"ميدل إيست آي": دول الخليج ستكون من أكبر الخاسرين إذا هُزم ترامب
إن احتضان دول الخليج الصريح لـ"إسرائيل" يحمل مخاطر لهذه الدول مع توجه "إسرائيل" نحو ضم أجزاء من الضفة الغربية.
كتب محمد فاضل، أستاذ القانون في جامعة تورنتو الكندية، مقالة في موقع "ميدل إيست آي" البريطاني قال فيها إن الولايات المتحدة على بعد بضعة أشهر فقط من الانتخابات التي ستتاح فيها للشعب الأميركي الفرصة لإعادة انتخاب الرئيس دونالد ترامب، أو جعله أحد الرؤساء القلائل لفترة واحدة في تاريخ البلاد عن طريق انتخاب خصمه الديمقراطي جو بايدن.
ففي حين يمكن أن يحدث الكثير من الآن وحتى تشرين الثاني / نوفمبر، يواجه ترامب معركة شاقة لإعادة انتخابه، متأثراً بمزيج من الآثار المدمرة للصحة العامة والآثار الاقتصادية لوباء فيروس كورونا، إلى جانب موجات الاحتجاج على وحشية الشرطة ضد الأميركيين الأفارقة بعد القتل الجريء لجورج فلويد، إذ تواجه حملة ترامب مشكلة عميقة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن بايدن يتقدم عليه بالنقاط بمعدل 50 -41.
وعلى الرغم من أن من الممكن نظرياً لترامب أن يفوز بإعادة انتخابه بينما يخسر التصويت الشعبي، وهو ما حققه بالفعل عندما هزم هيلاري كلينتون في عام 2016، يقال إن بايدن يتقدم في ولايات "ساحة المعركة الرئيسية"، بما في ذلك ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، والتي ساعدته على الفوز في الكلية الانتخابية.
وأضاف الكاتب أنه باختصار، ما لم يتغير شيء دراماتيكي في البيئة السياسية، هناك احتمال قوي أن بايدن سوف يهزم ترامب بشكل حاسم في انتخابات الخريف المقبل – وحتى ثمة فرصة جيدة أن يستعيد الديمقراطيون مجلس الشيوخ، مما يمنحهم السيطرة على جميع فروع الحكومة الثلاثة .
وقال فاضل في مقالته: "يمثل ترامب، في ذهن منتقديه، مزيجاً فريداً من الغطرسة والنرجسية والقسوة وعدم الكفاءة والجشع والعنصرية. لقد استقطب السياسة الأميركية إلى حد غير مسبوق، ويواجه جميع أولئك المرتبطين بصعوده احتمال حدوث انعكاس دراماتيكي في الحظوظ إذا خسر هو وحلفاؤه الجمهوريون الانتخابات المقبلة".
لقد شهدت سنوات ترامب إعادة قياس غريبة للعلاقات الأميركية العربية، تحت ستار "صفقة القرن". إن الخطوط العامة للصفقة تستلزم تخلي الدول العربية، وخاصة دول الخليج، عن أي مقاومة للطموحات الإسرائيلية في فلسطين، في مقابل دعم أميركي وإسرائيلي كامل لدول الخليج في مواجهتها مع إيران.
وهناك جانب ثانٍ من العلاقة التي تمت إعادة قياسها يتعلق بمبيعات الأسلحة إلى دول الخليج، بحيث تغض أميركا الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في دول الخليج.
كان إصرار إدارة ترامب على بيع الأسلحة الهجومية إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مثيراً للجدل بشكل خاص في مواجهة معارضة الكونغرس الأميركي، بسبب المعاناة الإنسانية الهائلة التي ألحقتها هاتان الدولتان بالشعب اليمني منذ تدخلهما في الحرب الأهلية اليمنية التي بدأت في آذار / مارس 2015.
وكشف القتل المروّع للصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول في تشرين الأول / أكتوبر 2018 عن التناقضات في نهج ترامب في التعامل مع العلاقات الخارجية، حيث قال إنه لن يعرض للخطر عقود الأسلحة السعودية المربحة بالضغط من أجل تحقيق العدالة الحقيقية (بشأن جريمة قتل خاشقجي)، ومطالب الكونغرس بأن تتحمل السعودية مسؤولية هذا العمل الإجرامي الوقح.
لقد كان ترامب على استعداد لمنح قادة دول الخليج العربية غطاء لمتابعة أي سياسات يراها ضرورية لأمنهم، بغض النظر عن مسائل حقوق الإنسان أو الديمقراطية - طالما أنهم يمنحون "إسرائيل" الحرية في فلسطين، ويواصلون شراء كميات فلكية من الأسلحة من الولايات المتحدة، والاستعداد لمقاومة إيران.
ورأى الكاتب أنه "لن يكون من غير المتصور أن تدعم إدارة ديمقراطية هذه السياسات نفسها - ولكن كل ما يفعله ترامب هو الانقسام. فبالنسبة للعديد من الديمقراطيين، لم يُفهم احتضان ترامب للمستبدين العرب، مثل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على أنه استراتيجية ذكية لتعزيز المصالح الأميركية، بل رعايته لمستبد آخر كزميل في المجتمع العالمي يعمل في تحدي مفتوح للشرعية الدولية".
وقال: "باختصار، حتى مع اعتبار دول الخليج ترامب حليفاً قيِّماً لهم داخ البيت الأبيض - سواء في مواجهتها الخارجية مع إيران، أو في مواجهاتها الداخلية مع الإصلاحيين في الداخل - يبدو أنهم قد قللوا من شأن المدى الذي ينظر إليه الأميركيون الآن على أنهم تابعون لترامب لا يمكن الاستفادة منهم، وهي حقيقة تجعلهم منبوذين فعلياً لأكثر من نصف الأميركيين الذين يحتقرون ترامب".
إعادة العلاقات الأميركية الخليجية
واعتبر الكاتب أن هناك احتمالاً قوياً أنه في حالة انتصار ديمقراطي كاسح في خريف هذا العام، ستسعى إدارة بايدن وقادة الكونغرس الديمقراطيون إلى إعادة ضبط كاملة للعلاقات الأميركية الخليجية. إن اتخاذ موقف متشدد ضد هذه الأنظمة سيأتي بتكلفة منخفضة نسبياً للولايات المتحدة على المستوى الدولي، ولكنه يحاكي بشكل جيد جداً تطلعات الجماهير المحلية الأميركية. إذ سيكون التحالف الذي يحل محل ترامب متعدد الأعراق والأديان ويمثل الطبقة العاملة، وسيكون متناغماً تماماً مع قضايا عدم المساواة في الدخل والثروة واحترام حقوق الإنسان. فهم لن يكونوا متعاطفين بشكل رهيب مع دول الخليج في ضوء ثرواتها الهائلة (غير المكتسبة)، والدخل الهائل وعدم المساواة في الثروة في تلك الدول، وازدراء هذه الدول لحقوق الإنسان وللديمقراطية. يمكن لهذه الدول بسهولة أن تصبح أكياس ملاكمة لإدارة بايدن الجديدة.
لا يزال بيرني ساندرز، على الرغم من أنه لم يفز بترشيح الحزب الديمقراطي، شخصية تحظى بشعبية كبيرة بين قاعدة الحزب الديمقراكي، وليس هناك شك في أن القاعدة تقترب من مثله العليا. إن إداناته العلنية للسعودية، على سبيل المثال، من المحتمل أن تمثل آراء الغالبية العظمى من الناخبين والناشطين في الحزب الديمقراطي.
ومع تراجع حاجة الاقتصاد العالمي إلى نفط الخليج بالتزامن مع صعود تكنولوجيات الطاقة البديلة واكتشاف حقول نفط جديدة ضخمة في أميركا الشمالية، تراجعت الأهمية العالمية للخليج وستستمر في الانخفاض. وقد أدى انهيار أسعار النفط في أعقاب وباء كورونا إلى تسريع هذا الاتجاه.
ورأى الكاتب أن الطبيعة الهشة للأنظمة الخليجية جعلت منها أكثر اعتماداً على الدعم الخارجي للبقاء، وأن الأميركيين غير مستعدين بشكل متزايد لتقديم هذا الدعم، وخاصة إذا كان ذلك يعني المخاطرة بخسائر كبيرة، ستنتج في حرب جديدة مع إيران.
وسيكون هذا صحيحاً بشكل خاص إذا هزم بايدن ترامب وشاهد سكان الولايات المتحدة دول الخليج فقط من خلال عدسة علاقتها السابقة مع رئيس محتقر وفاشل. وفي الوقت نفسه، من غير المرجح أن تتمكن قوى خارجية أخرى، مثل روسيا أو الصين، من الحلول مكان الولايات المتحدة كضامن لأمن دول الخليج.
تواجه دول الخليج بشكل متزايد أسئلة وجودية: يمكنها إما أن تسعى إلى تعزيز أمنها من خلال إعادة تأسيس دولها على أسس ديمقراطية، والسعي إلى سلام وتكامل وتنمية إقليميين - وهو أمر يتطلب إعادة توزيع جذري (ولكن أكثر إنصافاً) للسلطة والثروة - أو يمكنها احتضان "إسرائيل" علانية وتصبح دولاً تابعة لها. وإذا رفض حكام هذه الدول القيام بإصلاحات سياسية أساسية، سواء على الصعيد المحلي أو في سياساتهم الإقليمية، فسوف يجدون أن "إسرائيل"، التي لديها مصلحة ثابتة في الحفاظ على الفوضى في المنطقة العربية، هي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تضمن بشكل موثوق الوضع الراهن.
وخلص الكاتب إلى أن احتضان دول الخليج الصريح "لإسرائيل"، على الرغم من المحاولات الواضحة بشكل متزايد لإرساء الأسس لتطبيع العلاقات، يحمل مخاطر كبيرة لدول الخليج، خاصة مع تقدم "إسرائيل" بسرعة باتجاه الضم والفصل العنصري رسمياً وبموجب قوانين إسرائيلية. ومن غير المحتمل أن تشهد دول الخليج، التي تراهن كثيراً على ترامب، مكافأة كبيرة قبل نهاية فترة ولايته الأولى، ومن المفارقات، أنها ستكون الآن من بين أكبر الخاسرين إذا خسر هو والجمهوريون بشكل حاسم هذا الخريف.
*محمد ح. فاضل أستاذ القانون في جامعة تورنتو.
ترجمة بتصرف: الميادين نت