"نيويورك تايمز": واشنطن تفحص ما إذا كان البرنامج النووي السعودي قد يؤدي لصنع قنبلة
حدد خبراء الاستخبارات هيكلاً مكتملاً حديثاً بالقرب من الرياض، والتي يشك بعض المحللين والخبراء افي أنه قد يكون واحداً من عدد من المواقع النووية غير المعلنة.
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن وكالات الاستخبارات الأميركية تفحص الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لبناء قدرتها على إنتاج الوقود النووي الذي قد يضع المملكة على طريق تطوير أسلحة نووية.
وقالت الصحيفة إن وكالات التجسس الأميركية وزعت في الأسابيع الأخيرة تحليلاً سرياً حول الجهود الجارية داخل السعودية، بالتعاون مع الصين، لبناء القدرات الصناعية لإنتاج الوقود النووي. وأثار التحليل مخاوف من احتمال وجود جهود سعودية-صينية سرية لمعالجة اليورانيوم الخام إلى شكل يمكن تخصيبه لاحقاً إلى وقود أسلحة، بحسب مسؤولين أميركيين تحدثوا للصحيفة.
وأضافت "نيويورك تايمز" أنه كجزء من الدراسة، حدد خبراء الاستخبارات هيكلاً مكتملاً حديثاً بالقرب من منطقة إنتاج الألواح الشمسية بالقرب من العاصمة السعودية الرياض، والتي يشك بعض المحللين الحكوميين والخبراء الخارجيين في أنها قد يكون واحداً من عدد من المواقع النووية غير المعلنة.
وقال مسؤولون أميركيون إن الجهود السعودية لا تزال في مراحلها المبكرة، وإن المحللين الاستخباريين لم يتوصلوا بعد إلى استنتاجات مؤكدة بشأن بعض المواقع الخاضعة للتدقيق. وقالوا إنه حتى إذا قررت المملكة متابعة برنامج نووي عسكري، فسوف تمر سنوات قبل أن تتمكن من إنتاج رأس نووي واحد.
ولم يُخفِ المسؤولون السعوديون عزمهم على مواكبة إيران، إذ تسارع هذا العزم منذ تخلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الاتفاق النووي لعام 2015 مع طهران. فقد تعهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في عام 2018 بأن المملكة ستحاول تطوير أو امتلاك أسلحة نووية إذا واصلت إيران عملها نحو صنع قنبلة.
وفي الأسبوع الماضي، أدرجت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، بقيادة النائب آدم شيف، الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا، بنداً في مشروع قانون تفويض ميزانية الاستخبارات يطالب الإدارة بتقديم تقرير عن الجهود السعودية منذ عام 2015 لتطوير برنامج نووي، وهو مؤشر واضح أن اللجنة تشتبه في حدوث نشاط نووي غير معلن عنه. ويجب أن يتضمن التقرير، كما جاء في النص، تقييماً "لحالة التعاون النووي بين المملكة العربية السعودية وأي دولة أخرى غير الولايات المتحدة، مثل جمهورية الصين الشعبية أو الاتحاد الروسي".
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية قد قالت في مقالة يوم الثلاثاء إن المسؤولين الغربيين قلقون بشأن منشأة مختلفة في السعودية، في الصحراء الشمالية الغربية للبلاد. وقالت الصحيفة إن المنشآة جزء من برنامج مع الصينيين لاستخراج الكعكة الصفراء لليورانيوم من خام اليورانيوم. هذه خطوة أولى ضرورية في عملية الحصول على اليورانيوم لتخصيبه لاحقاً، إما لاستخدامه في مفاعل نووي مدني أو لتخصيبه إلى مستويات أعلى بكثير، في سلاح نووي.
وقد أعلنت السعودية والصين علناً عن عدد من المشاريع النووية المشتركة في المملكة - بما في ذلك مشروع لاستخراج اليورانيوم من مياه البحر - بهدف معلن هو مساعدة أكبر منتج للنفط في العالم على تطوير برنامج للطاقة النووية أو أن تصبح مُصدراً لليورانيوم.
وأضافت "نيويورك تايمز" أن مسؤولي الاستخبارات الأميركية بحثوا على مدى عقود عن أدلة على أن السعوديين يسعون لأن يصبحوا قوة نووية، خائفين من أن أي خطوة من هذا القبيل قد تؤدي إلى سباق تسلح نووي أوسع يزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط. وحتى الآن، فإن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في المنطقة، وهو وضع لم تؤكده رسمياً أبداً.
في تسعينيات القرن العشرين، ساعد السعوديون في تمويل جهود باكستان الناجحة لإنتاج قنبلة. لكن لم يكن واضحاً أبداً ما إذا كانت الرياض لديها مطالبة بالسلاح النووي الباكستاني، أو تقنيتها. وبعد 75 عاماً من تفجير أول قنبلة نووية تستخدم في الحرب - الذكرى السنوية لتفجير هيروشيما يوم الخميس - تمتلك تسع دول فقط أسلحة نووية.
وقالت الصحيفة إنه منذ كارثة غزو العراق في عام 2003، بناء على تقييمات خاطئة بأن صدام حسين كان يستأنف البرنامج النووي القوي للبلاد، كانت وكالات الاستخبارات الأميركية أكثر تردداً في التحذير من التقدم النووي خوفاً من تكرار خطأ فادح. ففي البيت الأبيض، يبدو أن مسؤولي إدارة ترامب غير منزعجين نسبياً من الجهود السعودية. فهم يقولون إنه حتى يتم إنهاء البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم، من المرجح أن يبقي السعوديون الخيار مفتوحاً لإنتاج الوقود النووي الخاص بهم، تاركين الطريق مفتوحاً لإنتاج سلاح نووي.
وأوضحت الصحيفة أن الإدارة الأميركية هي الآن في موقف غير مريح بإعلانها أنها لا تستطيع تحمل أي قدرة لإنتاج نووي في إيران، بينما تبدو صامتة بشأن حلفائها المقربين، السعوديين، الذين غفرت لهم انتهاكات حقوق الإنسان والمغامرات العسكرية. فقد أقام السيد ترامب وكبار مساعديه علاقات وثيقة مع القيادة السعودية، وقللوا من شأن مقتل الصحافي والمعارض السعودي جمال خاشقجي وتجنيد ولي العهد في جهود السلام غير المثمرة حتى الآن في الشرق الأوسط. كما يأتي ذلك في وقت تتعامل فيه إدارة ترامب بقوة مع الصين على جبهات عديدة، مثل تعاملها مع فيروس كورونا المستجد وجهودها لقمع الحريات في هونغ كونغ. فحتى الآن، لم يقل البيت الأبيض شيئاً عن مجموعة الصفقات النووية الصينية مع السعوديين.
وقد رفض المتحدثون باسم مجلس الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركيين التعليق لصحيفة "نيويورك تايمز" على هذه المعلومات. ولم يرد متحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن على رسالة للصحيفة تطلب التعقيب.
وفي وقت متأخر من يوم الأربعاء، قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لصحيفة نيويورك تايمز إنه على الرغم من أنها لن تعلق على نتائج الاستخبارات، "فإننا نحذر بشكل روتيني جميع شركائنا من مخاطر التعامل مع الأعمال النووية المدنية لجمهورية الصين الشعبية، بما في ذلك التهديدات التي تمثلها من التلاعب والإكراه الاستراتيجيين، فضلاً عن سرقة التكنولوجيا. نحن نشجع بشدة جميع الشركاء على العمل فقط مع الموردين الموثوق بهم الذين لديهم معايير قوية لمنع الانتشار" النووي.
وقال البيان أيضاً: "نحن نعارض انتشار التخصيب وإعادة المعالجة"، والولايات المتحدة "ستعلق أهمية كبيرة" على استمرار التزام السعوديين بمعاهدة حظر الانتشار النووي. وحض وزارة الخارجية الأميركية السعودية على إبرام اتفاقية مع الولايات المتحدة "مع تدابير حماية قوية لمنع انتشار الأسلحة النووية ستمكن الصناعات النووية السعودية والأميركية من التعاون".
وقالت الصحيفة إنه منذ بداية إدارته، أجرى الرئيس ترامب مفاوضات مع السعوديين حول اتفاقية، والتي تتطلب موافقة الكونغرس، تمكّن الولايات المتحدة من مساعدة السعودية في بناء برنامج نووي مدني. لكن السعوديين لن يوافقوا على أنواع القيود التي وقعت عليها الإمارات العربية المتحدة منذ سنوات عدة، والتي تلزم الدولة بعدم بناء قدرتها على إنتاج الوقود، والتي يمكن تحويلها إلى إنتاج القنابل. يقول مسؤولو الإدارة الأميركية إن المفاوضات قد توقفت بشكل أساسي خلال العام الماضي.
وأضافت "نيويورك تايمز" إن تعاون السعودية مع الصينيين في المجال النووي يشير إلى أن السعوديين ربما يئسوا الآن من الولايات المتحدة ولجأوا إلى الصين بدلاً من ذلك للبدء في بناء البنية التحتية التي تقدر بمليارات الدولارات اللازمة لإنتاج الوقود النووي. فالصين تقليدياً لا تصر على مثل هذه الضمانات الصارمة لمنع الانتشار النووي، وهي حريصة على ضمان إمدادات النفط السعودية.
ويقول خبراء إقليميون إن جزءاً من الحساب السعودي نابع من الرأي القائل بأن المملكة لم تعد قادرة على الاعتماد على استعداد أميركا لمواجهة إيران. فقد اكتسب هذا الرأي المزيد من الاهتمام في المملكة بعد أن وقعت إدارة الرئيس باراك أوباما الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، المعروف "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والذي أجبر إيران على التخلي عن 97 في المئة من مخزونها من الوقود، لكنه ترك الطريق مفتوحاً لها لإنتاجه في المستقبل.
وقال رولف موات-لارسن، وهو عضو سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومدير الاستخبارات والاستخبارات المضادة في وزارة الطاقة: "إنهم يعتقدون أنه نتيجة الاتفاق النووي، لا يمكنهم الاعتماد على أي شخص يسيطر على الإيرانيين، وسيتعين عليهم ردع إيران بأنفسهم".
وقال لارسن إن المفارقة هي أن السعودية سعت إلى إقامة شراكات نووية مدنية واتفاقيات دفاع مع قوتين - روسيا والصين - تربطهما علاقات اقتصادية عميقة مع إيران.
فقد لقد أمضت السعودية سنوات في تطوير برنامج نووي مدني، ولديها شراكة مع الأرجنتين لبناء مفاعل في المملكة. لكنها رفضت القيود المفروضة على قدرتها على التحكم في إنتاج الوقود النووي واكتسبت بشكل منهجي مهارات - استكشاف اليورانيوم والهندسة النووية وتصنيع الصواريخ الباليستية - من شأنها أن تجعلها قادرة على تطوير أسلحتها النووية الخاصة إذا قررت القيام بذلك.
وقال توماس كونتريمان، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الأمن الدولي ومنع الانتشار بين عامي 2011 و2017: "لم يكن هناك شك مطلقاً. إنهم يرون قيمة في امتلاك قدرة كامنة على إنتاج وقودهم (النووي)، وربما أسلحتهم (النووية) الخاصة".
وأوضحت "نيويورك تايمز": "كان السعوديون منفتحين نسبياً بشأن اهتمامهم بتطوير القدرة على تخصيب اليورانيوم، وهو عنصر مشع يمثل الوقود الرئيسي لكل من مفاعلات الطاقة والرؤوس الحربية النووية". ففي العام الماضي، نُشرت وثيقة بعنوان "تحديثات المشروع الوطني السعودي للطاقة الذرية"، نشرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، تصف بالتفصيل خطة السعودية لبناء مفاعلات مدنية بالإضافة إلى تزويدها بالوقود من خلال "توطين" إنتاج اليورانيوم.
وقالت الوثيقة نفسها إن المملكة كانت تبحث عن رواسب اليورانيوم في أكثر من 10000 ميل مربع من أراضيها (مساحة تعادل مساحة ولاية ماساتشوستس) وتعاونت مع الأردن لصنع الكعكة الصفراء، وهي شكل مركز من خام اليورانيوم. ويعتبر إنتاجه خطوة وسيطة على طريق تخصيب اليورانيوم وتحويله إلى وقود نووي.
وحتى الآن لم يتم الإعلان عن المنشآت الخاضعة للتدقيق الاستخباري لسلطة الطيران المدني. وترصد الوكالة الامتثال السعودي لمعاهدة حظر الانتشار النووي التي وقعتها الرياض منذ عقود.
وقال روبرت كيلي، المفتش السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمسؤول السابق في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا: "إن الوكالة الدولية غير راضية عن المملكة العربية السعودية لأنها ترفض التواصل بشأن برنامجها الحالي والكشف لها عن وجهته".
وقالت الصحيفة إن الموقع الذي حددته الاستخبارات الأميركية على أنه نووي يقع ربما في منطقة صحراوية منعزلة ليست بعيدة جداً عن مدينة العيينة السعودية وقريتها الشمسية، وهو مشروع سعودي شهير لتطوير الطاقة المتجددة.
وقد حلل ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي، وهو مجموعة خاصة في واشنطن تتعقب الانتشار النووي، صور الأقمار الصناعية التجارية للموقع الصحراوي. وفي تقرير من خمس صفحات، وصف اأولبرايت المنشأة، التي شُيدت بين عامي 2013 و2018، بأنها مشبوهة نظراً لعزلتها النسبية في الصحراء السعودية وطريق الوصول الطويل إليها. وقال إن صورة القمر الصناعي التي تم التقاطها في عام 2014، قبل أن يكون للهيكل سقف، كشفت عن تركيب أربع رافعات صفراء كبيرة لرفع ونقل المعدات الثقيلة إلى مناطق عالية الارتفاع. وأضاف أولبرايت أن كل مبنى يحتوي كذلك على مكاتب متجاورة من طابقين ومناطق لموظفي الدعم. وأشار إلى أن فحصه لصور الأقمار الصناعية لم يتمكن من تحديد أي علامات على وصول معدات المعالجة أو المواد الخام إلى المنشأة الصحراوية.
ووجد أولبرايت في تقريره أن مظهر المباني السعودية يمكن مقارنته تقريباُ بمنشأة تحويل اليورانيوم الإيرانية، وهي معمل صممته الصين في مدينة أصفهان، وهي مركزية بالنسبة لطموحات إيران النووية.
لكن كيلي أعرب عن شكوكه في أن صور الأقمار الصناعية أظهرت أدلة على عمل نووي سري. وقال إن موقع العيينة "تم تحديده منذ سنوات كمرفق مشترك لتطوير الخلايا الشمسية الأميركية-السعودية". وقال "هذا هو بالضبط ما يبدو عليه في صور الأقمار الصناعية".
ومع ذلك، أضاف كيلي: "أنا مقتنع تماماً بأن المملكة العربية السعودية والصين تتعاونان بنشاط في خطط لاستخراج اليورانيوم وإنتاج الكعكة الصفراء" في أماكن أخرى من المملكة.
وحدد فرانك بابيان، وهو محلل سابق لصور الأقمار الصناعية في مختبر لوس ألاموس الوطني في نيو مكسيكو، موقعاً صحراوياً يبدو أنه يتطابق مع المنشأة الموضحة في مقال الصحيفة. يبدو أنها مطحنة صغيرة لتحويل خام اليورانيوم إلى كعكة صفراء. فهو يحتوي على نقطة تفتيش، وأسوار أمنية عالية، ومبنى كبير على بعد 150 قدماً، وبرك لجمع نفايات اليورانيوم، التي تتركها هذه المطاحن. ويقع الموقع الصحراوي الوعر في شمال غرب المملكة العربية السعودية جنوب مدينة العلا، وهي بلدة صغيرة كانت ذات يوم على الطريق التجاري للبخور.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن بناء موقع العلا قد بدأ في عام 2014، في نفس الوقت تقريباَ الذي بدأ فيه العمل في المنشأة بالقرب من العيينة.
ترجمة بتصرف: هيثم مزاحم