كيف خسر بايدن البلقان؟
مجلة "فورين بوليسي" تحدثّت عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع دول البلقان، وتحديداً صربيا، لا سيما بعد حرب أوكرانيا.
تناولت الباحثة السياسية ياسمين موهانوفيتش في مقال لها نشرته مجلة "فورين بوليسي" السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع دول البلقان، وتحديداً صربيا، لا سيّما بعد حرب أوكرانيا.
وفي ما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
كان أحد أبرز التنبؤات العديدة التي تمّ إجراؤها حول آثار حرب أوكرانيا، هو الأمل في أن يضع حداً للأوهام الغربية حول إمكانية التوافق مع الأنظمة الاستبدادية والشوفينية في غرب البلقان، وهي الأراضي الحدودية الجيوسياسية الرئيسية الأخرى في أوروبا.
وفي سراييفو (عاصمة البوسنة والهرسك) وبريشتينا (عاصمة كوسوفو) وبودغوريتسا (عاصمة الجبل الأسود) على وجه الخصوص، كانوا يتوقعون أن ترى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أخيراً نظام صربيا وألكسندر فوسيتش على حقيقته: دولة تابعة للكرملين تزرع الفتنة من خلال شبكة من الوكلاء الإقليميين بهدف توسيع مكائدها شبه الإمبراطورية، وبالتنسيق مع موسكو، تعمل على وقف تطلعات عضوية الناتو والاتحاد الأوروبي في بلادهم. ونتيجة لذلك ستترتب على ذلك أخيراً عواقب بالنسبة لبلغراد (عاصمة صربيا) .
هذا لم يحدث. في الواقع، خلال العام الماضي، عمقت الولايات المتحدة، أكثر من الاتحاد الأوروبي، التزاماتها تجاه رئيس صربيا بينما أعادت في الوقت نفسه توجيه موقفها الإقليمي الأوسع لتركز على بلغراد وأولويات سياستها الخارجية.
برزت الولايات المتحدة في الجبل الأسود بصفتها الراعي الأجنبي الرئيسي، جنباً إلى جنب مع صربيا، لتحالف غير تقليدي من الإصلاحيين المزعومين الذين يمثل أعضاؤهم الأكثر أهمية كتلة من الأحزاب القومية ورجال الدين الصربيين التي تعترف حتى واشنطن بأنها مدرجة مباشرة في كشوف المرتبات الروسية. قدم الرئيس القادم للبلاد، جاكوف ميلاتوفيتش، نفسه على أنه معتدل مؤيد لأوروبا، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يهيمن حزبه الجديد، أوروبا الآن، على الانتخابات البرلمانية المقبلة في حزيران/يونيو.
لكن ميلاتوفيتش شغل سابقاً منصب وزير التنمية الاقتصادية في حكومة زدرافكو كريفوكابيتش التي لم تدُم طويلاً، وهو قومي صربي متشدد له علاقات وثيقة مع كل من بلغراد وموسكو. عندما انهارت حكومة كريفوكابيتش في عام 2022، تمّ استبدال ميلاتوفيتش. وحظيت حملته الرئاسية اللاحقة بدعم كامل المؤسسة القومية الصربية في الجبل الأسود وحتى من مجرمي الحرب الصرب المدانين مثل فويسلاف سيسيلي. عندما حان الوقت لمؤيديه للاحتفال بفوزه النهائي، فعلوا ذلك بغلبة الأعلام الصربية والترانيم الطائفية حول كوسوفو.
لماذا وجدت واشنطن نفسها في صف مع بلغراد؟ ليس من الصعب تفسير ذلك، لكنها سياسة تتعارض تماماً مع موقف إدارة بايدن تجاه أوكرانيا. بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، أدركت إدارة بايدن بشكل صحيح أنّ الوضع السياسي والأمني العام في غرب البلقان أصبح غير مقبول.
كانت البوسنة وكوسوفو والجبل الأسود هي النقاط الساخنة الأكثر ترجيحاً، والتي يمكن لموسكو أن تستخدمها بسهولة لإنشاء جبهة ثانية يضرب بها المثل في أوروبا - ربما ليس بالمعنى الحركي ولكن بالتأكيد سياسياً. على هذا النحو، كان من مصلحة الولايات المتحدة إنهاء جبهة غرب البلقان بسرعة بعد عقدين من ترك إدارة المنطقة إلى حد كبير إلى بروكسل - مع نتائج سيئة.
لتحقيق ذلك، توصلت وزارة خارجية بايدن، إلى أنّها بحاجة إلى شركاء يمكنهم الوفاء بوعودهم. وفي غرب البلقان، يعني ذلك عموماً الاعتماد على أقل النظم تعددية في المنطقة. كما لاحظت ماجدة روج، زميلة السياسة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: أنّ الحكومات الغربية تتعامل باستمرار مع بلغراد على أنّها اللاعب الذي لا غنى عنه بشأن الأسئلة الرئيسية التي تواجه غرب البلقان. مهما كانت القضية المطروحة، فإنّ رئيس صربيا، ألكسندر فوسيتش، هو أول شخص يتصلون به. وجزء من هذا أمر مفهوم: فالسلطة في صربيا تتركز مع فوسيتش، الذي اكتسب سيطرة كبيرة لنفسه.
وهذا يعني أيضاً الاستبعاد الفوري للبوسنة وكوسوفو والجبل الأسود، على الرغم من أنّ الثلاثة مؤيدون للغرب في التوجه وأنّ الجبل الأسود دولة عضو في الناتو. وذلك لأنّ سياسات الدول الثلاث منقسمة للغاية داخلياً، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى التدخل المباشر للقوى الخارجية: صربيا، أولاً وقبل كل شيء، ولكن أيضاً كرواتيا، على الأقل في حالة البوسنة. من الواضح أن إدارة بايدن تعتقد أن السلام في البلقان يتطلب تركيز مصالح الأقوياء على الضعفاء، وتركيز مصالح أولئك الذين من المرجح أن يهندسوا عدم الاستقرار على أولئك الذين يسعون للدفاع عن أنفسهم.
إنّه نوع حسابات السياسة الواقعية التي دفعت عقوداً من السياسة الأمريكية في المناطق المتقلبة. هذا ما حاولت واشنطن فعله مع باكستان ومصر والسعودية وحتى روسيا في السنوات السابقة. السجل الحافل يتحدّث عن نفسه. كما أشار دانيال سيروير، الدبلوماسي الأميركي السابق وباحث السياسة الخارجية، الشهر الماضي، فإنّ "التحليل الأساسي" لأولئك الذين يدفعون بهذه السياسات "معيب".
وتابع: "لقد كانوا يعتمدون على صربيا كدولة محورية في المنطقة لتحقيق الاستقرار بالتعاون مع كرواتيا وألبانيا. لكن صربيا قوة تنقيحية. إنّها تريد أن تحكم جميع الصرب في المنطقة. كرواتيا وألبانيا لديهما طموحات أقل، ولكن في نفس الاتجاه: السيطرة على مواطنيهما في البوسنة وكوسوفو المجاورة ". إلى أي مدى تعد ألبانيا جزءاً من هذا الثلاثي لا يزال موضع نقاش، لكن قلة من المراقبين المخضرمين يشككون في مركزية صربيا وكرواتيا في المخطط.