"فاينانشال تايمز": الإمارات تستعرض قوتها ضد السعودية

إن إنتاج النفط ليس هو مصدر الخلاف الوحيد بين أبو ظبي والرياض، فالمنافسة الاقتصادية تتصاعد بين الدولتين.

  • محمد بن زايد مع محمد بن سلمان (صورة أرشيفية)
    محمد بن زايد مع محمد بن سلمان (صورة أرشيفية)

كشفت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية عن خلافات سعودية – إمارتية ظهرت في اجتماع تحالف "أوبك+" يوم الجمعة الماضي في فيينا، حول زيادة الإنتاج التدريجي لإنتاج النفط في الأشهر المقبلة.

وقال تقرير الصحيفة إنه قبل سنوات عدة، ذهبت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بعيداً في تحالفهما إلى حد رسم خطة سرية لاتحاد سياسي بين الدولتين. وأوضحت أنه في حين لم يتحقق هذا الاتحاد الكونفدرالي، فقد "قاتلت الدولتان الخليجيتان الاستبداديتان المتمردين في اليمن ووقفتا متحدتين في مقاطعة قطر بسبب دعمها المزعوم للإسلاميين". غير أنه برزت، في الأيام القليلة الماضية، تصدعات في هذه الوحدة مع تباعد مصالح الرياض وأبو ظبي مجدداً حول قضايا تتراوح من إنتاج النفط والمواقف بشأن اليمن والتطبيع مع "إسرائيل" وطريقة التعامل مع جائحة كورونا.

فقد انتهى اجتماع عبر الفيديو لأعضاء "أوبك" وحلفائهم (أوبك +) إلى طريق مسدود يوم الجمعة الماضي بعد أن طلبت السعودية وروسيا من المنتجين زيادة الإنتاج في الأشهر المقبلة. هذا الطلب وُضع لتخفيف ارتفاع أسعار النفط وتمديد اتفاق الإمدادات الحالية لضمان استقرار سوق النفط حيث يشرع العالم في تعافي هش من جائحة فيروس كورونا. لكن الإمارات رفضت الطلب، وأثارت مسألة حصة الإنتاج الخاصة بها والتي تعتبرها غير عادلة.

 وقالت الصحيفة إن أعضاء "أوبك" يجتمعون مجدداً اليوم الاثنين. وقالت كارين يونغ، الباحثة في معهد "الشرق الأوسط": "المنافسة المتصاعدة داخل الدولتين الخليجيتين مرتبطة بعدد من قضايا السياسة الاقتصادية. فالسعودية قد زادت بوضوح الضغط، بينما تضغط الإمارات العربية المتحدة لتأمين أهدافها الربحية في هذا السوق الضيق. يستعد عملاقا الطاقة هذان للسنوات العشر المقبلة من عائدات التصدير للحفاظ على اقتصاديهما السياسيَين". 

وتقضي خطة "أوبك +" بزيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يومياً كل شهر من آب / أغسطس المقبل إلى كانون الأول / ديسمبر المقبل ومن ثم تمديد الاتفاق إلى ما بعد تاريخ نهايته المقررة في نيسان / أبريل 2022.

وقالت "فاينانشال تايمز" إن تدهور العلاقات السعودية-الإماراتية ارتبط بتصميم الإمارات على توسيع طاقتها الإنتاجية لدعم خطط تنويع النفط. وأشارت إلى أن صراع القوى بين أعضاء أوبك يهدد حالياً قدرة الكارتل على الوحدة على المدى الطويل وتحقيق الاستقرار في أسعار النفط. 

ففي مداخلة عامة نادرة يوم أمس الأحد، قالت وزارة الطاقة الإماراتية: "الاتفاقية الحالية تستمر حتى نيسان/أبريل 2022 ودولة الإمارات لا تمانع تمديد الاتفاقية إذا لزم الأمر، ولكنها طلبت مراجعة نسب نقط الأساس لمرجعية التخفيض لضمان عدالة الحصص لجميع الأعضاء عند التمديد".

وقالت الصحيفة إن إنتاج النفط ليس هو مصدر الخلاف الوحيد بين أبو ظبي والرياض. وقال مروان البلوشي، المستشار السابق لمكتب رئيس الوزراء الإماراتي، إنه في حين أن الإمارات والسعودية قد أقامتا تحالفاً استراتيجياً في العقد الماضي، فإن "المنافسة الاقتصادية تتصاعد بين الدولتين الخليجيتين". فبينما سحبت الإمارات معظم قواتها العسكرية من اليمن في عام 2019، تاركة السعودية وحيدة في معركتها ضد "المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران"، اشتبكت القوات الانفصالية الجنوبية المتحالفة مع الإمارات مع القوات الحكومية اليمنية المدعومة من السعودية. وفي حين قبلت الإمارات جهود السعودية لإنهاء حظر التجارة والسفر الذي كان مفروضاً على قطر، إلا أن أبو ظبي تشعر بالقلق من سرعة المصالحة مع الدوحة. كما أثار احتضان الإمارات لـ"إسرائيل" في أعقاب تطبيع العلاقات بينهما العام الماضي استهجان السعودية.

كان التعامل المختلف لكلا الدولتين مع وباء كورونا مصدر استياء آخر بينهما. فقد قررت الرياض اعتباراً من يوم أمس الأحد منع السفر من الإمارات وإليها، حيث يمثل متحور "دلتا" ثلث جميع الحالات الجديدة. فالسعودية لم تجِز اللقاح الصيني الذي تعتمد عليه الإمارات إلى حد كبير في التلقيح الشامل لسكانها. 

وأضافت الصحيفة أنه يُنظر في الإمارات إلى تهديد السعودية بمنع الشركات متعددة الجنسيات من الحصول على العقود الحكومية المربحة، إذا لم تنقل مقراتها الرئيسية إلى الرياض، على أنه هجوم ضمني على دبي، المركز التجاري للإمارات حيث تتمركز معظم هذه الشركات متعددة الجنسيات. لكن السعوديين يقللون من شأن هذه التوترات، مشيرين إلى أن نزاعات أوبك هي مسألة "أعمال" وأن القيود بسبب فيروس كورونا تتعلق بـ"السلامة" وليس بالسياسة.

ونقلت "فاينانشال تايمز" عن عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي المقيم في دبي، قوله: "على مدى السنوات الأربعين الماضية، اتبعت الإمارات باستمرار القيادة السعودية في أوبك. "لكن أخيراً، كانت الإمارات أكثر إصراراً على حصتها العادلة وهي الآن تستعرض عضلاتها على هذه الجبهة". فبموجب اتفاق "أوبك +" المقترح، ستخفض الإمارات إنتاجها بشكل نسبي بنسبة 18 في المائة، مقارنة بخفض بنسبة 5 في المائة للمملكة وزيادة بنسبة 5 في المائة لروسيا. تقول الإمارات إن لديها حوالى 35 في المائة من طاقتها الإنتاجية الحالية متوقفة، مقارنة بمعدل متوسط ​​يبلغ حوالى 22 في المائة للآخرين في الاتفاق. 

وأشارت الصحيفة إلى أن الإمارات قد طلبت مراجعة مراجع الإنتاج الأساسية في اجتماع لاحق. لكن تم رفض طلبها. وقالت وزارة الطاقة الإماراتية في بيان: "للأسف، طرحت اللجنة الوزارية في (أوبك بلاس) خياراً واحداً فقط وهو زيادة الإنتاج مشروطاً بتمديد الاتفاقية الحالية إلى كانون الأول/ديسمبر 2022 وهي اتفاقية غير عادلة للإمارات من ناحية نقطة الأساس المرجعية لحصص الإنتاج".

وقالت أمريتا سين من شركة "إنرجي أسبكتس" الاستشارية: "إن خلافات الرأي المتزايدة بين الرياض وأبو ظبي بشأن السياسات الخارجية والاقتصادية والأمنية، وكذلك بشأن السياسة النفطية نفسها، ستُعقّد مناقشات أوبك المستقبلية وجهود الحفاظ على اتفاقية أوبك+".

وقالت الصحيفة إن المطلعين يقولون إن الجدل يدور في أبو ظبي على أعلى المستويات في شركة النفط الوطنية حول ما إذا كان سيتم ترك كارتل النفط، "أوبك+"، الأمر الذي سيسمح لدولة الإمارات بتمويل خططها لتنويع الاقتصاد - من إنتاج المصافي والبتروكيماويات إلى بورصة سلع تم تشكيلها أخيراً ومعيار خام خاص بها يتطلب الوصول إلى الأحجام لإنجاحها.

وقال محللون في مجال الطاقة إن خروج الإمارات من هذا الكارتل قد يؤدي إلى إنتاج مجاني للجميع من شأنه أن يقوض هدف "أوبك +". وقال وزير الطاقة الإماراتي، سهيل المزروعي، لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية أمس الأحد: "الإمارات هي التي ضحت أكثر من غيرها. لا يمكننا إبرام اتفاق جديد في ظل الظروف نفسها، لدينا حق سيادي في التفاوض على ذلك".

نقله إلى العربية: الميادين نت