كيف يكون النوم في خيام غزّة؟

توفّي خمسة أطفال حديثي الولادة بسبب انخفاض حرارة الجسم وسط البرد في غزة. ويقول الأطباء لموقع "Drop Site" إنّ الوفيات هي نتيجة مباشرة للحصار الإسرائيلي.

  • كيف يكون النوم في خيام غزّة؟
    كيف يكون النوم في خيام غزّة؟

موقع "Dropsite News" ينشر تقريراً لأبي بكر عابد، أجرى فيه مقابلات مع فلسطينيين في قطاع غزّة حول الحياة والنوم في الخيام.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

في صباح 28 من كانون الأول/ديسمبر، استيقظ يحيى البطران، وهو أب لخمسة أبناء وثلاث بنات، في خيمته المتهالكة في الجزء الغربي من دير البلح بالقرب من الشاطئ ليجد طفله الرضيع البالغ من العمر شهراً واحداً، جمعة، قد تجمّد حتى الموت. وقد تم نقل شقيقه التوأم إلى المستشفى بسبب انخفاض حرارة الجسم، ويواجه مصيراً مماثلاً. وقد نزح البطران من بيت لاهيا قبل عام. وقُتل شقيقاه والعديد من أقاربه أمام عينيه. ودُمر منزله تماماً بعد أن غزت القوات الإسرائيلية المخيم ودمرته.

لقد تجمّد ستة أشخاص حتى الموت في غزة خلال الأسبوع الماضي، حيث وصلت درجات الحرارة المنخفضة إلى نحو 8 درجات مئوية؛ وكان خمسة منهم من الأطفال الرضع الذين تقل أعمارهم عن شهر واحد. لن يكون مولودا البطران حديثا الولادة آخر من يموت من انخفاض حرارة الجسم مع استمرار تدهور الأوضاع في المنطقة المحاصرة.

قال البطران وهو يختنق من الألم: "استيقظت أنا وزوجتي في الصباح. فحصنا الأطفال كما هي العادة. لكن توأمي البالغ من العمر شهرًا واحداً لم تظهر عليه أي علامات حيوية على الإطلاق. عندما لمسته، كان جسده مثل زجاجة من الثلج. أخذته وهرعت إلى المستشفى سيراً على الأقدام إذ لم يكن لدي المال لسيارة أجرة أو حتى عربة تجرها الحيوانات. أخبرني الأطباء على الفور أنه توفي. لم أستطع تمالك حواسي وانفجرت في البكاء. بعد لحظات، اتصلت بي زوجتي لتخبرني أنّ التوأم الآخر لا يتنفس. أخذناه إلى المستشفى. هو الآن تحت أجهزة الإنعاش داخل العناية المركزة. ومع ذلك، أخبرني الأطباء أنه سيموت في الساعات القادمة"، وهذا ما حصل بالفعل.

  • جثمانا طفلين حديثي الولادة توفّيا بسبب البرد
    جثمانا طفلين حديثي الولادة توفّيا بسبب البرد

وأضاف البطران: "أعيش مع عائلتي ووالدي المشلولين في خيمة صغيرة هشّة مصنوعة من البطانيات الممزقة وقطع النايلون بالقرب من البحر. ليس لدينا سوى أربع مراتب وأربع بطانيات. كلها ممزقة. ومع برودة الليل، أقوم بجمع بعض القمامة لإشعال النار لتدفئة الخيمة للأطفال. أنا وأطفالي نرتدي قطعة أو قطعتين فقط من الملابس القديمة. نحن نرتجف دائماً من البرد أثناء ساعات الليل. أنام معظم الليالي من دون بطانيات وأرتدي سترتي فقط".

كما ذكر: "لا تستطيع والدة الطفلين إرضاعهما لأنها تعاني من سوء التغذية الشديد وارتفاع ضغط الدم. لذلك، يبلغ وزنهما 1.6 كجم. بالكاد نأكل مرة واحدة في اليوم، ونحصل على وجبتنا من أحد مراكز توزيع الأغذية المجانية القريبة. تعاني إحدى طفلاتي من الصدمة. ليس لدينا طعام ولا ماء ولا ملابس ولا أدوية. لا شيء حرفياً.. لقد غمرت مياه الأمطار خيمتي وجرفتها الرياح. لا أستطيع تحمل المزيد من الآلام".

وتابع البطران: "أصعب شيء يمكن لأي شخص أن يتحمله هو رؤية أطفاله يموتون أمامه. لا توجد كلمات لوصف هذا الشعور. لكنني مررت به. رسالتي إلى العالم هي أننا فقدنا كرامتنا وكل شيء. نحن بحاجة إلى الدفء والسلام. يجب على شخص ما أن يوقف هذه الإبادة الجماعية".

الدكتورة سييد هي طبيبة طوارئ أميركية أمضت ما يقرب من شهر في غزة متطوعة في مستشفيات القطاع، ولا سيما مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح. تقول إنّها ليست مندهشة من موت الأطفال بسبب البرد، فالظروف المعيشية التي شهدتها قاسية وهؤلاء الأطفال يعيشون على شاطئ البحر حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير. كما تصر على أنّ حظر "إسرائيل" لمواد البناء، الذي يمنع بناء مساكن مناسبة، كان بمنزلة إعلان وفاتهم.

وقالت الطبيبة الأميركية لموقع "Drop site": "يجب أن تكون المساكن أكثر أماناً. المنطقة الآمنة الإنسانية ليست إنسانية ولا آمنة لأنّ معظم الضحايا الذين نستقبلهم هم من هناك. إذا أردنا إنهاء هذا، فنحن بحاجة إلى وقف إطلاق نار فوري والسماح بدخول المساعدات والحاويات اللائقة ومواد البناء. إنه من الصعب للغاية على الأطفال حديثي الولادة الحفاظ على درجات حرارتهم عندما يعيشون في ظروف مروعة ومن دون احتياجات إنسانية أساسية".

وأضافت: "كنت في خيام بعض الناس، ويمكنني أن أتخيل المعاناة بسبب الرياح والأمطار الشديدة. كما أنّ الناس لا يملكون ملابس جيدة تحميهم من البرد. ولا يستطيعون توفير الأدوية اللازمة لمنع انخفاض حرارة الجسم. وبالتالي، هناك حاجة ماسة إلى توفير المأوى والتغذية المناسبة، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان. يعاني كل طفل رأيته في المستشفى هنا من علامات سوء التغذية وبقع نقص التصبغ على جلده وشعره بالإضافة إلى نوع من الحالات الالتهابية المعدية، ناهيك بأمراض الجهاز الهضمي التي يصابون بها بسبب تلوث المياه الرهيب. لقد رأيت طفلاً رضيعاً كان يأتي إلى المستشفى باستمرار بسبب الإسهال نتيجة  الظروف المعيشية نفسها. إنّ مستقبل الأطفال سيكون قاتماً للغاية. في الواقع لا يوجد مستقبل".

يعمل الدكتور خالد أبو حبل، وهو طبيب طوارئ متطوع في مستشفى شهداء الأقصى، بلا كلل منذ اندلاع الحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية. ويصف الوضع في غزة بأنّه "لا يطاق" و"غير قابل للحل" وسط الحصار الإسرائيلي المستمر للمعابر. وقال لموقع "Drop site": "في الهواء الطلق على طول خط البحر، تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير. لذا، يكاد يكون من المستحيل حمايتهم حتى لو كانوا يرتدون الملابس".

وأضاف: "يعيش الناس في غزة في خيام، معظمهم على طول خط الساحل. تلعب البيئة التي يعيشون فيها دوراً رئيسياً في معاناتهم. لذلك، فإنّ انخفاض حرارة الجسم هو نتيجة متوقعة للظروف. لا يملك الأطفال ملابس شتوية ولا ملجأ جيداً يحميهم من البرد. حتى أنهم محاطون بالقمامة والنفايات وقد أصيبوا بالفعل بعدوى فيروسية. يعاني معظمهم من سوء التغذية وضعف المناعة. وبالتالي، يمكن أن تفقد أجسامهم درجة حرارتها ويمكن أن تصاب بانخفاض حرارة الجسم بسهولة شديدة".

كما ذكر أنّ "الأطفال حديثي الولادة معرّضون للخطر بشكل  أكبر"، مشيراً إلى أنّ "معظم الأطفال يولدون بعاهات أو تشوهات لأنّ الأمهات تعرضن لصدمات لا يمكن تصورها وسوء التغذية والجفاف والعديد من الأمراض. وهؤلاء الأطفال يتعرضون بسهولة للبرد وانخفاض حرارة الجسم ويموتون".

صابرين صالح (32 عاماً) لجأت إلى خيمة متسربة في دير البلح مع زوجها وطفليها، أحدهما رضيع، بعد نزوحها من جباليا شمال غزة. كانت قلقة للغاية على صحة طفلها. قالت: "البرد يقتلنا أثناء الليل. لا نستطيع تحمله على الإطلاق. نحن هنا ننام على الأرض بفراشين وثلاث بطانيات فقط. لكنها في الواقع مجرد قطع من القماش. كنا نغرق على مدى الأيام القليلة الماضية منذ أن تسلل المطر عبر خيمتنا المثقوبة وبللنا وأغراضنا. نحن نرتجف من البرد طوال اليوم. يجمع زوجي بعض الحطب لإشعال النار وتدفئتنا. ولكن نظراً لعدم قدرتنا على تحمّل تكاليف إحضار الحطب طوال الوقت، فإنه يلجأ أحياناً إلى تمزيق ملابسه أو بطانياته لحرقها على النار. أنا وأطفالي لدينا فقط بعض الملابس القديمة. لا نستطيع تحمّل تكلفة أي شيء. نعتمد بشكل أساسي على مركز توزيع المواد الغذائية المجانية في وجبتنا الوحيدة، ونطلب المساعدات من المنظمات الإنسانية، لكننا لم نتلق المساعدات إلا مرتين منذ اندلاع الحرب".

وأضافت: "أخشى كثيراً على طفلي، خاصة بعد وفاة العديد من الأطفال بسبب البرد في غزة. فهو لا يرتدي سوى ملابس صيفية لعدم وجود ملابس شتوية، وإذا توفرت تباع بأسعار مبالغ فيها. ومنذ ولادته قبل شهر، لم أستحمه إلا مرة واحدة لأنني خائفة من وفاته الوشيكة. وخلال الليل، يتحوّل وجهه إلى اللون الأزرق. ونتيجة لذلك، آخذ المنشفة وألفّها حول جسمه. أحياناً، أضع أنا وزوجي بطانياتنا على أطفالنا ولا ننام. ماذا نفعل؟ ليس لدينا أي حلول. ركبنا وعظامنا تؤلمنا بسبب درجات الحرارة المتجمدة. لكننا لا نستطيع حتى شراء بعض الأدوية لألمنا. نحتاج إلى سكن مناسب وتغذية جيدة. أطفالي يفتقرون إلى كل شيء. هذه هي حياتنا الغارقة في الألم والرعب الشديدين. أتمنى فقط أن تنتهي الحرب ونتمكن من العودة إلى ما تبقى من منازلنا".

أمّا حسام النباهين، أب لثمانية أطفال نازح يبلغ من العمر 52 عاماً فقد والدتهم، يعيش على القليل منذ أشهر بعد أن قصفت "إسرائيل" منزله وشرّدته من مخيم البريج في وسط غزة. يعاني أحد أبنائه من مرض مزمن في الكلى يعالج بأدوية باهظة الثمن الآن بالنسبة لهم. في خيمته المتهالكة في دير البلح، لا يمكن العثور على الضروريات الإنسانية الأساسية في أي مكان.

قال: "لدي ثمانية أطفال يحتاجون بشدة إلى كل شيء: الطعام والماء والملابس والأدوية. لكنني غير قادر على الحصول على أي شيء لهم لأنّ الأسعار ترتفع بشكل كبير، والمواد الأساسية نادرة ، والملابس تحتاج إلى أموال ضخمة لشرائها".

وأضاف: "نحن نرتجف من البرد كل يوم في خيمتنا الواقعة في منطقة مفتوحة للغاية. والحقيقة المرة هي أننا نعيش في الشوارع حيث لا يمكن رؤية الحماية أو الدفء أو الأمان. إنه جحيم. كل ما لدينا هو بطانيتان وثلاث مراتب. غمرت مياه الأمطار خيمتنا لأنني لا أستطيع توفير قماش مشمّع. كما أنّ أطفالي حفاة القدمين دائماً ولا يرتدون سوى قطعة ملابس واحدة على أجسادهم. يعانون دائماً من أمراض جلدية والتهاب معوي حاد بسبب الطقس الجليدي. ومع ذلك، لا يمكنني توفير أي أدوية أو طعام أو مأوى جيد لهم. ماذا علي أن أخبرك أكثر من ذلك؟ لا توجد كلمات ببساطة".

وتابع النباهين: "نجتمع حول نار الحطب في الليل لتدفئة أجسادنا.. ولكن بعد ذلك، يضعفنا البرد في الليل. نظراً لأنّ أطفالي لا يتحمّلون البرد، آخذ بطانيتي الوحيدة وأغطيهم بها. هذا مطبخي المؤقت حيث لدي زجاجة زيت واحدة فقط. نأكل فقط من مركز توزيع الوجبات المجانية. لقد كنا نناشد جميع المنظمات الإنسانية، لكننا لم نتلقّ أي مساعدة. لدي مسؤولية ضخمة ولا يمكنني تحملها في ظل هذه الظروف القاسية والمروعة. لقد أخذت هذه الحرب الإبادة الجماعية كل شيء منا، بما في ذلك منازلنا وأرواحنا. آمل أن يتمكن شخص ما من مساعدتي في التعامل مع هذا الواقع القاتم الذي لا مفر منه تماماً. ونحن نصلي من أجل نهاية هذه الحرب في العام الجديد".

ما دامت الحرب الإسرائيلية والحصار الإنساني مستمرين، فمن المتوقع أن يموت المزيد من الناس بسبب البرد. ويقول الدكتور خالد أبو حبل: "إنهم يحتاجون إلى مأوى مناسب، وتغذية متوازنة، وبيئة صحية، فضلاً عن الأدوية. ومع ذلك، فإنّ هذا غير ممكن لأنّ كل هذه الأشياء غير مسموح بدخولها. إنّ إنهاء الحرب على الفور من شأنه أن يحل الأمور. ولكن ما دام الطقس البارد يضرب غزة، فلا ينبغي لنا أن نتفاجأ بأن المزيد من الناس، وخصوصاً الأطفال، سيموتون بسبب انخفاض حرارة الجسم في الأسابيع المقبلة".

نقلته إلى العربية: بتول دياب.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.