرة من النفط من دول المنطقة، يشكل حافزاً لتوجه بكين، المعزز بـ"مبادرة الحزام والطريق"، الطموحة والهادفة إلى توسيع البنية التحتية الاقتصادية البرية والبحرية في أوراسيا، من أجل نمو هائل للتجارة الإقليمية.
لا تزال الولايات المتحدة مصممة على أنها "الأمة التي لا غنى عنها"، لكن الواقع يقول العكس. والحاجة إلى "الضرورة" الأميركية في الشرق الأوسط تتراجع بشكل سريع وواضح. وذلك بفضل أخطاء فادحة للسياسات الأميركية، مثل السماح لليمين الإسرائيلي بإلغاء عملية "أوسلو"، وشنّ غزو وحرب غير مبررة على العراق في عام 2003، و سوء تعامل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب البشع مع إيران، ودفع الأخيرة مباشرة إلى تحالف واسع وعميق مع موسكو وبكين.
كان من الممكن أن تكون الأمور مختلفة بالفعل، وأفضل لو التزمت الولايات المتحدة بالاتفاق النووي مع إيران، في العام 2015 ، مع إدارة باراك أوباما، التي نجحت في ضمان عدم انتاج أسلحة نووية لإيران، التي ترفض أصلاً هذا السلاح لأنه يتناقض مع مبادئ وأخلاقيات الشريعة الإسلامية
في أوائل عام 2016، رفع مجلس الأمن بالفعل عقوباته لعام 2006 عن إيران. ومع ذلك، فقد ثبت أنّ هذه لفتة لا معنى لها لأنه بحلول ذلك الوقت، لأن الكونغرس الأميركي، فرض عقوبات أحادية جديدة على إيران، وحتى عقب توقيع الاتفاق النووي، رفض الجمهوريون رفعها. حتى أنهم رفضوا صفقة بقيمة 25 مليار دولار كانت ستسمح لإيران بشراء طائرات ركاب مدنية من شركة "بوينغ".
والأسوأ من ذلك، أنّ سياسة العقوبات الأميركية صُممت لمعاقبة الأطراف الثالثة التي تنتهكها، لا الطرف "المعاقب" فقط. مثلا، كانت الشركات الفرنسية الكبرى متأهبة للولوج إلى الأسواق الإيرانية حين صدمت بتجدد العقوبات، وببفرض غرامة مالية على قدرها 8.7 مليار دولار على البنك الفرنسي "بي أن بي" للالتفاف على تلك العقوبات، حيث لم تعد ترغب أي شركة أوروبية في تلقي هكذا جرعة.
في الأساس، أبقى الجمهوريون في الكونغرس في عهد إدارة ترامب، إيران، تحت العقوبات المشددة، على الرغم من أنها التزمت بالكامل بجانبها من الاتفاق، وكان من الممكن تحسين العلاقات بدل تسعير الخلافات، واستمالة إيران إلى المدار الغربي بدل دفعها نحو الشرق أكثر.
يذكر أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي (آنذاك كما هو الحال الآن) بنيامين نتنياهو، ضغط بشدة ضد "الاتفاق النووي"، حتى أنه تجاوز الرئيس أوباما بطريقة غير مسبوقة لتشجيع الكونغرس على إلغاء الاتفاق، إلى أن تم تمزيقه في عهد الرئيس دونالد ترامب في العام 2018. وأظهر تسجيل لنتنياهو وهو يتباهى بأنه أقنع ترامب الساذج باتخاذ هذه الخطوة.
في 3 كانون الثاني /يناير 2020، اغتالت الولايات المتحدة قائد قوة القدس الإيراني، الفريق الشهيد قاسم سليماني، بقرار من ترامب، تحت ادعاء أنّ الشهيد سليماني "كان قادماً لقتل الأميركيين". فهل أراد ترامب منع التقارب بين إيران والسعوديين آنذاك؟ أو لترسيخ وتوسيع "اتفاقيات التطبيع" برعاية صهره جاريد كوشنر، كتحالف مع "إسرائيل" ضد إيران.
قد يتمدد صعود الصين الجديد، كصانعة سلام في المنطقة قريباً، ليشمل اليمن والسودان، والسعي لتطوير مبادرات سلام عالمية من شأنها التخفيف من التوترات، بالأخص تلك التي في أوراسيا وأفريقيا، والمجاورة لـ"مبادرة الحزام والطريق".
نقله إلى العربية حسين قطايا