باحث إسرائيلي: هل تقسّم المنافسة بين أميركا والصين دول الخليج؟

وقعت الصين اتفاقيات شراكة استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي تشمل استثمارات اقتصادية وتجارية كبيرة في إطار "مبادرة الحزام والطريق".

  • الرئيس شي والملك سلمان
    الرئيس شي والملك سلمان

كتب الباحث الإسرائيلي موردخاي شازيزا مقالة في موقع  "ذا ناشونال انترست" الأميركي تناول فيها التنافس الأميركي الصيني على دول الخليج العربية.

وقال الكاتب إن الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية في أوائل كانون الأول / ديسمبر، قد حضر القمة الافتتاحية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي. وركزت القمة على تحسين العلاقات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي وإقامة علاقات أمنية بين الطرفين. في خطابه في القمة، دعا الرئيس شي الجانبين إلى أن يكونا "شركاء طبيعيين" للتعاون واقترح خمسة مجالات رئيسية للتعاون: الطاقة والتمويل والاستثمار والابتكار والتقنيات الجديدة والفضاء واللغة والثقافات. ومع ذلك، فإن نظرة سريعة على المشاركة في القمة تُظهر أين تكمن النقطة المحورية لكل شراكة: الطاقة والتكنولوجيا والتجارة. بالنسبة لممالك الخليج، ستعمل العلاقات التجارية مع الصين على تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط الذي يوفر معظم دخلها القومي. والأهم من ذلك، في سياق المنافسة العالمية، أن القمة لم تقدم أي التزامات ملموسة لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ولم يتم الإعلان عن أي جديد في مجال الأمن.

الشراكة الاستراتيجية بين الصين ودول الخليج

في الخليج - حيث كانت الولايات المتحدة هي اللاعب الخارجي المهيمن لعقود من الزمن - سعت الصين إلى إقامة علاقات سياسية وثيقة مع القوى الناشئة لتأمين الوصول إلى موارد الطاقة الحيوية، وتوسيع نطاقها التجاري، وتعزيز نفوذها الاستراتيجي. بينما تعتقد الصين أن الهيمنة الأميركية في الخليج آخذة في التراجع، فإن نهجها لتحقيق مكانة القوة العظمى ونفوذها كان حذراً ومتردداً. إن إثارة عدم الاستقرار لا يفيد الصين، التي لا تملك الإرادة ولا القدرة على ملء الدور الأمني الإقليمي الذي تشغله الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك، طورت الصين شراكات استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي الرئيسية التي يمكن أن يعزز دعمها مكانتها كقوة عظمى ويسمح لها بإبراز نفوذها في ساحات جديدة.

وقال الكاتب إن ذلك يشير إلى أن الصين مصممة على تجنب المواجهة مع الولايات المتحدة ولا تريد الانجرار إلى الصراعات المتعددة في المنطقة. تفضل بكين اتخاذ موقف عدم التدخل، مما يسمح لها بالبقاء على الحياد في معظم النزاعات الإقليمية والاستفادة من الفرص الاستراتيجية والاقتصادية. ونتيجة لذلك ، فإن مشاريع "مبادرة الحزام والطريق" في الخليج هي في الأساس وسيلة لتعزيز مكانة بكين كقوة عظمى في المنطقة. فسياسة عدم التدخل هذه ضرورية لضمان نجاح إطار "مبادرة الحزام والطريق" من خلال الحفاظ على الحياد وعدم إبعاد أي شخص. في الوقت نفسه، تنظر دول الخليج العربية إلى الصين كشريك تجاري مثالي لا يتدخل في الشؤون الداخلية وكقوة عظمى لها تأثير سياسي كبير على الساحة الدولية.

تقيم الصين علاقاتها مع دول الخليج من خلال دبلوماسية الشراكة بدلاً من سياسات التحالف (هذه العلاقات ليست تحالفات، حيث ابتعدت بكين عادةً عن تشكيل تحالفات). وقعت الصين اتفاقيات شراكة استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي توضح بالتفصيل استثمارات اقتصادية وتجارية كبيرة في إطار "مبادرة الحزام والطريق"، بما في ذلك شراكات استراتيجية شاملة مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وهما من أقوى دول المنطقة وأكثرها ثراءً بالموارد، وكذلك شراكات استراتيجية مع الكويت وعُمان وقطر. 

ورأى الكاتب أن من المهم ملاحظة أن دبلوماسية الشراكة الصينية في الخليج تتوقف على تعميق العلاقات الثنائية والشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة الحاليين لتوسيع نفوذها والوصول إلى الطاقة مع تجنب المواجهة مع واشنطن في الوقت نفسه.

وأضاف: مع ذلك، فإن التراجع النسبي للهيمنة والنفوذ الأميركيين في الخليج، والذي يحدث جنباً إلى جنب مع دور الصين المتنامي، يؤثر على ميزان القوى في المنطقة. مع الحفاظ على شراكاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، تسعى بعض دول مجلس التعاون الخليجي - السعودية والإمارات، على سبيل المثال - أيضًا إلى التحوط من التهديدات والتحول السريع في ميزان القوة من خلال إقامة علاقات مع قوى أخرى. تهدف سياسة التحوط هذه إلى استخدام الصين كمصدر إضافي للدعم السياسي والاقتصادي وحتى العسكري، فضلاً عن استخدام العلاقات مع بكين للضغط على واشنطن لتعديل سياستها.

التنافس بين القوتين العظميين

وخلص الكاتب إلى أن المنافسة بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة والصين، قد وصلت إلى آفاق جديدة، وأصبحت أهم ديناميكية على المسرح العالمي، وشكلت النظام الدولي أثناء تطوره. فدول الخليج العربيةـ تجد نفسها، بين واشنطن التي تشعر بالقلق بشكل متزايد وبكين الناشئة الحازمة، تجد نفسها في خيار بين حليفها الاستراتيجي الرئيسي وشريك اقتصادي مهم. ومع ذلك، فإن مستقبل الشراكة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي لن يتحدد بما ترغب القوتان العظميان في كسبه من الممالك الخليجية ولكن بما تتوقع دول الخليج أن تكسبه من التنافس بين القوتين العظمين. يسلط هذا التوقع الضوء على العلاقة الغريبة والمعقدة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي.

فعلى الرغم من أن القمة الصينية الخليجية أكدت الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن دول الخليج ليس لديها رؤية موحدة ومتماسكة لنهج إقليمي للتنافس بين القوتين العظميين. تشترك دول الخليج في شكوك مشتركة بشأن التزام واشنطن المستقبلي تجاه المنطقة، لكن مواقفها تجاه الصين وتنافس مع أميركا تختلف اختلافاً كبيراً. يمكن تقسيم هذه الآراء المتباينة إلى ثلاث مجموعات كالتالي:

المجموعة الأولى، "دول التحوط"، وتشمل السعودية والإمارات. كلتاهما يتحوط علانية ضد انسحاب واشنطن من الخليج. وبالتالي، فقد أدرجتا عنصر شراكة إستراتيجية شاملة في مشاركتهما مع الصين. تتطلع الرياض وأبو ظبي بنشاط إلى تنويع إمداداتهما من الأسلحة، حيث تعتبر الصين الآن البديل الأول للمعدات العسكرية الأساسية التي ترفض الولايات المتحدة بيعها لهما.

المجموعة الثانية هي "دول التوازن"، قطر وعمان. كلاهما أقام علاقات أوثق مع الصين من خلال فتح البنية التحتية الوطنية والشبكات الرقمية للاستثمار الصيني. ومع ذلك، فقد كانتا أكثر حذراً فيما يتعلق بالتنافس بين القوتين العظميين والحفاظ على علاقاتهما العسكرية الوثيقة مع واشنطن. عمقت قطر علاقتها مع الجيش الأميركي – إذ تمت ترقيتها مؤخرًا إلى مكانة حليف رئيسي من خارج الناتو - من خلال دورها الحيوي في الإجلاء من أفغانستان في عام 2021. وقد حرصت عُمان على عدم شراء المعدات العسكرية الصينية - على عكس قطر، التي اشترت الصواريخ الباليستية من بكين - ووقعت اتفاقية إطار عمل استراتيجي جديدة مع واشنطن في عام 2019 منحت البحرية الأميركية حق الوصول إلى ميناء الدقم.

والمجموعة الثالثة هي "الدول الحذرة" ومنها الكويت والبحرين. فتحت الدولتان بلديهما على الاستثمار الصيني ومشاريع البناء، لكنهما امتنعا عن تحويل العلاقات التجارية إلى علاقات استراتيجية. تمتلك الكويت والبحرين القدرات العسكرية الأكثر محدودية بين دول مجلس التعاون الخليجي وتريان حماية الولايات المتحدة أمرًا حيويًا لأمنهما. في الواقع، يوجد ما يقرب من 13500 جندي أميركي في الكويت. فقط ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تستضيف عدداً أكبر من القوات الأميركية. تستضيف البحرين الأسطول الخامس للبحرية الأميركية والقيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية وتشارك في تحالفات عسكرية بقيادة الولايات المتحدة. لدى كلتي الدولتين الكثير لتخسره من التعامل مع الصين أكثر من جيرانهما.

في حين كشفت منافسة القوتين العظميين عن الاستراتيجيات المختلفة التي تتبعها كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالصين، فإن مقارباتها المختلفة تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين.

فوسط تنافس القوتين العظميين، والحرب في أوكرانيا، والصراع من أجل الهيمنة التكنولوجية والاقتصادية، اضطرت دول مجلس التعاون الخليجي إلى التنقل بحكمة بين الولايات المتحدة، حليفها الاستراتيجي العظيم، والصين، شريكها الاقتصادي المهم. ستختبر الاستراتيجيات المختلفة التي تتبعها كل دولة فيما يتعلق بالتنافس بين الولايات المتحدة والصين في نهاية المطاف أمن المنطقة واستقرارها، مما قد يؤدي إلى تقسيم دول مجلس التعاون الخليجي. 

وخلص الباحث الإسرائيلي إلى أنه يجب على دول الخليج العربية تطوير إطار دبلوماسي لمعالجة الخلافات في سياساتها الخارجية ومنع المنطقة من أن تصبح ساحة للصراع بين واشنطن وبكين. إذا فشلت دول الخليج في القيام بذلك، فقد تظهر المنافسة بين الدول المجاورة، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها على المنطقة.

*موردخاي شازيزا حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بار إيلان الإسرائيلية ومحاضر في كلية عسقلان  الإسرائيلية. هو مؤلف كتاب "الصين والخليج الفارسي: استراتيجية طريق الحرير الجديد والشراكات الناشئة" (2019)، و"دبلوماسية الصين في الشرق الأوسط: الشراكة الاستراتيجية للحزام والطريق (2020)"، و"الاستراتيجية الكبرى لطريق الحرير الجديد والمغرب العربي: الصين وشمال إفريقيا".