"نيويورك تايمز": أكبر عمليات ترحيل المهاجرين في التاريخ الأميركي على قدم وساق

عمليات ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة تُمارس من دون تقدير عمّا يمكن أن تعنيه للدول والأفراد.

0:00
  • السلطات الأميركية ترحل آلاف المهاجرين الغواتيماليين
    السلطات الأميركية ترحل آلاف المهاجرين الغواتيماليين

صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تقريراً تناولت فيه عن أكبر عملية ترحيل للمهاجرين غير الشرعيين في التاريخ الأميركي والتي وعد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبموجبها سيتم ترحيل 14 مليون مهاجر.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

كان كارلوس نافارو يأكل في مطعم وجبات سريعة في ولاية فيرجينيا منذ فترة قريبة، حين اعتقله ضباط دائرة الهجرة، وأبلغوه أنّ هناك أمراً بترحيله الولايات المتّحدة. وكان نافارو يعمل في مصنع للدواجن، وقال إنّه لم يواجه رجال الشرطة أبداً طوال فترة إقامته. وفي الأسبوع الماضي، عاد إلى غواتيمالا للمرّة الأولى منذ 11 عاماً، حيث اتّصل بزوجته في الولايات المتحدة من مركز استقبال للمرحلين في العاصمة غواتيمالا سيتي.

تقدّم حادثة كارلوس نافارو، معاينة لنوع عمليات الترحيل السريعة في عهد الرئيس دونالد ترامب من جميع أنحاء الولايات المتّحدة، التي تعد موطناً لنحو 14 مليون مهاجر ليس لديهم تصاريح إقامة.

وكانت إدارة ترامب قد أعلنت أنها ستشرع فوراً بتنفيذ أكبر عمليات ترحيل في التاريخ الأميركي التزاماً بما وعدت. وفي خطاب تنصيبه الرئاسي أول الأسبوع قال ترامب إنّ "عملية إعادة الملايين من الأجانب المجرمين إلى الأماكن التي أتوا منها انطلقت".

تُمارس هذه السياسات من دون تقدير عمّا يمكن أن تعنيه عمليات الترحيل الجماعي في دول أميركا اللاتينية على الضفة الأخرى من القارّة، حيث يستعد المسؤولون الرسميون لاستقبال أعداد كبيرة من مواطنيهم، على الرغم من أنّ العديد من الحكومات قالت إنّها لم تتمكّن من التواصل مع الإدارة الأميركية الجديدة حول الأمر.

غواتيمالا دولة صغيرة وفقيرة تعاني حرب أهلية وحشية، لديها عدد كبير من المهاجرين غير المسجّلين في الولايات المتّحدة، حيث يعيش نحو 675 ألف غواتيمالي بشكل غير شرعي في البلاد، وفقاً لمركز "بيو للأبحاث". وهذا يجعل البلاد إحدى أكبر دول المنشأ للمهاجرين غير المصرّح لهم في الولايات المتحدة، وتأتي بعدها المكسيك والهند والسلفادور.

في العام الماضي، استقبلت غواتيمالا نحو 7 رحلات أسبوعياً لمواطنيها المرحلين من الولايات المتّحدة. ووفقاً لمسؤولي الهجرة، ينقل في هذه الرحلات نحو 1000 مهاجر في الأسبوع الواحد. وكانت حكومة غواتيمالا قد أبلغت المسؤولين الأميركيين أنّها يمكن أن تستوعب نحو 2500 شخص كل أسبوع كحد أقصى.

في الوقت ذاته، وضعت حكومة غواتيمالا خطّة عنونها الرئيس برناردو أريفالو بـ "العودة إلى الديار"، لطمأنة الغواتيماليين الذين يواجهون الترحيل بأنّهم يستطيعون توقّع المساعدة من القنصليّات في الولايات المتّحدة في حالة الاحتجاز، وسوف يستقبلون في بلادهم بترحيب.

وقال وزير الخارجية الغواتيمالا كارلوس راميرو مارتينيز، إنّه "يجب "إعادة إدماج الغواتيماليين المرحلين في المجتمع"، وأضاف: "نعلم أنّ الغواتيماليين المرحلين قلقون ويعيشون رعباً هائلاً، وبصفتنا حكومة، لا يمكننا أن نقول فقط نحن خائفون عليكم أيضا. علينا أن نفعل شيئاً".

تتشارك غواتيمالا المخاوف المباشرة مع العديد من الحكومات في المنطقة، وتقلقهم كيفية إيواء وإطعام المرحلين في أيّامهم الأولى على الأقلّ. فمن الناحية العملية، عندما يصل المرحّلون سيقوم الموظفون الحكوميون بإجراء مقابلات مكثفة معهم، للحصول على صورة مفصّلة عنهم، وتقديم لهم المساعدة التي يحتاجون إليها ومعرفة ونوع العمل الذي يمكنهم القيام به.

ويقول المراقبون، إنّ خطّة غواتيمالا تعكس على ما يبدو توقّعاً غير معلن من جانب إدارة ترامب بأنّ حكومات أميركا اللاتينية لا تستقبل مواطنيها المرحلين فحسب، بل تعمل أيضاً على منعهم من العودة إلى الولايات المتّحدة.

ووفقاً لوزارة الأمن الداخلي الأميركية، فإن ما يقرب من 40% من عمليات الترحيل في عام 2020 شملت أشخاصاً رحلوا من قبل، وعادوا مرة أخرى.

وقالت كارولين ليفيت المتحدّثة باسم البيت الأبيض: "عندما يشاهد العالم بأسره الرئيس ترامب وإدارته وهم يرحلون المجرمين غير الشرعيين من المجتمعات الأميركية إلى بلدانهم الأصلية، فسوف يرسل ذلك رسالة قوية للغاية لهؤلاء بعدم المجيء إلى أميركا، لأنّ ذلك سيعرضهم فوراً للإعادة إلى بلدانهم".

وبالفعل، انخفض عدد المعابر غير القانونية على الحدود الأميركية بشكل كبير، حيث حاول نحو 46,000 شخص العبور في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، وهو أدنى رقم شهري خلال إدارة الرئيس بايدن.

ومن المتوقّع أن تضغط إدارة ترامب على الحكومات في أميركا اللاتينية لمواصلة دعم حملتها على المهاجرين. لكن خطة غواتيمالا لإعادة دمج المرحلين ليست مجرّد وسيلة لإظهار ترامب أنّ غواتيمالا تتعاون، وفقاً لأنيتا إيزاك، الخبيرة في غواتيمالا التي وضعت الخطّة، "إذا تمكّنت من إيجاد طريقة لدمجهم وتسخير مهاراتهم، فإنّ الفرص أمام غواتيمالا هائلة". وأضافت: "حتّى الآن لا يحصل المرحلون إلى بلدانهم في الغالب إلّا على بعض الأساسيات، مثل وثائق الهوية الجديدة والإمدادات الصحّية، بينما على غواتيمالا واجب التعامل مع المرحلين من مواطنيها كأصول اقتصادية".

ومع ذلك، هناك تحدّيات كبيرة لتشجيع المرحّلين على البقاء في وطنهم، حسب ما يقول مدير دائرة الهجرة في غواتيمالا ألفريدو دانيلو ريفيرا. وذكر أنّ "الظروف التي أجبرت هؤلاء على مغادرة بلدانهم في المقام الأوّل لا تزال موجودة، مثل الفقر المدقع ونقص الوظائف، والطقس القاسي الذي تفاقم بسبب تغيّرِ المناخ، وتهديد عصابات الجريمة المنظّمَة". وأضاف ريفيرا: "إذا كنّا سنتحدّث عن أسباب هجرة الناس،  فعلينا أيضا التحدّث عن حقيقة أنهم  في حال استقرّوا سيتمكّن أكثرهم من تحقيق النجاح".

يشعر المرحّلون أيضاً بضغوط أكثر من غيرهم للعودة إلى الولايات المتّحدة مقارنة بالأشخاص الذين يهاجرون لأوّل مرّة ولا يستطيعون العبور، كما قال القس فرانسيسكو بيليزاري، مدير المأوى الرئيسي للمرحلين في العاصمة غواتيمالا سيتي. ومعظمهم مدين بآلاف الدولارات للمهرّبين، وفي المناطق الريفية في البلاد، غالباً ما يفقد الفقراء سندات ملكية منازلهم أو أراضيهم كضمان لقروض لدفع "مستحقّات" المهرّبين، مما يتركهم بلا مأوى إذا رحلوا وعادوا إلى غواتيمالا، بمعنى أنّهم "لا يمكنهم العودة بعد الآن"، كما أضاف الأب بيليزاري.

كذلك، أدّت الإجراءات الأكثر صرامة التي فرضتها إدارة بايدن على الحدود إلى قيام المهرّبين، الذين يدركون الخطر المتزايد بالترحيل، إلى تقديم ما يصل إلى 3 فرص للمهاجرين لدخول الولايات المتّحدة مقابل دفعة واحدة، وفقاً للأب بيليزاري وآخرين. وقال خوسيه مانويل غوتشولا (18 عاماُ)، الذي رحل إلى غواتيمالا الأسبوع الماضي بعد القبض عليه بتهمة عبور الحدود على نحو غير قانوني إلى تكساس، ولديه "3 أشهر لاستغلال الفرص المتبقّية"، أنّه "سيحاول العبور مرّة أخرى، على الرغم من أنه سينتظر ليرى ما سيفعله ترامب".

الرغبة في العودة إلى الولايات المتّحِدة بعد الترحيل قوية على نحو خاص، بين أولئك الذين ما زالت عائلاتهم هناك. يقول أحدهم، إنّه لن تردعه حملة القمع التي يشنّها الرئيس ترامب، "يجب أن أعود، من أجل ابني وزوجتي".

وقالت إحدى المرحلات (20 عاماً)، إنّها المرّة الرابعة التي تُرحّل فيها في أثناء محاولتها الوصول إلى والديها في نيوجيرسي، لكنها تفكر بمحاولة عبور أخرى. زقال مُرحّل آخر: "والداي هنا، ولدي كل شيء هنا لماذا أعود".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.