"بوليتيكو": آلة التسوية في الاتحاد الأوروبي تنهار.. والجميع يلوم ألمانيا
"الحزب الديمقراطي الحر"، أصغر حزب في الائتلاف الحكومي بألمانيا، يلعب دور المفسد والمعطّل للاتفاقيات التي تُفترض تسويتها في الاتحاد الأوروبي، ليغطي على انزلاقه إلى أسفل لائحة استطلاعات الرأي في البلاد. كيف ذلك؟ وكيف يؤثر في التكتل؟
صحيفة "بوليتيكو" الأميركية تتحدّث عن "انهيار آلة التسوية في الاتحاد الأوروبي"، مرجعةً ذلك إلى سياسيات ألمانيا، الرافعة الرئيسية للمشروع الأوروبي، التي يحكمها ائتلاف من يسار الوسط إلى اليمين التقليدي، ومسلطةً الضوء على "الحزب الديمقراطي الحر" الألماني في إفساد الاتفاقيات وتعطيلها.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية، بتصرف:
صنع السياسات في الاتحاد الأوروبي يتلكأ عن مساره مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي. من الخارج، تبدو المؤسسة التشريعية في بروكسل تعمل بصرامة، لكن في الأسابيع الأخيرة مزّقت دراما التأخر العديد من الصفقات التي كان يعتقد أنها تمت تسويتها، بصورة غير متوقعة، ويظهر أن عواصم الاتحاد تحتاج إلى مزيد من الوقت، وفي مقدمتها برلين، الرافعة الرئيسية للمشروع الأوروبي، في ظل حكومة ائتلاف من يسار الوسط إلى اليمين التقليدي. وكثيراً ما يكون هذا الائتلاف على خلاف بين مكوّناته بشأن كل شيء، من المساعدات العسكرية لأوكرانيا، إلى تعزيز الاقتصاد والحد من ارتفاع أسعار الطاقة.
القتال الداخلي يختطف الآن بروكسل بصورة متزايدة. واضطرت حكومة برلين إلى المماطلة أو التحفظ عن المضي في الصفقات في اللحظة الأخيرة، بعد فشلها في الحفاظ على موقف موحّد بشأن الاتفاقات الرئيسية، على الرغم من حسمها سابقاً. وغالباً ما يكون "الحزب الديمقراطي الحر" الألماني، أصغر حزب في الائتلاف، هو من يلعب دور المفسد والمعطّل لأنه يبحث عن هزة سياسية، تغطي على انزلاقه إلى أسفل لائحة استطلاعات الرأي في الولايات الألمانية.
واستطاع هذا الحزب الألماني الصغير، من موقعه في الائتلاف الحكومي، أن يجبر برلين على الامتناع عن التصويت لمدة 11 ساعة على متطلبات سلسلة التوريد للشركات في البرلمان الأوروبي، كما عرقل صفقات متعلقة بأمور البيئة.
الجمود في قانون استعادة الطبيعة "يثير أسئلةً خطرةً بشأن اتساق واستقرار عملية صنع القرار في بروكسل، بحسب ما صرّح به مفوّض البيئة في الاتحاد الأوروبي"، فيرغينيغوس سينكيفشيوس، بعد الفشل في اعتماد القواعد بتنفيذ الصفقات. "من الصعب جداً قبول التراجع الآن، بعد أن تم التوصل إلى الاتفاق الأكثر مرونةً ومعالجةً لجميع المخاوف".
في العادة، إن التوصل إلى تسويات للنزاعات بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي، يُعدُّ محطةً نهائيةً للاتفاق بعد مصادقة الوزراء، ومن غير المعتاد إلى حدٍّ كبير مناقشة القرارات مجدداً، ما ينتهك معايير الاتحاد الأوروبي القائمة منذ فترة طويلة.
وإذا لم تعد هذه المعايير سارية، فهناك مخاوف بشأن ما تعنيه بالنسبة للصفقة الخضراء لأوروبا، والتي تحمّلت وطأة الاعتراضات على حساب الهدف الاستراتيجي. الاتحاد الأوروبي اعتمد طويلاً على توافق الآراء بين التيارات السياسية المتباينة والمؤسسات الكبرى، ليتم الالتزام بالقرارات المتّخذة.
"لسنوات، كان لدينا طريقة للعمل معاً في البرلمان الأوروبي، إذا تصافحنا على اتفاق سياسي، الباقي يصبح شكلياً "، بحسب ما قالت النائبة في البرلمان الأوروبي، لارا وولترز، وهي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي برز في نشاطه في بروكسل بشأن قوانين قواعد سلسلة التوريد في وقت سابق من هذا الشهر.
وأضافت وولترز: "من الواضح أنه خلال الأشهر الماضية، لم يعد هذا هو الحال. والبلدان والأنظمة التي اعتمدنا عليها، والتي اعتبرناها ممارِسةً جيدةً لمسؤوليتها، لم تعد مستقرة كما ينبغي".
يسعى الحزب الألماني المشاغب المذكور، مع تاريخه الملتزم بأجندة مؤيدة للأعمال والشركات، أن يبقى في الحكومة والاستفادة من هذه "الفترة العرضية"، خاصةً قبل الانتخابات الإقليمية للاتحاد الأوروبي وألمانيا هذا العام، فضلاً عن الانتخابات العامة في العام المقبل. وكان هذا الحزب قد حصل على أقل من 5% من الأصوات في الانتخابات الإقليمية الألمانية في العام الماضي، ما وضعه على حافة النسيان في التنافس السياسي. ويظهر استطلاع حديث لـ"بوليتيكو"، أنه من الصعب على "الحزب الديمقراطي الحر"، بدعم بنسبة أقل من 5% على المستوى الوطني، أن يتجاوز العتبة الانتخابية اللازمة من أجل الفوز بمقاعد في "البوندستاغ"، بعيداً عن شركائه في الائتلاف، الذين يتراجع عدد مؤيديهم أيضاً بصورة مقلقة.
بعد مناقشات مضنية وأسابيع من المساومات وتنازلات كبيرة من دول أوروبية مشكّكة، تم التوصل إلى بنود الصفقة الخضراء، لكن ألمانيا استمرت في الامتناع عن التصويت بسبب عدم قدرتها الحصول على موافقة "الحزب الديمقراطي الحر"، عضو الائتلاف الحكومي.
في نهاية المطاف، تم تمرير الصفقة دون دعم ألمانيا. وبعد أيام، استهدف "الحزب الديمقراطي الحر" القانون والإجراءات والقواعد الجديدة لإعادة تأهيل الأنهار والغابات والبحار المتدهورة في أوروبا. وجادل أعضاء الحزب في برلين، بأن مشروع القانون لم يعد موضع ترحيب لأن المزارعين قاموا بسدّ عواصم أوروبا، احتجاجاً على القواعد البيئية المتزايدة. والتشريع، الذي بدا يوماً في طريقه للتمرير، يتجه الآن نحو ثقب أسود في برامج الأحزاب في الانتخابات الأوروبية المقبلة.
وكان "الحزب الديمقراطي الحر" أربك المسؤولين في السابق بمساعيه الناجحة للتلاعب بالحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي من عام 2035 على مبيعات السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري، لحماية صناعة السيارات الرئيسية في ألمانيا.
"لقد أصبحت هذه السياسات الألمانية نمطاً في الأشهر الأخيرة، ولاسيما فيما يتعلق بالصفقة الخضراء الجديدة"، بحسب ما صرح وزير البيئة الأيرلندي، إيمون ريان، الذي يقلقه الانقلاب على التشريعات والثقة في الحوارات المنتجة.
إن امتناع برلين عن التصويت له تقليد عتيق في بروكسل. أصبح يعرف لأول مرة باسم "التصويت الألماني" في ظل ائتلاف أنجيلا ميركل بين "الاشتراكيين الديمقراطيين" و "الاتحاد الديمقراطي المسيحي". ويصف الأستاذ في جامعة "مونستر"، أوليفر تريب، نهج ألمانيا بأنه مشكلة "هيكلية"، بحجة أنه نظراً لأن شركاء الائتلاف "ينسقون فيما بينهم بصورة سيئة"، وغالباً ما تظهر الخلافات فقط في اللحظة الأخيرة.
وكانت وزيرة البيئة الألمانية، شتيفي ليمكه، اعترفت بأن الاتفاق على قانون الصفقة الخضراء أصبح أكثر صعوبةً، "لأننا كحكومة ألمانية واجهنا أيضاً صعوبات في وضع التصويت الألماني بوضوح على الطاولة في الوقت المناسب".
ترى نائبة مدير مركز "أبحاث جاك ديلور" في برلين، ثو نغوين، أن امتناع ألمانيا عن التصويت مؤخراً يضعف موقفها في بروكسل، ولم يعد ينظر إلى ألمانيا على أنها شريك تفاوضي موثوق، "لأنهم في اللحظة الأخيرة، سيغيرون ويتراجعون عن تصويتهم".
وهذا يجعل من الصعب على المفاوضين العثور على أغلبية قوية في ملفات معينة، بالنظر إلى أن ألمانيا تمثّل نحو 19% من سكان الاتحاد الأوروبي، في حين يحتاج تمرير أي اتفاقية بحسب قوانين الاتحاد الأوروبي إلى ما يسمى بـ"أغلبية مؤهلة من البلدان"، أي تلك التي تمثّل 65% على الأقل من سكان الدول الأعضاء. وأشارت نغوين إلى القلق من أن تحذو الحكومات الأخرى حذو ألمانيا، مشيرةً إلى أن "انتشار هذا سيصبح مشكلةً كبيرةً لا يمكن تحمّلها".
قد تصبح الصفقة الخضراء مثالاً رئيسياً عن التراجع وعن المناهضة المفاجئة من بين أعضاء الاتحاد، كما فعلت هنغاريا التي أيّدت التشريع في البداية، ثم غيّرت موقفها الأسبوع الماضي، مما وضع سكيناً قاتلاً في مشروع القانون، وبالتوازي وفي غضون بضعة أسابيع، تمكّنت الحكومة الألمانية من إهدار سمعة الموثوقية التي بنتها على مدار عقود.
يتقاطع سياسيو بروكسل حول مقولة إن ألمانيا حالياً "لا يمكن التنبؤ بسياساتها الأوروبية، لكن بالنسبة للمشرعين الألمان الليبراليين في بروكسل، فإن تحدي الصفقات التي تم إبرامها بالفعل أمر مشروع في المناخ السياسي الحالي، لكن أولئك الذين يتفاوضون، يعملون بما لديهم، لكنهم قاموا فقط بتلك المفاوضات من دون مراعاة الواقع السياسي الجديد، وهو الحرب في أوكرانيا، التي تحتاج منا إلى تكييف سياساتنا "، بحسب ما قال عضو البرلمان الأوروبي جان كريستوف أويتغين عن" الحزب الديمقراطي الحر" الألماني.
الأحزاب الأوروبية المحافظة تتطلّع إلى الانتخابات أيضاً من أجل تعزيز حضورها، بعد أن قامت بتقليد الحزب الألماني المشاغب بعرقلة الصفقات المتفق عليها في بروكسل في اللحظة الأخيرة. ومن بينها "حزب الشعب الأوروبي" من يمين الوسط المجموعة الأكبر في البرلمان، الذي شنّ "حملاتٍ صليبيةً" في اللحظة الأخيرة، من أجل تعديل كل من قواعد الصفقة الخضراء المثيرة للجدل، والتشريعات التي تطال التلوث الصناعي وزراعة الماشية. وتتمتع المجموعة بنكهة ألمانية مميزة، وزعيمها هو الألماني مانفريد ويبر، وتضم قاعدتها مجموعةً كبيرةً من المحافظين الألمان.
ولكن على عكس "الحزب الديمقراطي الحر"، الذي يجهد للبقاء على الخريطة السياسة الوطنية، يوجّه "حزب الشعب الأوروبي" نداءاتٍ خطابيةً إلى المزارعين الساخطين والناخبين الريفيين من أجل تجييشهم في انتخابات الاتحاد الأوروبي في حزيران/يونيو المقبل. وبالفعل تظهر استطلاعات الرأي تقدماً واضحاً لهذا الحزب، لكنه يواجه صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تحاول الاستفادة من احتجاجات المزارعين والغضب من "الصفقة الخضراء".
مع ذلك، يشهد "حزب الشعب الأوروبي" تصدعاتٍ داخل صفوفه بسبب السياسات المعادية للبيئة، وإضعاف مصداقية الاتحاد الأوروبي في السياسية والتزام المعايير.
نقله إلى العربية: حسين قطايا