"جيروزاليم بوست": حساب مخاطر بيع "F-35" للإمارات

صحيفة "جيروزاليم بوست"، تؤكد أن قضيّة طائرات F-35 هي التحدي الرئيسي الأوّل بين الإمارات و"إسرائيل"، وهما في صراع مستمر مع إيران، وقد يؤدي تضارب المصالح والشك المتبادل إلى تقويض العلاقات بينهما.

  • طائرة مقاتلة من طراز F-35 في قاعدة
    طائرة مقاتلة من طراز F-35 في قاعدة "نيفاتيم" الجويّة الإسرائيليّة عام 2019

ناقشت صحيفة "جيروزاليم بوست" في مقال لها، المخاطر التي قد تواجهها "إسرائيل" في حال بيع الولايات المتحدة طائرات F-35 للإمارات، كما أضاءت على المصالح المشتركة بين الطرفين بعد توقيع اتفاق "سلام"، وأبرزها السعي  إلى تحقيق نصر على إيران وحزب الله. فيما يلي نص المقال: 

في 15 أيلول/سبتمبر، تمّ توقيع اتفاق بين الإمارات و"إسرائيل"، وقال حينها وزير الدولة للشؤون الخارجيّة في أبو ظبي، أنور قرقاش، إن الإمارات "مثل أيّ دولة تأخذ جيشها على محمل الجد، وتسعى لتحديث جيشها على الدوام".

منذ عدة سنوات وإلى الآن تسعى الإمارات العربية المتحدة لشراء (F-35 (Joint Strike Fighter، ولدى "إسرائيل" بعض المخاوف بشأن ذلك لأن الـF-35 هي نظام أسلحة متطوّر للغاية.

لم تكن الإمارات و"إسرائيل" عدوتين فعليتين. جيشاهما لم يصطدما، ولا توجد أسباب كثيرة للصراع لأن الطرفان لا يتشاركان حدوداً، ولذلك لم تكن هناك نزاعات على الأرض. أرسل العراق، الذي لا يشترك أيضاً في حدود مع "إسرائيل"، قوّة مهمة خلال الحروب العربيّة - الإسرائيليّة الماضية. حتى السعودية أرسلت وحدات لمحاربة "إسرائيل" في الحروب الماضية، لكن ليس الإمارات.

إضافةً إلى ذلك، في حرب لبنان الثانية في سنة 2006، سعت الدول العربية، بما فيها الإمارات، إلى تحقيق نصر إسرائيلي على حزب الله. إنه جزء من صراع مستمر بين إيران وأعدائها، من بينهم "إسرائيل" والإمارات. هما حليفتان والآن شريكتان في السلام، لكن لم يتضح بعد نوع العلاقات بينهما. قد يؤدي تضارب المصالح والشك المتبادل وما إلى ذلك إلى تقويض العلاقات بينهما. يبدو أن قضية F-35 هي التحدي الرئيسي الأول لهما.

على "إسرائيل" أن تأخذ في الحسبان عدة عوامل. من الناحية الاستراتيجية، تدفع كل من الإمارات و"إسرائيل" ثمن الاتفاق. بالنسبة لدولة الإمارات، فإن الدول العربية تقبل الاتفاق بشكلٍ أو بآخر. رفضت جامعة الدول العربيّة إصدار قرار اقترحته السلطة الفلسطينيّة يدين التطبيع بين "إسرائيل" والإمارات. ومع ذلك، ترفضه بعض الدول، مثل تركيا وإيران. الإمارات قد تواجه الانتقام.

قد تكون هناك تكلفة على "إسرائيل" أيضاً، مثل ما يتعلق بالطائرة F-35. هذا أمر مهم ولكن على "إسرائيل" أن تقرر ما إذا كان يستحق المعارضة. أحد الجوانب هو ردة الفعل الإماراتيّة المتوقعة على مثل هذه المقاربة الإسرائيليّة.

يتعيّن على "إسرائيل" أن تدرس بعناية إلى أيّ مدى تريد الولايات المتحدة بيع F-35 للإمارات. هناك مصالح أميركيّة على المستويات الاستراتيجيّة والسياسيّة والاقتصاديّة. أحدها أنّه إذا لم تحصل الإمارات على طائرة F-35 فقد تلجأ إلى روسيا.

يمكن لـ"إسرائيل" انتظار الانتخابات الأميركيّة في 3 تشرين الثاني/نوفمبر لمعرفة ما إذا كان هناك تغيير في الإدارة والكونغرس وسياسة البلاد تجاه الشرق الأوسط. بعد ذلك يجب عليها أن تقدّر حجم رأس المال السياسي الذي ستنفقه في منع أو على الأقل إبطاء وتقييد بيع F-35 للإمارات.

لقد التزمت الولايات المتحدة بالحفاظ على التفوّق العسكريّ النوعيّ لـ"إسرائيل"، لذلك قد تبيع طائرات F-35 أقل شأناً للإمارات. حدث ذلك من قبل عندما باعت طائرات F-16 لمصر. ومع ذلك، يتعيّن على الإمارات أن توافق على مثل هذه الخطوة.

تُعرف الإمارات، التي طوّرت قوّة عسكريّة مثيرة للإعجاب، باسم "سبارتا الصغرى". في الشرق الأوسط، تشتري المملكة العربية السعودية أسلحة أكثر من الإمارات. يبدو النظام في الإمارات مستقر، لكنه قد يصبح "إيران صغيرة"، أي قد تتغيّر سياستها أو النظام نفسه ويصبح معادياً لـ"إسرائيل" ومعادياً لأمريكا (عادة ما يأتيان معاً).

يمكن أن يحدث الشيء نفسه مع الدول العربيّة الأخرى التي تمتلك أسلحة أميركيّة. في مثل هذه الحالة، ستجد هذه الدول العربيّة صعوبة بالغة في صيانة وتشغيل أنظمة الأسلحة الأميركيّة المتطورة، مثل F-35، بدون مساعدة عسكريّة أميركيّة (تدريب، تسليم ذخيرة، قطع غيار، إلخ).

يبدو أن عملية الموافقة على صفقة F-35 مع الإمارات في الكونغرس قد تكون "فوضويّة وتستغرق وقتاً طويلاً". يفترض البعض أن الأمر قد يستغرق سنوات، وربما عقد، حتى تحصل الإمارات على F-35، بسبب تأخيرات في الإنتاج ولأنه من المفترض أن تحصل دول أخرى على الطائرة قبل الإمارات. حتى ذلك الحين، كان سلاح الجو الإسرائيلي يدمج F-35 منذ سنة 2016، لذلك سيكون لديه خبرة أكبر بكثير مع الطائرة، بما في ذلك في القتال، مقارنة بالإمارات.

إذا حاولت إيران إنتاج سلاح نووي، فقد تضرب "إسرائيل"، وقد تحتاج الأخيرة، كجزء من هجوم على إيران، إلى دعم سياسي من الإمارات. يجب أن تشعر أبو ظبي بالأمان الكافي في مواجهة الانتقام الإيراني المحتمل ضد الإمارات. الـ F-35 ستساعد في هذا الأمر. علاوة على ذلك، حتى قبل أيّ حرب، سيتعين على إيران أن تولي مزيداً من الاهتمام للإمارات، نظراً لقوتها العسكريّة المتنامية، وقد يكون ذلك على حساب الاستثمار في وكلاء إيران.

تعتبر طائرة F-35 طائرة مذهلة ولكن نجاحها لا يزال يعتمد على العديد من العوامل الأخرى، بدءاً من نوعية طياريها وأطقمها الأرضيّة وقادة الوحدة والعديد من الأفراد العسكريين الآخرين. يتمتع سلاح الجو الإسرائيلي بسمعة أكثر إثارة للإعجاب من الإمارات. يمكن لطائرة F-35 أن تفعل الكثير من تلقاء نفسها، لكن أثناء المهمة قد تحتاج إلى مساعدة من طائرات أخرى، مثل طائرات القيادة والتحكم والطائرات المسيّرة وطائرات الهليكوبتر لإنقاذ أطقم الطائرات.

إذا هاجمت الإمارات "إسرائيل"، فسيتعيّن على الأولى التأكد من أن طائراتها الـF-35 تتلقى المساعدة التي تحتاجها، والتي قد لا تكون سهلة التنظيم والتنسيق. قد تتحمل الإمارات خسائر فادحة في كل من الطيارين والطائرات خلال معركة ضد سلاح الجوّ الإسرائيلي. قد لا ترغب الإمارات في دفع ثمن باهظ وخسارة نخبة طياريها وأروع أسلحتها في محاربة العدو الخطأ.

لا يمكن للطائرة F-35 الوصول إلى "إسرائيل" إذا أقلعت الطائرة من الإمارات. ستحتاج الإمارات إلى التزوّد بالوقود في الجوّ أو في دولة عربيّة بالقرب من "إسرائيل"، دولة من شأنها أن تنضمّ إلى الإمارات في محاربة "إسرائيل". لذلك فإن الهجوم الإماراتي سيكون جزءاً من تحالف عسكريّ عربيّ. احتماليّة وجود مثل هذا التحالف العربي، ناهيك عن تحالف يضمّ دول الخليج، منخفضة، بل منخفضة للغاية. هناك محادثات حول إنشاء "الناتو العربي" ولكن يجب أن يكون موثوقاً وقوياً. علاوة على ذلك، سيكون هدفه مواجهة إيران وليس "إسرائيل".

يعتمد اقتصاد دولة الإمارات على صناعة النفط والغاز الطبيعي. كما طوّرت السياحة والتجارة. كل ذلك سيكون في خطر، لأنه إذا قصفت الإمارات "إسرائيل"، فإنّ الأخيرة سترد.

بشكلٍ عام، يتعيّن على "إسرائيل" النظر في عوامل مختلفة فيما يتعلق ببيع F-35 للإمارات. بعضها مخاطر محسوبة يمكن تحملها إذا تطلبت السياسة الإسرائيليّة الشاملة ذلك، حتى لو كان ذلك بسبب عدم وجود خيار أفضل.