"الغارديان": "الجيش" الإسرائيلي يتخفّى في سيارة إسعاف في عملية دهم للضفة

تحقيق يظهر استخدام "الجيش" الإسرائيلي سيارات الطوارئ والنجدة الطبية في عملية دهم نفّذها بالضفة الغربية، أدت إلى سقوط مدنيين.

0:00
  • "الغارديان": "الجيش" الإسرائيلي يتخفّى في سيارة إسعاف في عملية دهم للضفة

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تحقيقاً عن استخدام "الجيش" الإسرائيلي سيارات الطوارئ والنجدة الطبية، خلال مداهماتها العسكرية لمساكن الفلسطينيين في الضفة الغربية.

أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:

لم يكن المدنيون الفلسطينيون في أحد الشوارع الضيقة في مخيم بلاطة للاجئين، في مدينة نابلس، يتوقّعون أنّ سيارة الإسعاف، التي توقّفت في شارع ضيق، سيخرج منها 5 جنود إسرائيليين مدجّجين بالسلاح، ينفذون عملية دهم أسفرت عن سقوط ضحايا مدنيين وعدد من الجرحى. واعترف "الجيش" الإسرائيلي بأنّ الحادثة تشكّل "جريمة خطيرة وانتهاكاً للأوامر والإجراءات المتّبعة".

وكانت صحيفة "الغارديان" راجعت مقطع فيديو سجّلته كاميراً مراقبة، بتاريخ الـ19 من الشهر الماضي، يُظهر استخدام الجنود الإسرائيليين سيارة إسعاف تابعة لمستشفى، تحمل لوحات ترخيص فلسطينية، خلال تنفيذ مداهمة لمخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين. ووصفت جماعات حقوق الإنسان الهجوم بأنّه "انتهاك صارخ" للقانون الإنساني الدولي، الذي يحظر استخدام المركبات الطبّية لتنفيذ هجمات عسكرية، تؤدّي إلى إصابة أشخاص أو موتهم.

وقالت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، والتي حقّقت في الحادث، إنّ "إسرائيل لم تعد تحاول إخفاء جرائم الحرب التي ارتكبتها، وهي تتصرف كما لو أنّ القواعد والأحكام للقانون الدولي لا تنطبق عليها".

وكان "الجيش" الإسرائيلي اعترف بأنّه "خلال العملية في نابلس، استخدم مركبة تشبه سيارة الإسعاف لأغراض عملياتية، من دون ترخيص ومن دون موافقة القادة المسؤولين".

وتُظهر مقاطع فيديو مصوّرة من داخل دكّان، في الشارع الذي وقعت فيه العملية، الجنود الإسرائيليين وهم ينزلون من سيارتين على الأقلّ، بينما يترجّل 5 جنود آخرين من سيارة إسعاف، وعدد مشابه من سيارة مدنية، وبدأوا إطلاق الرصاص، وكان المارّة يهرولون لإنقاذ حياتهم، بحيث سقطت امرأة مسنة على الأرض، اسمها حليمة صالح حسن أبو ليل (80 عاماً)، من جرّاء إصابتها أمام منزلها وهي تتحدث إلى جيرانها، وحاولت رفع يدها طلباً للمساعدة، لكنها تعرّضت لرصاصتين أُخريين من سلاح هجومي إسرائيلي.

وقالت رشيدة أبو الريش، والتي يمكن رؤيتها في المقطع المصوّر، وهي تقف إلى جانب الضحية: "كنت أحمل كيس الخبز إلى المنزل عندما أوقفتني حليمة في الشارع، من أجل دعوتي إلى منزلها. وفجأة، ظهرت سيارة فيها رجال يرفعون بنادقهم، وبدأوا إطلاق النار، وسقطت حليمة المسكينة فوراً، وأنا هربت للاختباء في أي مكان".

ووفقاً لبعض الشهود، أطلق الإسرائيليون النار على المدنيين، الأمر الذي أدّى إلى إصابة 6 منهم على الأقلّ. وتشير المصادر العسكرية إلى أنّ العملية كانت تهدف إلى اعتقال 6 فلسطينيين، أو القضاء عليهم، لكنّها فشلت، على ما يظهر، ولم يُقبض على أيّ من الأهداف، ولم تم تحييد أحد منهم، بينما سقط في الهجوم ضحية ثانية من المدنيي،ن هو أحمد قصي عيسى سروجي (25 عاماً).

وينفي أقرباء الضحية أحمد قصي وأصدقاؤه أيّ صلة له بفصائل المقاومة، فهو كان يعمل مصفف شعر. ويؤكّد شهود عيان أنّه قُتل برصاص أحد القنّاصة الإسرائيليين، والذي صعد إلى سطح أحد المباني في المخيم في أثناء المداهمة.

وقالت جميلة سروجي، والدة أحمد، وهي تبكي: "حين بدأ إطلاق النار في الصباح الباكر، كنّا لا نزال نتناول وجبة الإفطار، وكانت عمّة أحمد تحذّره من النظر من النافذة. وفجأة رأينا دمه يسيل. حاولنا الاتّصال بالإسعاف، لكن بلا جدوى".

وقال شقيقه محمد إن "عمره 25 عاماً فقط، وهو أصغر مني بعشرة أعوام، ولم يكن له أيّ صلة بفصائل المقاومة. كان مدنياً. وكانت هذه جريمة جنود الاحتلال الذين لا يفرّقون بين المدنيين والمسلّحين".

وخلال المداهمة، أُصيب مواطن فلسطيني آخر بجروح خطيرة، وهو حسين جمال أبو ليل (25 عاماً)، وهو ابن شقيق حليمة. ونتيجة لإصاباته، خضع لعملية جراحية حرجة تمّ خلالها استئصال كليته وطحاله. ويقول حسين: "كنت في الشارع حين تعرّضت لإطلاق نار، وزحفت ودخلت إلى محلّ جارنا، ثمّ بدأوا إطلاق النار من الخارج على الزجاج. شعرت بأنّي سأموت. ثم دخل الجيش الإسرائيلي علينا، وأحد الجنود يُشهر مسدّساً، فحاولت تغطية رأسي، فاقترب منّي وأطلق النار علي مرتين في بطني. ثمّ وضعني الجنود داخل الجيب العسكري، وغطّوا وجهي بخرقة قماش، وحاولوا خنقي، وضربوني طوال الطريق، وعندما طلبت الماء أجبروني على فتح فمي وبصقوا فيه، قبل أن يغمى علي، وأفقد الوعي".

وكان "جيش" الاحتلال نقل حسين إلى مستشفى في "تلّ أبيب". وبعد يومين، أفرج عنه ونقله إلى نابلس، حيث أمضى نحو أسبوعين في منشأة صحّية.

وقال شاهد عيان، يدعى محمد حمو، إنّ جنود الاحتلال بدأوا إطلاق النار عشوائياً على المارّة. وكنت أعمل عند باب المخبز حين مرّت سيارة الإسعاف خلفنا مباشرة. لقد صدمنا ولم ندرك إذا كان هذا مشهداً سينمائياً أو حقيقة، حتّى رأيتهم يطلقون النار على حسين جمال. وفي غضون ثوانٍ قليلة، بدأوا إطلاق النار على الناس القريبين من دون الاكتراث للأطفال أو النساء أو أيّ أحد.

ويقول مايكل سفارد، وهو محامٍ إسرائيلي في مجال حقوق الإنسان، ومستشار قانوني لمنظّمة "بتسيلم"، إنّ المبدأ الأكثر جوهرية في القوانين الدولية للحرب هو مبدأ التمييز، والذي يتطلّب من المقاتلين تمييز أنفسهم من المدنيين. والقوّة العسكرية المتخفّية في هيئة طاقم طبي تشكّل انتهاكا لمبدأ التمييز، وانتهاكاً للقانون الدولي، وقد تشكل جريمة حرب".

وتصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية تزامناً مع الحرب على غزّة. واعتقل "الجيش" الإسرائيلي أكثر من 14300 فلسطيني في الضفّة الغربية، منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بحسب مصادر فلسطينية. ووفقاً لمكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قُتل 732 فلسطينياً في الضفة الغربية والقدس الشرقية في الفترة الزمنية نفسها.

نقله إلى العربية: حسين قطايا