تقرير إسرائيلي: الصين وإيران.. تعاون استراتيجي بضمانة محدودة
تسعى سياسة "إسرائيل" في علاقتها مع الصين إلى إيجاد فوائد لاقتصادها من دون الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتّحدة، على ضوء المنافسة الحامية بين الدول العظمى.
نشر معهد أبحاث الأمن القومي دراسة تتحدث عن العلاقات الصينية-الإيرانية، وما هي دلالاتها بالنسبة إلى "إسرائيل". فيما نص الدراسة كاملة المنقولة إلى العربية:
تعدّ العلاقات الصينية - الإيرانية نقطة الالتقاء بين تعاون اقتصادي مهم لـ"إسرائيل"، وبين تهديد خارج خطر جداً على أمنها القومي. الاتفاق الاقتصادي الذي وقعته الدولتان هو استمرارية لعلاقاتهما العميقة السابقة، ويعكس تدهور العلاقات الصينية-الأمريكية. مساعدة بكين إيران في الخروج من عزلتها وترميم اقتصادها يتعارض مع أهداف "إسرائيل"، والتعاون العسكري-التكنولوجي والاستخباراتي بينهما يفاقم خطورة التهديد العسكري على "إسرائيل" ودول أخرى في الشرق الأوسط ومنطقة المحيط الهندي-الهادئ. يتطلب هذا التوجه مواءمات على مستوى سياسة "إسرائيل"، مع التشديد على تحسين إدارة المخاطر ومواءمة الحوار مع الشركاء الإستراتيجيين.
في إطار زيارة وزير الخارجية الصيني لطهران في 27 آذار/مارس 2021 وقّعت كلّ من الصين وإيران اتفاقاً استراتيجياً، يتمحور حول استثمارات يعتدّ بها للصين داخل إيران مقابل الحصول على النفط لفترة الـ 25 سنة المقبلة. لم تنشر بعد وثيقة الاتفاق وتفاصيله، لكن التوقيع عليه بحدّ ذاته يساعد إيران في التخفيف من عزلتها الاقتصادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأمريكية. مع تطابق محتوى الاتفاق للمسودة التي سرّبتها إيران في تموز 2020، فهو يشمل اتفاقيات تعاون عسكري، تكنولوجي واستخباراتي، تشير إلى احتمالية المخاطر التي تمثلها على أمن "إسرائيل".
في أعقاب نشر مسوّدة الاتفاق في صيف 2020 حدّدت الإدارة الأميركية آنذاك مطالبها من "إسرائيل" بتفتير علاقاتها مع الصين والحدّ من توغلها في اقتصاد البلاد. وحسبما أفيد، قال حينها مبعوث الإدارة الأمريكية إلى "إسرائيل"، برايان هوك، "لا يمكن للصينيين تعزيز النظام الإيراني الذي يهتف أنصاره الموت لـ"إسرائيل"، وفي الوقت عينه عقد صفقات معها كالمعتاد".
وفي ذات الفترة أفيد أيضاً أنّه على خلفية المنافسة الشديدة من قبل الشركات الصينية في مجال البنى التحتية في "إسرائيل" على حساب الشركات المحلية، طلب اتحاد المقاولين من شركة نتاع الحكومية (مسارات المواصلات الحضرية) إلغاء فوز الشركة الصينية بمناقصة بناء جسر في تل أبيب. وبادّعاء المقاولين، شركة PCCC الصينية الفائزة بالمناقصة تتعاون مع الإيرانيين، وذلك يشكل خطراً على أمن دول "إسرائيل"، ويأتي ذلك في سياق تمرير القانون الذي يحظر أيّ علاقة لاتحاد رسمي مع اتحاد تربطه علاقات عمل مع إيران.
كما في العديد من المجالات الأخرى، الواقع أشدّ تعقيداً من الرسائل والروايات التي تمثل بساطة شديدة في خدمة مختلف المصالح. وفي الصورة الشاملة العلاقات معقّدة وحافلة بالتوترات، سواء بين إيران والصين أو بين الأهداف المتباينة في سياسة كلّ منهما. وهذه العلاقات بعيدة كلّ البعد عن كونها تحالف قوي، يضمن للجمهورية الإسلامية الإيرانية دعماً إستراتيجياً كاملاً مهما كانت "الظروف" من قبل جمهورية الصين الشعبية.
مع ذلك تطوّر العلاقات بين الصين وإيران ينضوي على توجهات سلبية إزاء أمن "إسرائيل" القومي، ويشحذ التوترات أيضا في سياستها ما يستدعي مواءمتها، إدارة مخاطر أشد في علاقاتها مع الصين، وحثّ التعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج.
بين الصين وإيران مصالح مشتركة: كلتاهما تبديان اهتماما بإضعاف الولايات المتحدة الأمريكية، تقليص دورها في المنظومة الدولية وتقويض تحالفاتها. تعارض كلّ من الصين وإيران أيّ تدخل خارجي في شؤونهما وتخشيان محاولة تبديل النظام المخوّل فيهما. عانى البلدان من سياسة إدارة ترامب وتتوقعان تنفس الصعداء في عصر بايدن.
تمثل الصين لإيران قوة وازنة مقابلة للولايات المتحدة الأمريكية وبديل شرقي عن الاقتصاد الغربي، لاسيّما فيما يتعلق بالعقوبات. وبدورها تمثل إيران للصين مصدر مثمر للطاقة، سوق مهمة وموقع مركزي في الطريق نحو أوروبا، ولا يقلّ عن ذلك أهمية كونها تمثل تحدٍ إستراتيجي لأمريكا في الشرق الأوسط على غرار ما تمثله كوريا الشمالية لها في شرق أسيا.
في الوقت عينه، لا تتطابق مصالح البلدين كلياً، والكثير من التوتر يطغى على مكوّنات سياستهما. الصين ومحور مصالحها شرق آسيا مهتمة بإبعاد أمريكا عن محيطها القريب، ونتيجة لذلك ذهبت أمريكا إلى الشرق الأوسط، المقيّد بها، وتجد صعوبة في نقل وزنها إلى منطقة الهندي-الهادئ. تسعى إيران من جانبها إلى "شرق أوسط خال من الإمبريالية والصهيونية"، أيّ إلغاء التواجد الأميركي والقضاء على "إسرائيل".
تنّعمت الصين بثمار الأمن الأمريكي في الشرق الأوسط، واستفادت من الامتيازات المستحدثة لـ "إسرائيل"، تستثمر في اقتصادها وليست مهتمة طبعاً بالقضاء عليها. كمستورد ترغب الصين بأسعار منخفضة للطاقة بينما إيران كمصدّر تفضّل أسعاراً مرتفعة. تفضّل الصين الاستقرار في الشرق الأوسط إذ يوفر محيطا آمناً لأنشطتها الاقتصادية، بينما تقوّض إيران بشكل ممنهج استقرار المنطقة وتؤجّج الصراعات والحروب فيها. أمن الطاقة والملاحة مصالح تهم الصين، لكن في السنوات الأخيرة عكفت إيران ووكلائها على مهاجمة البنى التحتية للطاقة، حاويات النفط والسفن في شبه جزيرة العرب، الخليج، بحر العرب والبحر الأحمر.
في البعد الداخلي، على ضوء تركيبة الأقليات المسلمة داخل سكانها، تتعاظم مخاوف الصين من الراديكالية والإرهاب السني وانعكاساتهما على الداخل، بينما تناور إيران بين محاربة داعش ومنح القاعدة الحصانة. هذه التوترات ترخي بظلالها على المصلحة الأساسية للصين بالتخفيف من عدائية إيران في المنطقة، في حال اختارت ممارسة تأثيرها عليها.
كما يوجد توترات داخلية بين مكوّنات سياسة كلّ دولة وبينهما: كما أسلفنا، تسعى الصين إلى إضعاف الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها تعتمد عليها أيضا بتوفير الأمن في الشرق الأوسط. بموازاة ذلك تطمح الصين للدفاع عن مصالحها الواسعة في المنطقة، وفي الوقت عينه تخشى تعقدها، وتطالب بتوفير التكاليف المنوطة بالتزاماتها الصارمة وتدخلاتها المباشرة. في المقابل، العلاقات الاقتصادية مع الصين حيوية لإيران، لكنهم هناك يعارضون الارتهان للدول العظمى عموما ويخشون تأثير الصين خصوصاً، إلى جانب عدم الرضى من إغراق السوق الإيراني بالمنتجات الصينية على حساب المنتجات والبضائع المحلية.
أندرو سكوبل وعلي رضا نادر باحثان وصفا الصين في الشرق الأوسط بأنّ "وزنها ثقيل اقتصادياً، خفيف سياسياً، ولا وزن لها عسكرياً". وفي آخر بحوث أجراها معهد بحوث الأمن القومي في كلّ مجال من هذه المجالات ظهرت مفاهيم مهمة لسياسة إسرائيل بخصوص العلاقات بين الصين وإيران.
في المجال الاقتصادي ساهمت الصين في الاقتصاد الإيراني عموما وفي فترة العقوبات الاقتصادية خصوصاً، وبالتالي ساعدت طهران بالصمود في وجه العقوبات، حتى أنها بطريقة غير مباشرة وسّعت الموارد التي تمتلكها طهران لتمويل تقويضها للمنطقة. إلى جانب ذلك تظهر المعطيات بأنّ العلاقات الاقتصادية بين الصين وإيران لا تتجاوز حجم علاقات الصين مع السعودية والإمارات، وخلال الخمس سنوات الأخيرة انكمشت من جملة أمر للتقليل من حجم تعرّض الصين للعقوبات، بينما اتسعت علاقاتها مع الإمارات والعراق بشكل مهم.
في السنوات الأخيرة، بسبب خطوات الصين أيضا للسيطرة على خروج رأس المال من نطاقها، انخفض حجم تجارة الصين مع إيران والاستثمارات فيها. بموازاة ذلك تعاظم ارتهان إيران للصين كشريك تجاري، ولاسيّما كمستورد للنفط (الصين مسؤولة عن حوالى ثلث التجارة الإيرانية وعن نصف صادرتها النفطية، حتى عام 2019). في الوقت عينه تضاءل جداً دور إيران في تأمين الطاقة للصين وفي تجارتها، وذلك نتيجة مسعى الصين الواضح لتنويع مصادرها وشركائها، الأمر الممنوع على إيران بسبب العقوبات المفروضة عليها.
هذا التوجه يميط اللثام عن توتر من نوع آخر، بين مسعى إيران لرفع العقوبات وتنويع شركائها الاقتصاديين، وبين الصين التي تحظى بامتيازات اقتصادية ملحوظة نتيجة استمرار عزلة إيران في ظلّ العقوبات وقلة المنافسين. أضف إلى أنّه كما يمكن الاستشفاف من علاقات الصين مع دول أخرى، خصوصا في محيطها القريب (أستراليا، اليابان، كوريا الجنوبية، كوريا الشمالية وبالتأكيد تايوان)، علاقات التبعية الاقتصادية تستغلها بكين كعتلة لحثّ أهدافها السياسية. وبناء على ذلك تشكّل التبعية الاقتصادية الواضحة لإيران للصين عتلة محتملة تمتلكها بكين للتأثير على إيران في حال اختارت تشغيلها.
في البعد السياسي، في العام 2016 وقّعت الصين وإيران على اتفاق "شراكة استراتيجية شاملة" (CSP)، عنوان يصف علاقات الصين مع ما يزيد عن ثلاثين دولة، من بينها مصر، المملكة السعودية العربية، الجزائر، والإمارات المتحدة. علاقات "شراكة إستراتيجية" متوازية مع دول معادية لبعضها البعض هي تعبير مثالي لسياسة الصين في الشرق الأوسط، التي تتحاشى، بشكل عام، الانحياز والتدخل بالنزاعات، وتركز على تقديم مصالحها، بشكل أساسي في المجال الاقتصادي.
وقّعت كلّ من الصين و"إسرائيل" في العام 2017 على اتفاق "شراكة شاملة للحداثة"، عنوان خاص يؤكد على مجال المصالح المشتركة بين الدولتين، وفي الوقت عينه يمنع وصف العلاقات على أنها "إستراتيجية"، وفق ما يرتضيه الطرفان. تنجح الصين بالحفاظ على تفوقها على إيران عبر جعلها مرتهنة حتى في المجال السياسي، في الوقت الذي انتظرت فيه طهران حوالي خمس سنوات للتوقيع على الاتفاق الاستراتيجي معها من ناحية، وتواصل انتظار قبولها كعضو كامل في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) من ناحية ثانية.
ما لا يقل تعقيداً هو سياسة الصين حيال البرنامج النووي الإيراني. الصين ساعدت تكنولوجيا وماديا البرنامج النووي الإيراني حتى العام 1997، حينها توقفت عن ذلك في إطار تفاهم مع الولايات المتحدة حول تايون. قلّصت الصين حينها دعمها لإيران لصالح مصلحتين ضروريتين بالنسبة لها: العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ومنع تعاظم تايون، التي تراها جزءاً لا يتجزأ من الصين الموحدة، كحقها السيادي. منذ ذلك الحين أفيد في الواقع عن شركات صينية، قدمت لإيران مساعدة في المجال النووي والصواريخ، ولكن من غير الواضح مساهمة النظام الصيني بهذه النشاطات.
سياسياً أيّدت الصين، على شاكلة روسيا، قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في موضوع البرنامج النووي الإيراني، بما فيها تلك التي فرضت عليها عقوبات، ولكن في الوقت عينه خففت محتواها ومنعت "قساوتها" وصلاحية فرضها بالقوة. هكذا ساهمت الصين في بلورة الاتفاق النووي من العام 2015 وفي النهاية التوقيع عليه إلى جانب الدول العظمى الأخرى. تقديم الاتفاق أجّل مخاطر اندلاع أزمة عسكرية، منع تبلور قاعدة شرعية لتدخل خارجي بإيران، مبدأ مهم في السياسات الخارجية للصين، وفي الوقت عينه قدم لها فائدة اقتصادية بالتجارة مع إيران في ظل العقوبات.
كما يمكن الفهم من توجه إدارة بايدن إلى الصين في إطار مساعيها في موضوع استئناف المفاوضات حول النووي الإيراني، أن الصين تواصل لعب دور مهم في المحادثات مع إيران ودعمها مهم لنجاح الولايات المتحدة بتقديم إجراءاتها. من ناحية "إسرائيل" من المهم أن ندرك بأن الصين تخاف من أزمات عسكرية وإجراءات خارجية لتغيير نظامها أكثر من خوفها من سلاح نووي بحوزة دول جامحة مثل إيران وكوريا الشمالية.
في المجال العسكري-الأمني يظهر توجهاً مقلقاً من ناحية "إسرائيل"، وفي أساسه تزايد التعاون العسكري، التكنولوجي، الاستخباراتي والأمني بين الصين وإيران. نقل تكنولوجيا عسكرية صينية، تستخدمها إيران لتطوير وإنتاج منظومة أسلحة، البعض منها تلحق الضرر بـ "إسرائيل"، ليست تهديداً جديداً، كما تجسد الأمر بصواريخ عنقودية صينية أطلقها حزب الله على "إسرائيل" خلال حرب لبنان الثانية، والصاروخ الذي ضرب حينها سفينة سلاح البحر "حانيت"، هو من طراز صيني. ولكن، بالإضافة إلى ذلك في عهد نظام شاي جينغينغ تتضاعف الدلالات العلانية لتعاون عسكري متزايد ووطيد بين الصين وإيران: مناورات عسكرية، زيارات إلى المرافئ وزيارات لمسؤولين بحريين، عسكريين وأمنيين.
مجال بارز في العلاقات العسكرية المتطورة هو القتال البحري، مع التأكيد على صواريخ مضادة للسفن، تهدد "إسرائيل" في البحر المتوسط والبحر الأحمر، وفي الوقت عينه دول الخليج وأساطيل الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي غرب الهادئ. مسودة الاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران، طالما أنها تعكس الصيغة التي وقعت في النهاية، ترسم مجال الاتفاقات لتعاون في مجالات الاستخبارات، السايبر، منظومات الإبحار الدقيق، البحوث وتطوير الأسلحة، التدريبات العسكرية والتأهيل. في مجالات أخرى، انعكاسات الاتفاق ستكون متعلقة بتفاصيله، وأكثر من ذلك، بطريقة استخدامه.
الدلالات بالنسبة إلى "إسرائيل":
التوتر الأساسي، البارز والمعروف بالعلاقات بين "إسرائيل" والصين الذي أساسه مثلث رأسه الثالث هو الولايات المتحدة، أي بين الصين كشريكة اقتصادية مهمة بالنسبة إلى "إسرائيل" وبين الولايات المتحدة كحليفة استراتيجية لا يمكن الاستعاضة عنها بالنسبة لها. هذا التوتر ناجم من أنه من وجهة نظر الولايات المتحدة، الصين هي خصمها الأساسي بسباق الدول العظمى وتشكل تهديداً خطراً على أمنها القومي وعلى مكانتها العالمية، ووفقاً لذلك طلب من "إسرائيل" وشركاء آخرين لأمريكا الحد من حجم العلاقات مع الصين وزيادة إدارة المخاطر الكامنة فيها، بما في ذلك في المجال الاقتصادي مع التأكيد على التكنولوجيا.
علاقات الصين إيران تضيف تحدياً معقداً إلى سياسة "إسرائيل"، انطلاقاً من كونها الملتقى بين دولة عظمى عالمية، التي هي شريكة اقتصادية مهمة لـ "إسرائيل"، وبين دولة عظمى إقليمية، التي هي التهديد الخارجي الأساسي والأخطر عليها. علاقات الصين مع إيران هي تقاطع بين التهديد رقم واحد على الولايات المتحدة وبين التهديد رقم واحد على إسرائيل، وبذلك ترسم مجالاً واضحاً لتعاون موسع بين "إسرائيل" والولايات المتحدة.
لدى الصين رافعة على إيران؛ هل تشغلها؟
كما أسلفنا، الصين تشكل دعامة اقتصادية وإستراتيجية بالنسبة لإيران، بشكل أساس كقوة وازنة مقابل ضغوط الولايات المتحدة وللالتفاف على أنظمة العقوبات. في السنوات الأخيرة زاد جداً اعتماد إيران على الصين، وعلى التوالي إمكانية تأثير الصين عليها. لدى الصين مصلحة أساسية باستقرار المحيط وتقليص المخاطر من أجل مصالحها في المنطقة، وبناء عليه تخفيف عدوانية إيران. من هنا يثار السؤال هل وكيف توافق الصين حتى في العصر الحالي على التأثير على إيران بأن تقلص التهديدات من ناحيتها على المحيط، ومن ضمنه إسرائيل.
تدير "إسرائيل" مع روسيا حواراً مستمراً وحساساً حيال تزويد السلاح لأعداء "إسرائيل"، بنجاح جزئي، وهذا على الرغم من علاقات الزعماء، الجيوش المجاورة (منذ إدخال القوات الروسية إلى سوريا)، والاعتراف المتبادل المعمق بحقوق شعب إسرائيلي كبير جذوره في الاتحاد السوفياتي. من ناحية ثانية، تقرّب القدس من قيادة في بكين محدود جدا، وعلاقاتها مع الصين مقلصة أكثر مع روسيا، ولذلك قدرة "إسرائيل" للتأثير على سياسة الصين، بأن تخفف عدوانية إيران وتقلص المساعدة الصينية لتطوير تهديداتها العسكرية _ منخفضة. على الرغم من ذلك، عليها أن تسمع الصين قلقها من تهديدات إيران، النووي والتقليدي، ومساهمة الصين بتفاقمها.
على مستوى التعاظم، التنسيق مع الصين مهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة في حين أنها تسعى إلى اتفاقات مع إيران، وفي مسائل عالمية أخرى، مثل المناخ وجائحة كورونا. كما قلنا، في التسعينيات أثبتت الصين استعدادها وقف مساعدتها إلى إيران في المجال النووي، انطلاقاً من تفضيل المصالح الداخلية لديها في تايون وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. تأثير "إسرائيل" على سياسة الصين في المنطقة مرتبط حينها إلى حد كبير بنجاحها بدمج أهداف بأهداف واشنطن، اللاعبة الأساسية بهذا الخصوص. وهذا انطلاقاً من معرفة معمقة لـ "إسرائيل" للفروق بين مواقفها وبين مواقف كل دولة من الدولتين العظمتين، اتساع ورقة مصالحهما الأخيرة وقوتهما، وكذلك فهم انه من الممكن أن تطالب بمقابل في ساحات أخرى.
إقليمياً، إيران ليست الشريكة الأهم للصين في الشرق الأوسط، ومعطيات علاقاتها الاقتصادية والطاقة لدى الصين تعكس توازنا واضحا جدا لدول الخليج، بالأخص السعودية العربية والإمارات. زيارات المسؤولين الصينيين إلى المنطقة ترسم بدورها نظرة واسعة وشاملة لخزان مصالح الصين في المنطقة: الرئيس شاي جينففينغ زار مطلع 2016 إيران، مصر والسعودية، في حين أن محطات زيارة وزير خارجيته نهاية آذار 2021 كانت السعودية العربية، تركيا، إيران، الإمارات، البحرين وعمان. بعد اتفاقات ابراهم، التي أخرجت إلى النور شراكة المصالح بين "إسرائيل" ودول الخليج ونظرتهم إلى إيران كتهديد مشترك، من الصائب بالنسبة إلى "إسرائيل" تنسيق معها سياستها في الموضوع، وبالإضافة إلى ذلك محاولة التأثير إيجابياً سواء على سياسة واشنطن أو على سياسة بكين، ولو أن مخاطرها أقل بكثير.
الصين تساعد إيران في تعزيز التهديد العسكري على "إسرائيل" والمنطقة
ولكن، أساس تحدي "إسرائيل" من علاقات الصين مع إيران في المجال الأمني غير ناجم عن عدم اكتراث الصين حيال هجمات إيران على "إسرائيل" وعلى شركاء آخرين للصين، وعلى رأسهم السعودية، بل عن مساهمة الصين الناجعة في تقديم القدرات الهجومية لإيران التي تستخدمها في ذلك. المساعدة التكنولوجية من جهة الصين في المجال العسكري ساعدت إيران حتى اليوم في تطوير وإنتاج السلاح، الذي وُجه إلى "إسرائيل"، الولايات المتحدة ودول الخليج، مع التأكيد على القذائف، الصواريخ البالستية، صواريخ كروز، صواريخ ضد السفن وصواريخ ضد الطائرات. منظومات سلاح مشابهة من إنتاج الصين وكوريا الشمالية تهدد الولايات المتحدة وحلفائها في شرق آسيا. التعاون المتوسع والمحدد بين الصين وإيران في المجال العسكري الأمني، الاستخبارات، السايبر، تطوير السلاح والقتال البحري هو اتجاه سلبي ويقلق "إسرائيل" وأمنها.
هذا، لأن المساعدة من الصين تعزز التهديد المباشر على "إسرائيل" من جهة إيران، تحسن إمكاناتها، وتوسع قدرتها على استهداف إسرائيل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر مشروع حرب الوكلاء، وعلى رأسهم حزب الله في لبنان، الحوثيين في اليمن والميليشيات في سوريا والعراق.
استراتيجية الصين في خدمة أهداف الحزب تتضمن مبدأ "الصّهر العسكري الأمني"، حيث تسعى إلى إيجاد امتيازات خاصة بالبنى التحتية والوسائل المدنية للمتطلبات العسكرية والعكس، بما في ذلك التكنولوجيات، البنى التحتية وممتلكات أخرى. على ضوء التعاون الأمني المتزايد بين الصين وإيران من جهة، وإستراتيجية الصهر العسكري الأمني للصين من جهة أخرى، يتوسع الخطر بنقل تكنولوجيا متطورة من الصين إلى إيران وباستخدامها في استهداف إسرائيل. هذا الخطر ظهر سواء من نقل تكنولوجيا مدنية إلى الصين في إطار نشاط عملي قانوني ومعروف (طالما أن التكنولوجيا قابلة للتطبيق لكنها غير ممنوعة من التصدير أو مُراقبة)، أو من تصدير تكنولوجيات عسكرية خلافًا للقانون، أو كما يُشاع في أنحاء العالم، من نقل تكنولوجيات مدنية وأمنية بواسطة التجسس، تعاونات أكاديمية وتجنيد خبراء في إطار خطط لتحديد القدرات.
على ما يبدو، هذا الخطر يشكل فقط توسيعاً لمخاطر التجسس وغياب التكنولوجيا والرأسمال المعنوي، حيث يجب على "إسرائيل" أن تدافع عن نفسها إزاءها من تلقاء نفسها وهي بالإضافة مؤكدة في أوقات كثيرة من جهة الولايات المتحدة. لكن، الارتباط بين الصين وإيران يحدد إمكانية التهديد الأمني المباشر لهذه المخاطر على "إسرائيل"، وهذا بالإضافة إلى اعتبارات العلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، العلاقات الاقتصادية مع الصين واعتبارات القطاع التجاري في إسرائيل، من هنا وهناك.
حافز لتعاون أمني بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، دول الخليج وآسيا
كما ذُكر، تعاون تكنولوجي عسكري بين الصين وإيران يوسع التهديد المشترك المنعكس على "إسرائيل"، دول الخليج وقوات الولايات المتحدة الأميركية والناتو في الشرق الأوسط وغرب الهادئ. هذا التهديد المشترك يرسم مجالاً لمواجهة مشتركة، في الاستخبارات وتطوير حلول تكنولوجية وعملانية. الحماية من الصواريخ حُددت كمجال مطلوب للتعاون بين إسرائيل وشركاء في المنطقة، سواء كانت ثنائية أو تحت رعاية الولايات المتحدة: عبر تزويد بمنظومات موجودة، عبر الربط بينها، أو عبر تطوير الجيل المقبل من الحماية من الصواريخ. حماية السايبر هو مجال مطلوب أيضًا لدمج مساعي بين "إسرائيل"، الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج.
في كانون الثاني 2020 قررت الولايات المتحدة الأميركية نقل "إسرائيل" من مجال مسؤولية قيادة أوروبا (EUCOM) إلى مجال قيادة الوسط CENTCOM، عملية سيستغرق تحقيقها بعض الوقت. تهدف العملية إلى تسهيل تعاونات الجيش الإسرائيلي، جيش الولايات المتحدة الأميركية وجيوش في المنطقة، وإلى إتاحة رؤية كاملة للتهديد والاستجابة طوال الوقت.
التهديد العسكري من جهة تكنولوجيات عسكرية صينية إيرانية يحدد إمكانية ومعقولية تقديم حوار عسكري، عملاني وتكنولوجي بين الجيش الإسرائيلي، قيادة الوسط وقيادة الهندي الهادئ (INDOPACOM)، القيادة التي ستترأس جدول الأولويات الأميركي في العقد المقبل على الأقل. حوار كهذا يمكن أن يقدم في معيار مشابه للذي عملوا فيه مع الجيش الإسرائيلي وقيادة الوسط حتى الانتقال، أن يركز على تحديات الحماية من الصواريخ والقتال البحري، وتدريجيًا أن يدمج فيه شركاء إقليميين آخرين. عندما توجه نحو 40 % من الصادرات الأمنية الإسرائيلية اليوم إلى آسيا، إلى الدول التي تدخل في مجال مسؤولية الهندي الهادئ، يمكّن حوار كهذا من دمج التصدير الإسرائيلي بالشأن الاستراتيجي الواسع، وتعميق الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة وممتلكات "إسرائيل" لها.
سياسة "إسرائيل": بين التصريحات والأفعال
إن سياسة "إسرائيل" الحالية حول علاقاتها مع الصين، كما خطط خلال العقد الأخير، محددة بوضوح مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي وجد فيها فرصة اقتصادية جلية ما أدى إلى استنزاف السياسة. بالموازاة رسّخ نتنياهو نفسه كمهندس معماري لمكافحة إيران، التهديد الأخطر على "إسرائيل"، وعمل بنشاط لكبح تقدمها نحو النووي وتوسع نفوذها الإقليمي، غالبًا بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية وأحيانًا خلافًا لرأيها. في المجالين، وقف نتنياهو في جبهة السياسة، ولمع في الأحداث ذات الطابع العالمي: في زيارات رسمية في الصين من جهة، وفي خطابات بارزة عن التهديد الإيراني في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مجلس الشيوخ في واشنطن من جهة أخرى.
لكن في كل ما يتعلق بالتخفيف من حدة التوتر بين أهداف "إسرائيل" في الموضوعين، أي بين تقديم العلاقات الاقتصادية مع الصين وبين الصراع مع التهديد الإيراني، تعكس إدارة "إسرائيل" سياسة فصل المتغيرات. من المحتمل، أن تضع إسرائيل أمام الصين مخاوفها من التهديد الإيراني عبر قنوات صامتة، وعلى ما يبدو خصوصا عبر مستويات متدنية، دون توقعات مبالغ فيها فيما يخص تكهّن التأثير على الصين.
من جهة أخرى، تتشدد "إسرائيل" في عدم الربط بين علاقاتها الاقتصادية مع الصين وبين علاقاتها الاقتصادية مع إيران. مثلا، "قانون مكافحة البرنامج النووي الإيراني، 2012" يتيح الإعلان عن جهة أجنبية، تساعد إيران في النشاط العملي الجوهري، وبذلك منع الاتصال بها بحسب قانون المناقصات، لكن منذ أن سرى مفعوله لم يتم تنفيذ أي إعلان كهذا. من دون التطرق هنا إلى سؤال إذا ما كان نشاط شركات من الصين في إيران بشكل عام، وبمساعدة برامج النووي والصواريخ خصوصًا، يؤكد إعلانها كجهة مساعدة بحسب قانون مكافحة النووي، تقدّر جهات قانونية أنه في غياب لائحة جهات معلن عنها، في الواقع القانون غير مطبق.
الاعتبارات المحتملة هي اقتصادية، قانونية أو سياسية، وربما تعبر عن تقدير مُتّزن حيث أن تحديد نشاط الشركات الصينية في "إسرائيل"، النشاط في إيران أيضًا يعود بمنافع إستراتيجية بسيطة بثمن اقتصادي وسياسي كبير. مع هذا، طالما أن التشريع في "إسرائيل" مُخصص لاستخدامه كنموذج ورمز في العالم، العقوبات على هيئات اقتصادية بسبب مساعدتها إيران وبرنامجها النووي، شكل تطبيقها في الواقع يعتبر ثغرة بين تصريحات إسرائيل ومطالبها من دول أخرى وبين إدارتها هي.
خلاصة
تسعى سياسة "إسرائيل" في علاقتها مع الصين إلى إيجاد فوائد لاقتصاد "إسرائيل" من دون الإضرار بالعلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتّحدة. على ضوء المنافسة الحامية بين الدول العظمى، في السنوات الماضية شدّدت واشنطن مطالبتها القدس بتوخي المزيد من الحذر في علاقاتها مع الصين، وإدراك حساسية الولايات المتّحدة في الموضوع، كمخاطرة غير مباشرة لكن خطيرة، زاد في "إسرائيل" من دون شك. تصدير أمني من "إسرائيل" إلى الصين ممنوع منذ منتصف الألفية الثانية، وآلية استثارية للضبط الآلي أرسيت في العام 2020 لأجل تحسين مراقبة الاستثمارات الأجنبية.
علاقات الصين مع إيران، وخصوصا الهدف المحدد لتعزيز التعاون العسكري، الأمني الاستخباراتي بينهما، تشحذ المخاطر المباشرة التي تعكسها على "إسرائيل"، وتلزمها بزيادة اليقظة، زيادة الحذر والتفكير مجددا في نقطة التوازن ما بين استخراج الفوائد وإدارة مخاطر سياستها. في إطار هذا التوجه، يصح افتراض المساهمة المتعاظمة للتقنيات الصينية في رفع التهديد العسكري الذي تشكله إيران ووكلائها على "إسرائيل"، وارتفاع احتمالية تسرّب معلومات لإيران، استخبارية وتكنولوجية، التي تنجزها الصين، تشمل "إسرائيل".
على "إسرائيل" تنسيق إدارة المخاطر مع الواقع، الذي فيه تعاون اقتصادي مهم مقرّب ويتقرّب من العدو الأساسي، واحتمال مرتفع متزايدة بتقاسم معه استخبارات، تقنيات عسكرية، نظم سلاح وعلوم عسكرية وتشغيلية.
في موازاة ذلك على "إسرائيل" مواءمة حوارها مع الولايات المتّحدة مع سلم الأولويات الجديد في واشنطن، وعلى رأسه الصين، وترتيب الشرق الأوسط في انحدار.
عملياً على هذه الخلفية، علاقات الصين - إيران كنقطة التقاء المخاطر رقم واحد على الولايات المتّحدة وعلى "إسرائيل"، على التوالي، تلزم متابعة مشتركة، تبيان التحدّيات السياسية، التزامات والتوترات، بلورة ردود ذات سعة وتنسيق المساعي. الشركات الجديدة لـ "إسرائيل" في المنطقة تمكنها من توسيع الدائرة لتشمل دول "اتفاقية أبراهام" وغيرها من الدول.