ظريف يكتب عن "مبادرة هرمز للسلام: مشروع الأمل"
إن هذه المبادرة مبنية علی أصول ثابتة، منها الالتزام بأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، وحسن الجوار، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضیها، وعدم الإخلال بالحدود الدولية، وحل كل الخلافات بطرق السلمية، ورفض التهديد واللجوء إلى العنف أو المشاركة في أي تحالف أو حلف عسكري ضد أحدها الآخر.
كتب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مقالة في صحيفة الراي الكويتية عن "مبادرة هرمز للسلام" التي طرحتها الرئيس الإيراني حسن روحاني في الأمم المتحدة وهي مبادرة سلمية تجاه دول الخليج كافة. والآتي نص المقالة:
تتمتع منطقة هرمز بأهمية استراتيحية في مجال التجارة الدولية والطاقة، ويتم ضخ حوالى 15 مليون برميل من النفط يومياً من هذه المنطقة الی المستهلكين، وبالتزامن يجري تبادل كميات هائلة من البضائع بين الدول المرتبطة بهذه المنطقة وخارجها.
إن استتباب الأمن والاستقرار بغية ضمان التواصل مع الأسواق الدولية يعتبر ضرورة لا مناص منها.
منذ قرون ودول المنطقة تضمن وتتكفل أمن هذه المنطقة للوصول الی الأسواق الدولیة كضرورة ملحة وهو الأمر الذي لا يتحقق من دون التعاون والتعامل البنّاء.
إن الظروف الحالية المتأزمة يجب أن تجعلنا نؤمن أن حاجة المنطقة المُلحة لتكريس الأمن المستدام والذي من دواعي الأسف أنها لم تنعم به إلى حد الآن، هو الوصول الی إيمان مشترك بأن الأمان لا يستتب عن طريق شراء الأسلحة وتكديسها وتوقيع الاتفاقيات العسكرية مع القوی الأجنبية التي من خلال تدخلها المستمر ودعمها للكيان الصهيوني شكّلت أكبر تهديد للمنطقة بأسرها، بل إن الأمن يعتمد علی كسب الثقة والاعتماد علی الشعب والطاقات الوطنية وتمتين علاقات حسن الجوار مع بقية دول المنطقة.
إن المنطقة تعاني من فقر للحوار الاقليمي الشامل في المجالات المختلفة، الأمر الذي يؤدي إلی جفاف جذور السلام والعمران الی الأبد.
إن منطقتنا بحاجة الی الحوار الاقليمي الداخلي أكثر من میلها نحو كيل الاتهامات واستخدام التعابير العدائية والعنيفة والتنافس التسليحي وتكديس الأسلحة.
إن الجمهورية الإسلامية الايرانية ومن خلال استيعابها للمخاطر المستقبلية اقترحت سابقاً مبادرتين هما: «مجمع الحوار الاقليمي» و«معاهدة عدم الاعتداء»، والآن مع العلم بتضاعف التهديدات والتحديات ومن أجل إنقاذ المنطقة من حافة الانزلاق في هاوية الدمار، فإننا نستشعر ضرورة تحقيق الحوار الجديد في المنطقة أكثر من أي وقت مضی، ونری أن الحفاظ علی أمن المنطقة هو مسؤولية جماعية لكل الدول المتواجدة فيها، وأننا علی ثقة من خلال مشاركة كل الدول في حوض هرمز يمكننا وفي خضم الأمواج المتلاطمة، أن نعبر بالمنطقة الی ساحل الهدوء والتقدم والازدهار.
إن توفير الأمن الإقليمي هو المسؤولية الأساسية لكل دول المنطقة وإن الأمن يجب أن ينبع من الداخل بعیداً عن التدخلات الاجنبية.
إن مصير شعوب المنطقة، وانطلاقاً من الوشائج الدينية والثقافية والتراثية والجغرافية والأواصر العائلية، قد ارتبط وتشابك بعضه ببعض وإن الأمن لا يمكن تجزئته وتفكيكه، فإما أن ينعم الجميع بالأمان أو أن ينحرم الجميع منه.
وعلی هذا الأساس تم طرح «مبادرة هرمز للسلام» من قبل فخامة الرئیس حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في كلمته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
إن «مبادرة هرمز للسلام» بمشاركة الدول المتعلقة به وهي المملكة العربية السعودية، جمهورية العراق، سلطنة عمان، الإمارات العربية المتحدة، دولة الكويت، دولة قطر، مملكة البحرين والجمهورية الإسلامية الإيرانية، تتمتع بالإمكانيات اللازمة والكافية لتحقيق الأمن الشامل في ربوع المنطقة عن طريق الحوار الإقليمي الداخلي.
إن هذه المبادرة مبنية علی أصول ثابتة، منها الالتزام بأهداف ومبادئ الأمم المتحدة، حسن الجوار، احترام سيادة الدول ووحدة أراضیها، عدم الإخلال بالحدود الدولية، حل كل الخلافات بطرق السلمية، رفض التهديد واللجوء إلى العنف أو المشاركة في أي تحالف أو حلف عسكري ضد أحدها الآخر، عدم التدخل في الشؤون الداخلية والعلاقات الخارجية لأحدها الآخر، احترام المقدسات والرموز الوطنية والدينية والتاريخية للآخر والاحترام المتبادل، والمصالح المتبادلة والمكانة المتساوية لكل دول المنطقة. ومن هذا المنطلق الحصول علی أهداف سامية تشمل النهوض بالسلام والاستقرار والتقدم والرفاهية لكل دول وشعوب المنطقة، وتشجيع التفاهم المتبادل والأواصر السلمية والودية والتعاون في سبيل استئصال الإرهاب والتطرف والصراعات الطائفية، ومعالجة التوترات وحل كل الاختلافات والنزاعات بالسُبل السلمية وعن طريق الحوار، ودعم وتمتين الاتصالات والتحذيرات الوقائية، وتوفير الأمن الجماعي للطاقة، وحرية الملاحة والنقل الحر للنفط وبقية المصادر، وحماية البيئة وتعزيز التعاون والتواصل وتشجیع العمل والتجارة والاستثمار علی جميع المستويات والمجالات المختلفة بين الدول والسكان والقطاع الخاص.
إن تحقیق الأهداف آنفة الذكر تتم متابعتها من خلال إقامة الملتقيات علی المستويات المختلفة كالخبراء والوزراء وقادة الدول وكذلك المختصون والمراكز الفكرية والقطاع الخاص وتشكيل فرق عمل للمبادرات اللازمة التي تحظی بأولوية.
إن معاهدة عدم الاعتداء وعدم التدخل والسيطرة علی التسلح وإجراءات بناء الثقة وإيجاد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والعلاقات العسكرية وتبادل المعلومات والمعطيات وخطوط الاتصال المستمر ومنظومات الإنذار الوقائي ومكافحة المخدرات والإرهاب وتهريب البشر وتحسين أمن الطاقة وحرية الملاحة للجميع والاستثمار المشترك في قطاعات النفط والغاز والطاقة والترانزيت والنقل وارتقاء تعامل القطاع الخاص والعمل والتجارة والتعاون الثقافي والاجتماعي كالحوار بين المذاهب والمبادلات الثقافية والسياحية والتعاون العلمي كتبادل العلماء والطلاب الجامعيين والمشاريع المشتركة في المجالات العلمية والتقنية والتعاون في المجالات الحديثة السيبرانية كالأمن السيبراني والأمان النووي والحفاظ علی البيئة ولاسيما البيئة البحرية والعواقب السلبية للغبار والأتربة وتكثيف التعاون الإنساني لا سيما في مجال المهاجرين واللاجئين والمشردين، هي من جملة مصاديق مجالات التعاون والمحاور القابلة للطرح لدی فرق المبادرات واجتماعات الدول الثماني.
وكذلك يمكن الاستفادة من إمكانية الأمم المتحدة لايجاد غطاء دولي لإزالة القلق المحتمل لدی بعض الأطراف وتأمين المصالح المشروعة للمجتمع الدولي.
ومن البديهي أن نجاح أي مشروع يحتاج الی مشاركة جماعية لكل الأعضاء وبناءً علی الثقة المتبادلة.
إن فخامة الرئيس روحاني قد كلفني بالبدء بمشاوراتي في استطلاع آراء الدول والنخب في المنطقة وإكمال وتقوية مبادرة هرمز للسلام.
إن النخب والمراكز الفكرية والقطاع الخاص يمكنهم من خلال تقديم وجهات نظرهم واستعراض المقترحات البناءة أن يساهموا في تدعيم وتكريس مبادرة هرمز للسلام.
كلنا أمل وثقة لتحقيق هذه المبادرة ونتوقع ردود فعل إيجابية لدی دول المنطقة تجاهها، ونعرب عن استعدادنا لخوض الحوار الشامل والجامع في إطار المبادئ والأهداف المذكورة أعلاه.
*وزير الشؤون الخارجية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية