"فورين بوليسي": في السياسة الخارجية.. لا تملك الأحزاب الأميركية القوة
برامج الحزب الديمقراطي أو الجمهوري مضلّلة، لأنّها تبالغ في الوعود ولا تفي بها. إنّها قائمة أمنيات بالأشياء التي يريد الحزب إقناعك بأنه سيحقّقها.
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مقالاً للكاتب ستيفن والت، يتحدّث فيه عن برنامج المرشّحين عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري للرئاسة الأميركية.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرّف:
لقد اختار الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة مرشحيهما للرئاسة. وكجزء من هذه العملية، أصدرا أيضاً ما يسمّى بمنصات الحزب، لتوضح ما يمثّلانه وما يقترحان القيام به إذا خرجا منتصرين في تشرين الثاني/نوفمبر.
من المغري أن نتصفّحها بحثاً عن علامات على كيفية حكم دونالد ترامب ونائبه جيه دي فانس، أو كامالا هاريس ونائبها تيم والز، ولكن بعد قراءتهما، تبيّن لي أنّه في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية، على الأقل، لا تخبرك أيّ من الوثيقتين كثيراً عمّا يمكن توقّعه في عام 2025 وما بعده.
ولا شكّ أنّ الوثيقتين مختلفتان تماماً. فالبرنامج الجمهوري عبارة عن مزيج من الكلمات التي يستخدمها ترامب وكأنها إحدى تغريداته غير المتماسكة والمكتوبة بأحرف كبيرة بشكل غريب أكثر من كونها بياناً برمجياً جاداً، ناهيك عن مخطط للحكم أو إدارة العلاقات مع البلدان الأخرى. إنه يستحضر معظم موضوعاته المألوفة المحمّلة بالمظالم، لكنها غامضة إلى حدّ عدم جدواها، وهذا هو الهدف على الأرجح.
على النقيض من ذلك، فإنّ البرنامج الديمقراطي طويل وجاد ومتقلّب ومملّ نوعاً ما، وهو يقدّم وعوداً أكثر بكثير مما يمكن لأيّ رئيس أن يفي به. إنّه يقدّم تقييماً وردياً لإنجازات الرئيس جو بايدن في السياسة الخارجية، ويسلّط الضوء على الأشياء الجيدة، أي تحسين العلاقات مع الحلفاء، ويدور مثل المجنون لتصوير تعامله مع أوكرانيا وغزة في ضوء إيجابي. هناك ما يكفي فيه من الكلمات، لكنّ أياً منها لا تخبرك حقيقةً عمّا ستفعله هاريس إذا تمّ انتخابها.
إذاً.. كيف يمكننا تفسير هذه الوثائق؟ بادئ ذي بدء، من المهم أن نفهم ما هو برنامج الحزب وكيف يتمّ التفاوض عليه. إنه في الغالب انعكاس لمن يمتلك القوة السياسية الكافية داخل الحزب للتعبير عن آرائه كتابةً في الوثيقة.
في حالة الحزب الجمهوري، يظهر برنامجه لعام 2024 السيطرة شبه الكاملة التي يمارسها ترامب الآن على ما كان في السابق منظّمة سياسية فخورة ومبدئية.
أمّا بالنسبة للديمقراطيين، فإنّ وثيقتهم تعكس الالتزامات الرئيسية في السياسة الخارجية لمجموعات المصالح الرئيسية وأصحاب المصلحة، وخاصة المانحين الكبار، وهذا هو السبب في أنّها تضفي لمسة إيجابية على سجل بايدن المختلط بشكل واضح، وتكافئ الرؤساء التنفيذيين للشركات بدلاً من تقدير العمّال، وتفشل في توليد نمو اقتصادي شامل. وفي حين ترفض "الحروب الأبدية"، فإنّها لا تزال تصرّ على أنّ الولايات المتحدة "يجب أن تستمرّ في القيادة على المسرح العالمي"، أو ما يمكننا أن نطلق عليها هيمنة ليبرالية مخفّفة.
ولكن لماذا لا نأخذ هذه التصريحات على محمل الجدّ؟
السبب الأول والأكثر وضوحاً هو أنّ الرؤساء يتمتعون بمساحة هائلة من الحرية عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، وهم غير ملزمين بأي شيء يُكتَب لأغراض الفوز بحملة انتخابية أو جذب المساهمات المالية. ولا يستطيع الرؤساء ببساطة تجاهل ما قد يرغب فيه المانحون الرئيسيون أو غيرهم من جماعات المصالح، ولكنهم غير ملزمين بذلك، وخاصة في وقت مبكر من ولايتهم، عندما لا يضطرون إلى الهوس بإعادة انتخابهم.
السبب الثاني، لن تتخذ لجنة البرنامج، أو شخصيات الحزب القوية في الكونغرس، أو حكّام الولايات البارزون ورئيس الحزب، القرارات الرئيسية المتعلقة بالسياسة الخارجية. بل سوف تتخذها دائرة داخلية صغيرة من المساعدين والمعيّنين الذين يتمّ اختيارهم في المقام الأول على أساس ولائهم للرئيس وتوافقهم مع نظرة ذلك الرئيس للعالم.
ثالثا، غالباً ما تكون الحجج والمواقف التي تبدو جيدة في برنامج الحزب وتنجح في الحملة، مختلفة، بمجرد انتهاء الانتخابات وتولّي الإدارة لمنصبها. على سبيل المثال كان برنامج الحزب الديمقراطي لعام 2020 ينتقد بشدة اعتماد ترامب على الرسوم الجمركية وتخلّيه عن الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، لكنّ بايدن أبقى على العديد من القيود الاقتصادية في عهد ترامب كما هي، ولم يفِ أبداً بتعهّد حملته بإعادة الانضمام إلى خطة العمل الشاملة المشتركة مع طهران.
البرامج الحزبية توفّر إحساساً بما يطمح إليه الحزب، وهي مفيدة في حشد المؤمنين، وتوليد بعض الطاقة، وتقديم رسالة واضحة. لكن ما لم يكشفوه هو ما سيفعله الرئيس القادم بعد كانون الثاني/يناير 2025، ولن يعود أحد لدراسة هذه الوثائق بعد انتهاء الانتخابات.
إنّها برامج مضلّلة لأنّها تبالغ في الوعود ولا تفي بها. إنّها قائمة أمنيات بالأشياء التي يريد الحزب إقناعك بأنه سيحقّقها.