"فورين بوليسي": سراب حقوق الإنسان في ظل محمد بن سلمان
تهدف الإصلاحات الاجتماعية الأخيرة في المملكة العربية السعودية إلى جذب الاهتمام الدولي أكثر من اهتمامها بتحسين حياة مواطنيها في الوطن.
كتبت أنشال فوهرا مقالة في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تناولت فيها وضع حقوق الإنسان في السعودية والإصلاحات المزعومة في أعقاب قمة مجموعة العشرين التي عقدت افتراضياً في المملكة.
وقالت الكاتبة: لم يكن بإمكان عبد الله أن يصطحب صديقته إلى مقهى عندما بدأا في المواعدة. كان حضور الحفلات الموسيقية لنجوم البوب الأميركيين بمثابة عالم المستحيل أيضاً. لكن في "السعودية الجديدة"، على حد تعبيره، تم منح الكثير من هذه الحريات للجمهور. هناك المزيد من السبل للترفيه، وأصبح الاختلاط بين الجنسين أسهل بين الليبراليين نسبياً، ويُسمح للمرأة بالقيادة.
تم بيع هذه التساهلات الصغيرة كإصلاحات رئيسية لكل من السعوديين والغرب. تهدف الحكومة السعودية إلى كسب الشباب في المملكة - ثلثا سكان السعودية تحت سن 35 - وثنيهم عن تحدي النظام الملكي. ولها هدف إضافي يتمثل في جذب الاستثمار الأجنبي للمساعدة في تنويع الاقتصاد.
في الأسبوع الماضي، أصبحت السعودية أول دولة عربية تستضيف قمة مجموعة العشرين، وهي القمة السنوية لكبار قادة العالم لمناقشة التحديات الاقتصادية والسياسية والصحية المشتركة. كان الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود ونجله وولي عهده محمد بن سلمان يأملان في أن يفتح الباب أمام فصل جديد في علاقتهم بالنخبة العالمية منذ جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، بزعم أنها تمت بناء على أوامر من ولي العهد... وقد تسبب ذلك في إحراج كبير وجعل من الصعب، على الأقل بالنسبة للأوروبيين، تبرير "العمل كالمعتاد" مع المملكة. ومع ذلك، فقد حرمت جائحة كورونا من فرصة التقاط الصور، وعُقد التجمع بدلاً من ذلك عبر الإنترنت.
ولدت القمة المرغوبة بين السعوديين في المنفى، مثل عبد الله، مشاعر مختلطة. لقد شعروا بالفخر لأن بلدهم، الذي سُخر منه باعتباره الأمة التي انتمى إليها معظم خاطفي الطائرات في 11 أيلول / سبتمبر، قد يصبح أكثر قبولاً كقوة عالمية مؤثرة. ولكن كان هناك قلق ملموس من أن قادة مجموعة العشرين لم يفعلوا سوى التشدق بقضية حقوقهم الإنسانية والسياسية.
تصاعدت اعتقالات وحتى إعدامات المنتقدين بشكل حاد في السنوات القليلة الماضية، مما خلق جواً من الخوف بين العديد من السعوديين. تم القاء المئات خلف القضبان، بمن فيهم الأمير محمد بن نايف، الرجل الذي نسق مع وكالات الاستخبارات الغربية في المعركة ضد تنظيم القاعدة وكان ينظر إليه على أنه حصن الغرب في تأسيس البلاد، وما لا يقل عن أربع ناشطات بارزات ناضلن من أجل حق المرأة في القيادة، وحققن الفوز، وكذلك علماء الدين الذين طالبوا بإصلاحات سياسية، يقبعون في السجون منذ سنوات.
وعلى الرغم من الغضب الناجم عن مقتل خاشقجي، فقد سُجن 13 كاتباً وناشطاً في نيسان / أبريل 2019 وحده، بعد ستة أشهر فقط من وفاته، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش.
وقال سعوديون في المنفى، وكذلك منظمات إنسانية، لمجلة فورين بوليسي إنه بينما كان النظام الملكي يوزع بعض الحريات الاجتماعية بيد، إلا أنه سحق المعارضة السياسية كما لم يحدث من قبل باليد الأخرى.
وقال عبد الله إن تغريدة في السعودية الجديدة يمكن أن تؤدي إلى اعتقال ناشط أو كاتب أو أي شخص ينتقد الحكومة بشكل معتدل. لقد فر من البلاد الشهر الماضي وتحدث إلى "فورين بوليسي" شريطة عدم الكشف عن هويته. وقال للكاتبة عبر الهاتف من أوروبا: "إنهم لا يحبون ما أقوله، وبصراحة، فاق خطر وضغوط العيش في الرياض الرغبة في التحدث".
لطالما تعرضت السعودية لانتقادات بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، لكن تطورين حدثا خلال العقد الماضي تسببا في انزلاق أكثر حدة نحو الاستبداد: "الربيع العربي" وصعود محمد بن سلمان إلى ولاية العهد.
حتى بداية "الربيع العربي"، تم التسامح مع العلماء والناشطين السعوديين إلى حد ما عندما ناقشوا الإصلاحات المؤسسية، بما في ذلك ذكر بعض أشكال الديمقراطية. توقف ذلك بسرعة بعدما خرج المتظاهرون إلى شوارع القاهرة والمنامة وطرابلس ودمشق. كان المحامون والمدوّنون من بين أوائل الذين تم اعتقالهم.
مع تقدم "الربيع العربي"، اكتسبت "جماعة الإخوان المسلمين"، المنظمة العربية التي تنشر الإسلام السياسي، نفوذاً بل وفازت في الانتخابات في مصر. كما تحدث القادة المحليون في تيار "الصحوة"، الذراع السعودية للإخوان المسلمين، مطالبين بإصلاحات سياسية. كان ينظر إلى هذا من قبل أفراد العائلة المالكة، على أنه تهديد إذ خافوا من أن مزيجاً مشابهاً من الليبراليين الكوزموبوليتانيين والإسلاميين السياسيين قد يقود الجماهير في المملكة إلى تحدي النظام الملكي.
من بين العلماء السعوديين البارزين الذين دعموا الانتفاضات سلمان العودة، الذي كتب رسالة إلى الحكومة في عام 2013 وحذر من "انفجار اجتماعي سياسي" إذا لم يتم تفعيل الإصلاحات السياسية. وقد أصبح ضحية لعملية تطهير ثانية، بقيادة محمد بن سلمان، في عام 2017.
وقالت لينا الهذلول، شقيقة لُجين الهذلول، إحدى الناشطات البارزات في مجال حقوق المرأة في البلاد، لمجلة فورين بوليسي إنه بعد فترة وجيزة من تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد، تم محو الخطوط الحمراء القديمة بينما ظلت الخطوط الجديدة غير معروفة. وقالت لينا من برلين: "في وقت سابق كنا نعرف أنها عدم تحدي العائلة المالكة والدين، لكننا الآن لا نعرف ما هي الخطوط الحمراء".
كانت شقيقتها لُجين تناضل من أجل الحق في قيادة السيارة. ولا تزال عائلتها في حيرة من أمرها لأن الحكومة رأت أنه من الضروري سجن شخص ما لارتكابه جريمة الدعوة إلى الإصلاح الذي قررت لاحقاً منحه.
بدأت لُجين الهذلول إضراباً عن الطعام منذ 26 تشرين الأول / أكتوبر. وقبل مجموعة العشرين، ناشد العديد من النشطاء المجتمع الدولي مقاطعة القمة ما لم تفرج الرياض عن السجناء السياسيين. لكن دعواتهم لم تلقَ آذاناً صاغية، على الرغم من أن أحد مواضيع مجموعة العشرين كان تمكين المرأة.
وقالت لين معلوف، نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إنه بدلاً من شراء "الرواية البيضاء" للحكومة السعودية، كان على قادة مجموعة العشرين استخدام القمة للدفاع عن أشخاص مثل الهذلول. وأضافت: "بالنسبة للسلطات السعودية، تعتبر قمة مجموعة العشرين بالغة الأهمية - إنها لحظة بالنسبة لهم للترويج لأجندتهم الإصلاحية للعالم وإظهار أن بلادهم منفتحة للأعمال التجارية. في غضون ذلك، يقبع الإصلاحيون الحقيقيون في السعودية وراء القضبان".
وقال مايكل بيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش": "بدلاً من الإشارة إلى قلقها بشأن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها المملكة العربية السعودية، تعمل مجموعة العشرين على تعزيز جهود الدعاية للحكومة السعودية، الممولة تمويلاً جيداً، لتصوير البلاد على أنها إصلاحية على الرغم من زيادة كبيرة في القمع".
وختمت الكاتبة بالقول إن "بعض التغييرات حقيقية، ومن الواضح أن المجتمع السعودي يكافح لخلق هوية جديدة، هي مزيج من أنماط الحياة الحديثة والتقليدية. ومع ذلك، لا ينبغي للغرب أن يخشى استخدام نفوذه الكبير كعامل مساعد للخير في هذه العملية الصعبة والوحشية في كثير من الأحيان".
ترجمة بتصرف: الميادين نت