"إزفيستيا": قمة الـ20 لن تخمد الصراع
صحيفة "إزفيستيا" تذكر أنّ قمة مجموعة العشرين المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر 2022 لن تؤدي إلى تهدئة الوضع الدولي المتأزّم بشكل غير مسبوق.
ذكرت صحيفة "إزفيستيا" أنّ قمة العشرين المرتقبة في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، تعقد على وقع طبول الحرب الدائرة بين دول الناتو والاتحاد الروسي على الأراضي الأوكرانية، وتأزم العلاقات الدولية بشكل غير مسبوق.
وفيما يلي نص المقال المنقول إلى العربية:
تتحدث يلينا بانينا، مديرة معهد روستارت" المتخصّص في العلاقات الدولية والاستراتيجيات الاقتصادية، على صفحات جريدة "إزفستيا" المسكوفية، عن السبب في أنّ قمة مجموعة العشرين لن تؤدي إلى تهدئة الوضع الدولي.
ولدت فكرة مجموعة العشرين في أواخر تسعينيات القرن الماضي، ثم تشكّلت كمنتدى لقادة العالم في عام 2008، عندما قرّرت دول مجموعة السبع إنشاء منصة "للحوار". ولكن في الواقع، كان هدفها التلقين ودفع الاقتصادات النامية إلى تبني مواقفها.
لقد وضع الغرب هدفًا يتمثل في جعل مجموعة العشرين أداةً لتأثيره على البلدان التي كان لها، حتى ذلك الحين، توجهاً إلى زيادة ثقلها الحقيقي في الاقتصاد العالمي. اعتبرت قادة الولايات المتحدة وحلفاؤها أنفسهم جوهر نظام الحكم العالمي، وأنّ مجموعة العشرين تمثل الأطراف. أما الدول الواقعة خارج هذا الهيكل فتضطلع بدور "الغرباء" على هامش النظام العالمي الجديد.
اليوم، تغير الوضع اليوم بشكل جذري، فقد وصلت "الاقتصادات النامية" إلى مستوى جديد، وأصبح بعضها "فائق التطور". ليس من المستغرب أنّ الأدوار تغيرت وأصبح "المعلّمون" السابقون من مجموعة السبعة غير مهمين جدًا "للطلاب" الجدد، الذين لا يرون أحيانًا جدوى المشاركة في "تجمعات" مجموعة العشرين التي تسعى إلى الهدف الرئيس المتمثل في الحفاظ على الهيمنة الأمريكية.
لاستكمال الصورة، تجدر الإشارة إلى أنّ قمة مجموعة العشرين الأخيرة، التي عقدت في روما العام الماضي، جمعت أكثر من نصف رؤساء الدول بقليل، في حين مثل وزراء الخارجية بقية الدول. ومع ذلك، من المتوقع أن تصبح قمة مجموعة العشرين المقبلة في بالي منصة يجتمع فيها العديد من قادة العالم ويمكن اتخاذ قرارات مهمة فيها، على وجه الخصوص، للمساهمة في حل النزاع في أوكرانيا.
يجب الاعتراف بأنّ هذه الآمال وهمية إلى حدّ كبير. يلقي الناتو والولايات المتحدة المزيد والمزيد من الموارد في أتون الصراع في أوكرانيا. الحقيقة هي أنّ الدوائر المالية والسياسية التي تحدّد مسار الإدارة الأميركية تسعى جاهدة من أجل شيء واحد، وهو الهزيمة الاستراتيجية لروسيا، ومن هذا المنطلق فقط هي مستعدة "للتفاوض" حول شيء ما.
بمعنى ما، قد يتأثر الوضع بنتيجة انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركي، التي تجري قبل وقت قصير من قمة مجموعة العشرين. إذا تعرض الحزب الديمقراطي الحاكم في الولايات المتحدة لهزيمة كاملة وخسر الغالبية في البرلمان، فربما تصبح الإدارة الأميركية الحالية أكثر قابلية للتفاوض، أي أنّ النتائج إن لم تكن كارثية بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، فلن تتغير سياسة الولايات المتحدة.
شرعت واشنطن ولندن منذ مدة طويلة في مسار المواجهة العالمية، وتدمير الاقتصادات ذات السيادة، وإغراق العالم في فوضى دائمة. وبناءً على ذلك، فإنّهما تراهنان على تفاقم الأزمة الأوكرانية. لذلك، فإنّ احتمالات اتخاذ بعض الخطوات نحو تخفيف التوترات في قمة مجموعة العشرين تقع ضمن حدود الخطأ الحسابي.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أيضًا على إضعاف المنافسين وتدميرهم، بعدما قمعتا بالفعل بعضهم سياسيًا (الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا). وهؤلاء المنافسون جزء لا يتجزأ من التيار الأوروبي الأطلسي وغير قادرين أساسًا على حماية مصالحهم الوطنية.
طوال مدة الاستعدادات لقمة بالي، حاول الجانب الأميركي تحويلها إلى أداة لإملاء الإنذارات، وفرض مصالحه الخاصة على أمل إنهاء اجتماع القادة بتبني إعلان مناهض لروسيا مدعوم بالإجماع. ومع ذلك، فشلت محاولات منع مشاركة الوفد الروسي.
في حديثه في منتدى فالداي، أوضح فلاديمير بوتين أنّه لم يستبعد مشاركته. سيصل شي جين بينغ إلى بالي، حيث سيلقي أوّل خطاب في مكان دولي كبير منذ المؤتمر العشرين التاريخي للحزب الشيوعي الصيني، والذي منحه في الواقع سلطات غير مسبوقة.
إنّ التواجد المحتمل للزعيمين في القمة، لن يؤدي فقط إلى إحباط خطط تحويل الحدث إلى "محاكمة" ضد روسيا، ولكن أيضًا إلى تسريع تشكيل تحالف مناهض للاستعمار يعارض إملاءات الولايات المتحدة.
قد تكون إحدى النتائج المحتملة للقمة، والتي يمكن توقعها بدرجة عالية من الاحتمال، التحرك نحو ترسيم خط فاصل بين المشاركين في مجموعة العشرين وفقًا لمبدأ "10 × 10"، حيث يمثل النصف الأوّل الغرب بقيادة الولايات المتحدة، والثاني الدول خارج الكتلة الغربية الساعية لتعزيز سيادتها وحماية مصالحها الوطنية.
علاوةً على ذلك، تشكّل 5 دول من هذه العشر (الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) مجموعة البريكس، في حين أنّ الدول الخمس الأخرى (المملكة العربية السعودية والأرجنتين وتركيا ومصر وإندونيسيا) في طريقها إلى هذه المجموعة. يجب أن تكون النتيجة النهائية لهذه العمليات تشكيل منصات دولية بديلة.
على سبيل المثال، يمكننا التحدث عن مجموعة العشرين الجديدة المشروطة التي تدمج جميع أقوى الاقتصادات غير الغربية وتشمل، من بين أطراف أخرى، أولئك الذين قرّر الغرب الجماعي إعلانهم منبوذين، مثل إيران، أو لديه سجل تاريخي معهم، مثل فيتنام.
بالإضافة إلى القوى الإقليمية الطموحة التي تسعى إلى تعزيز وضعها في السياسة الخارجية، مثل الإمارات العربية المتحدة، وباكستان، وتايلاند، والجزائر، ونيجيريا، وإثيوبيا. في الوقت نفسه، فإنّ إدراك عدم جدوى مجموعة العشرين في شكلها الحالي لاستقرار الاقتصاد العالمي، وتضارب المجموعة مع المهام التي أنشئت من أجلها، يؤدي بشكل أسرع إلى تشكيل جماعة غير غربية.
على الصعيد نفسه، بات الدور المدمر الذي تلعبه الولايات المتحدة الآن واضحًا على نطاق عالمي، لجميع الدول التي تحتفظ بدرجة معينة من السيادة. بدأ عدد متزايد من قادة العالم يدركون حقيقة أنّ المزيد من التصعيد الذي بدأته الدول محفوف بكارثة عالمية.
إنّ الدور المدمر للولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، والذي يؤدي إلى تدمير الصناعة والروابط الاقتصادية ومسارات التوريد، يجبر حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو المستشار الألماني أولاف شولتز على إعلان إمكانية اندلاع "حرب تجارية" مع الولايات المتحدة إذا لم توقف واشنطن المنافسة غير العادلة.
بالتالي، فإنّ الأهداف الواردة في جدول أعمال قمة مجموعة العشرين في بالي لن تتحقق بالتأكيد. والقمة نفسها، التي خططت لها وزارة الخارجية في الأصل على أنّها انتصار مدوّ للدبلوماسية الأميركية، قد تكون مفاجأة غير سارّة لجو بايدن.
نقله إلى العربية: عماد الدين رائف