"الغارديان": يجب تعلم الدروس من جائحة كورونا
إنّ ضمان إتاحة الجرعات المنقذة للحياة للبلدان الأكثر احتياجاً إليها، وليس فقط للدول التي لديها موارد مالية ثرية، ليس مجرد ضرورة أخلاقية، بل إنّه يصب أيضاً في المصلحة الذاتية لكل دولة.
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً تتحدث فيه عن الأزمة المتوقّعة في أفريقيا في إثر انتشار فيروس جدري القرود، وتقول إنّه يجب الأخذ بعين الاعتبار الدروس من جائحة كورونا وتطبيقها، والتركيز على العدالة في توزيع اللقاحات.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
بعد عامين من محادثات ما بعد جائحة كورونا، فشلت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية هذا الصيف في الاتفاق على خطط لتوزيع أكثر عدالة للقاحات على البلدان النامية.
إنّ ضمان إتاحة الجرعات المنقذة للحياة للبلدان الأكثر احتياجاً إليها، وليس فقط للدول التي لديها موارد مالية ثرية، ليس مجرد ضرورة أخلاقية. إنّ ذلك يصب في المصلحة الذاتية لكل دولة، نظراً إلى ميل الفيروسات إلى التحور والهجرة، لكن تحقيق ذلك يتطلب أموالاً طائلة وتنازلات كبيرة من شركات الأدوية. وهكذا، وبصورة محبطة، تستمر المساومة.
وربما أدّت التحذيرات بشأن ظهور سلالة جديدة أشد خطورة من مرض الجدري في أفريقيا إلى تركيز العقول في نهاية المطاف. والأسبوع الماضي، أعلنت منظمة الصحة العالمية أنّ تفشي الفيروس الحالي هو "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً". يمكن أن ينتشر الجدري شديد العدوى من خلال ملامسة الجلد للجلد، ومشاركة المواد الملوثة، والاتصال بالحيوانات. ويبدو أنّ المتحور الجديد للفيروس لديه معدل وفيات أعلى بكثير يبلغ نحو 4%. وقد تم اكتشاف حالات الإصابة بالمرض حتى الآن في 13 دولة أفريقية، غالبيتها العظمى في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد توفي أكثر من 500 شخص حتى الآن.
ودفعت أول إصابة مسجّلة خارج أفريقي -في السويد- وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة إلى تحديث إرشاداتها للأطباء في ما يتعلق بالسلالة الجديدة. وفي الوقت نفسه، يتم توسيع نطاق إنتاج اللقاحات بناءً على تلك التي تم تطويرها للقضاء على الجدري من قبل شركة التكنولوجيا الحيوية الدنماركية "بافاريان نورديك". وارتفع سعر سهم الشركة بشكل كبير خلال الأسبوع الماضي مع وصول طلبات جديدة.
ويُسمح لمرض الجدري بالانتشار من دون رادع تقريباً في مركزه الإقليمي، والمزيج الكارثي من التأخير التنظيمي المحلي، والاستجابة الدولية البطيئة، والنقص الكبير في الأموال، يعني أنّ جمهورية الكونغو الديمقراطية لا تستطيع الوصول إلى اللقاحات. ويبلغ سعر جرعة اللقاح الواحدة نحو 100$، وهذا يشكّل ثقلاً مادياً على الحكومة. وكانت أعمال السخاء من جانب البلدان الأكثر ثراء حتى الآن محدودة النطاق وغير كافية. وقد تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 50 ألف جرعة، ولكن لديها القدرة على توفير عدد أكبر بكثير من ملايين الجرعات التي ستكون مطلوبة.
وينبغي للولايات المتحدة، جنباً إلى جنب مع الدول الأخرى الأكثر ثراءً، أن تصعّد مستوى مسؤوليتها. وتقدّر وكالة الصحة العامة التابعة للاتحاد الأفريقي أنّه ستكون هناك حاجة إلى نحو 4 مليارات دولار على مستوى القارة لإجراء التطعيم والمراقبة والتعليم، مع التركيز على منطقة تعاني بالفعل الفقر وسوء التغذية والصراع. ولم يتم التعهد إلا بجزء بسيط من هذا المبلغ حتى الآن. وبعدما غض المجتمع الدولي أنظاره عن الكرة الأرضية بعد تفشي مرض الجدري الأقل خطورة في العام الماضي في وسط أفريقيا، يجد المجتمع الدولي نفسه الآن في مواجهة موقف أكثر خطورة، فشل في الاستعداد له.
وخلال فترة جائحة كورونا، اشتهرت الدول الغنية بتخزين اللقاحات بشكل فاضح. تم تسليم اللقاحات المعززة لمواطني شمال العالم، فيما سارعت الدول ذات الدخل المنخفض للحصول على الأموال والوصول لتقديم الجرعات الأولى لسكانها. وفي المستقبل، يجب أن تكون هناك حلول طويلة الأجل لتعزيز قدر أكبر من المساواة في اللقاحات، بما في ذلك نقل التكنولوجيا إلى البلدان الفقيرة.
ومع ذلك، هناك حاجة الآن إلى الإلحاح والتركيز لمعالجة الأزمة المتوقعة في جمهورية الكونغو الديمقراطية ودول وسط أفريقيا المجاورة.
نقلته إلى العربية: بتول دياب