"أوراسيا ريفيو": هل تم إقصاء نولاند بسبب دورها في كارثة أوكرانيا؟
مجلّة "أوراسيا ريفيو" تذكر أنّ تقاعد وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسة واشنطن المرتبطة بأوكرانيا، يُعدّ بمثابة اعتراف بفشل مشروع السياسة الخارجية الرئيسي لواشنطن.
مجلّة "أوراسيا ريفيو" للأخبار والتحليلات، تتناول إعلان وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، نيتها التقاعد في الأسابيع المقبلة، مُشيرةً إلى أنّ ذلك يأتي نتيجةً لـ"فشلٍ ذريع لأوكرانيا وللسياسة الخارجية الأميركية المرتبطة بها"، وخصوصاً أنّ نولاند تُعَدّ من الشخصيات الحكومية الأميركية الأكثر ارتباطاً بالحرب هناك وتداعياتها.
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
يشكّل تقاعد فيكتوريا نولاند اعترافاً صارخاً بفشل مشروع السياسة الخارجية الأول لواشنطن. فهي تُعد المسؤولة الحكومية الأكثر ارتباطاً بالفشل الذريع الذي مُنيت به أوكرانيا. كانت حاضرة في الميدان وتولت إدارة الأنشطة الدقيقة خلال حدوث الانقلاب عام 2014، وأشرفت على التورط الدنيء لوزارة الخارجية منذ بدء الحرب. ويرتبط مسار حياتها المهنية ارتباطاً وثيقاً بالكارثة المشؤومة المدعومة من حلف "الناتو"، والتي أودت بحياة مئات الآلاف من الجنود النظاميين الأوكرانيين بلا داعٍ وتدمير جزء كبير من البلاد. وبالتالي، فإن السؤال الذي يتعين علينا طرحه على أنفسنا هو ما إذا كانت مكائد نولاند المستمرة لجر حلف شمال الأطلسي إلى خوض حرب لا يمكن الفوز بها ضد روسيا هي السبب وراء إعلانها تقاعدها بصورة مفاجئة؟
وفيما يلي مقتطف من البيان الصحافي الرسمي لوزارة الخارجية:
"إنّ قيادة توريا (نولاند) للمشروع الأميركي في أوكرانيا سيدرسها الدبلوماسيون وطلاب السياسة الخارجية لأعوام مقبلة. فالجهود التي بذلتها كانت ضرورية لمواجهة الحرب واسعة النطاق في أوكرانيا وحشد تحالف عالمي لضمان فشله الاستراتيجي ومساعدة أوكرانيا في الوصول إلى اليوم الذي تعتمد فيه على نفسها من النواحي الديمقراطية والاقتصادية والعسكرية". (بيان بشأن تقاعد نولاند، وزارة الخارجية الأميركية).
إنها فقرة استثنائية تضع مسؤولية الهزيمة الأوكرانية بشكل مباشر على عاتق نولاند. نعم، لقد كانت "ضرورية" في قيادة الحملة لمجابهة بوتين، كما أدت دوراً حاسماً في "حشد تحالف عالمي" لشن حرب بالوكالة على روسيا. وما يطلعنا عليه هذا البيان هو أن نولاند كانت واحدة من المهندسين الرئيسين للصراع المستمر، الأمر الذي يعني أنها مسؤولة إلى حد كبير عن اتساع الهوّة بين قادة حلف شمال الأطلسي، والمجازر المستمرة في ساحة المعركة، وهزيمة الولايات المتحدة الاستراتيجية أمام منافستها الجيوسياسية الأولى، روسيا. باختصار، لا يوجد مسؤول حكومي آخر يتحمل مسؤولية المستنقع الأوكراني أكثر من فيكتوريا نولاند.
وتغادر نولاند مخلّفة وراءها كارثة هائلة لا حل واضح لها ولا مخرج سهل منها. ولا يمكن أن نتوقع من إدارة بايدن أن تقوم ببساطة بـ"الانسحاب" مما يُعَدّ مواجهة مباشرة مع موسكو. وما لا شك فيه أن بايدن سيمضي قدماً في مشروعه لحفظ ماء وجهه، بغض النظر عن التكاليف، الأمر الذي من شأنه أن يزيد في توتر علاقته بحلفائه، بينما يسلّم أجزاء كبيرة من شرقي أوكرانيا إلى الجيش الروسي. من الواضح أنّه موقف خاسر لواشنطن، ولهذا السبب (باعتقادنا) تلقّت نولاند، التي تسببت في هذه الفوضى، خطاب فصلها. وإليكم المزيد من بيان وزارة الخارجية:
"تُعدّ فترة ولاية نولاند تتويجاً لثلاثة عقود ونصف من الخدمة العامة المميزة تحت قيادة ستة رؤساء وعشرة وزراء خارجية. في مستهلّ مسيرتها السياسية، شغلت توريا منصب قنصل في مدينة قوانغتشو في الصين، بحيث تولّت معظم الوظائف في هذا القسم. لتشغل بعده منصب موظف سياسي ومسؤول اقتصادي ومتحدث رسمي ورئيس أركان ونائب الأمين المساعد وسكرتير مساعد ومبعوث خاص وسفير.
"لقد سلحت هذه التجارب توريا بمعرفة موسوعية لمجموعة واسعة من القضايا والمناطق، وقدرة استثنائية على استخدام مجموعة أدوات الدبلوماسية الأميركية الكاملة لتعزيز مصالحنا وقيمنا". (وزارة الخارجية الأميركية)
بمعنى آخر، فيكتوريا نولاند هي واحدة من أكثر الدبلوماسيين معرفة وخبرة في وزارة الخارجية بأكملها، ولكن - على رغم ذلك - ها هم اليوم يوجهون اللوم إليها ويعاقبونها خلال فترة الأزمة الشديدة، لأنها فشلت في تنفيذ أكبر وأهم مهمة في حياتها المهنية التي دامت 35 عامًا. أليس هذا ما يقولونه؟
بلى. كونوا على يقين بأنّ مقاتلة شوارع مثل نولاند لم تكن لتستسلم قط ما لم تُؤمر صراحة بالمغادرة. وربما كانت لتتمسك بمنصبها إذا كانت هناك أي إشارة على التقدم في الحرب، إلّا أنه لا وجود لأي تقدّم. فالوضع مُزرٍ وميؤوس منه، كما كان في السابق. وفي الوقت الذي نتحدث فيه، تسقط الخطوط الأمامية الأوكرانية، بينما يواصل عدد القتلى تزايده. تتفوق أوكرانيا بالعتاد والرجال والخبرة. وهذا يدل على عدم وجود توازن في القوى، إلى أن استدعى بوتين الفرق الاحتياطية قبل أكثر من عام. ويتم حالياً ذبح الشباب بأعداد كبيرة وتركهم للتعفن في خنادق مليئة بالطين تفوح منها رائحة البارود والموت. وكل ذلك يوحي في اقتراب النهاية. وإذا كانت نهاية الحرب وشيكة، فسيتعيّن إلقاء اللوم على شخص ما؛ وعليه، كانت نولاند كبش فداء.
تستحق نولاند هذه النهاية. فهي المتعطشة إلى الحرب وسفك الدماء، وتلاعبت بالحقائق للتحريض على الحرب القائمة على أنصاف الحقائق والافتراءات الصريحة. وتهدف من خلال ذلك إلى إغراق البلاد مرة أخرى بالدماء عبثاً، الأمر الذي سيؤدي قطعاً إلى هزيمة مذلة أخرى. لقد حققت رغبتها، وها هي اليوم تلقى جزاءها. هذا مقطع قصير من مقال للكاتبة كارين كوياتكوفسكي التي تشعر بالفضول أيضًا بشأن استقالة نولاند المزيفة:
"هل خروجها مرتبط بانهيار أوكرانيا المستمر كدولة قومية أو بالسقوط الوشيك لزيلينسكي في انقلاب آخر سيحدث، أو بما هو أسوأ من ذلك؟ ربما يخطط شخص ما انقلاباً آخر في كييف قريباً في محاولة لوقف الاستنزاف، وهذه المرة لم تتم دعوة فيكتوريا العجوز". وربما قررت وكالة الاستخبارات المركزية أخيراً الحد من خسائرها في أوكرانيا، وكانت هي من ضمن الأضرار الجانبية. وسيحل محلها السفير السابق جون باس الذي أشرف على الانسحاب المميز والمخطط له بشكل جيد من أفغانستان قبل بضعة أعوام. وربما تكون غادرت ببساطة بسبب فشلها في إنجاز مهمتها. لقد اضطلعت توريا بدور رئيس في العلاقة الدموية الفاسدة بين أوكرانيا وبايدن. ونأمل أن يكون رحيلها المفاجئ أكثر أهمية من مجرد غوص فأر قاتل كبير بغيض في الأعماق، ولعلها برحيلها تفتح الطريق لسائر المحافظين الفاسدين. وداعاً فيكتوريا! كارين كوياتكوفسكي، ليو روكويل.
لقد خلّفت نولاند وزميلاها السابقان جون برينان وهيلاري كلينتون تأثيراً مسموماً في سياساتنا، بحيث رفعوا مستوى الروسوفوبيا إلى مستوى دين الدولة، فضلاً عن تلطيخ سمعة الأمة في الوحل عند كل منعطف. وخلال مقابلة لها مع مجلة "تايم"، صرّحت نولاند بكل وقاحة، قائلة:
"سندعم أوكرانيا مهما طالت الأزمة. فهي تقاتل في سبيل استعادة كل أراضيها داخل حدودها الدولية. كما سندعمها للاستعداد للمرحلة الصعبة التالية من استعادة أراضيها. يجب أن تكون شبه جزيرة القرم على الأقل منزوعة السلاح". (مجلة "تايم").
ما هذه السخافة! هل هناك من لا يزال يصدق هذه الترّهات؟
ربما تعني عبارة "مهما طالت الأزمة" من 10 إلى 12 شهراً أخرى على الأكثر. وبحلول ذلك الوقت، ستكون واشنطن سحبت دعمها وحوّلت انتباهها إلى تايوان. أراهن على ذلك.
في كل الأحوال، نعتقد أن تقاعد نولاند ليس طوعياً على الإطلاق، بل تم فصلها من جانب نخب السياسة الخارجية التي لم تعد تؤمن بخطابها الصاخب ووعودها الفارغة بهزيمة بوتين. وبإزاحة نولاند فإنهم يعترفون بأن الحرب بالوكالة قد فشلت وأن هناك حاجة إلى استراتيجية مغايرة. وفي حين نجهل ما الذي سيترتب على هذا التغيير في السياسة، فإننا نعلم بأن نولاند لن تشارك في تنفيذه.
تعليق أخير: خلال مقابلة أُجريت في 22 شباط/فبراير 2024 في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية المرموق، طُرح على نولاند السؤال التالي:
"… إذا لم يتحرك الكونغرس (لتوفير تمويل إضافي لأوكرانيا فهل هناك خطة بديلة؟ هل تفكر الإدارة في كيفية إيصال المساعدات إلى أوكرانيا؟ وهل هناك طريقة لتوصيل المساعدات إلى أوكرانيا من دون أن يخصص الكونغرس التمويل اللازم للقيام بذلك؟
نولاند: "ماكس، لا زلنا في الخطة الرئيسة. بصراحة، وكما تعلم، فقد أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي مشروع القانون هذا بأغلبية 70 صوتاً. وهذا يعني أن الشعب الأميركي يؤيد بقوة الاستمرار في مساعدة أوكرانيا، لمصلحة أوكرانيا نفسها، لكن أيضاً لأجل مصلحتنا الخاصة. لذلك أعتقد بأنه يجب أن نسأل ما هي الرسالة التي سيوجهها الناخبون إلى الأعضاء الذين يمثلونهم في الكونغرس؟ وكيف يفهم أعضاء الكونغرس ما يحدث على الأرض، وكيف سيتعين عليهم الرد إذا لم يدعموا مشروع التمويل؟ لذلك، أنا متفائلة بهذا الخصوص وأعتقد أننا سنصل إلى مبتغانا. لكنني أعتقد أن الشعب الأميركي في حاجة إلى التواصل بصورة أقوى مع الأعضاء الذين يمثلونه. (وكيلة وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند: الذكرى السنوية الثانية للغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية).
هل سمعتم ما قالته؟ لا توجد خطة بديلة. فإما أن تنتصر الولايات المتحدة في حربها بالوكالة ضد روسيا، وإما ماذا؟ هل ستعّم الفوضى؟ هل ستسيطر روسيا على كامل الأراضي الأوكرانية؟ هل هي نهاية حلف الناتو؟ أم ماذا؟
ليس هذا هو نوع الرد الذي ترغب نخب السياسة الخارجية القوية (التي حضرت المقابلة) في سماعه. فهي تدرك أن أوكرانيا لن تكسب الحرب، تماماً كما تدرك أن فرص انتصار أوكرانيا ضئيلة للغاية ما لم تحصل على مزيد من المال والعديد والسلاح. وكل ذلك بات الآن موضع شك جدي. كما تُدرك هذه النخب أنّ وزارة الخارجية لم تعقد أي مفاوضات عبر القنوات الخلفية مع روسيا، لذلك لا يوجد إمكان للتوصل إلى تسوية مفاجئة أيضاً. والآن تقول لهم نولاند إنها لم تقم لا هي ولا زملاؤها بصياغة خطة احتياطية في حال لم تكن خواتيم الحرب كما توقعوها. لا وجود لخطة بديلة!
هذا أمر لا يصدَّق. فنولاند إما مغرورة للغاية وإما متهاونة إلى حد الإجرام. وأياً كان الأمر، ففي إمكاننا أن نفهم السبب وراء قرار النخبة من أصحاب النفوذ أن الوقت حان لإقصاء السيدة نولاند ذات الطباع الحادة.
ولسوء الحظ، لا نعتقد أن "تغيير المبعوث" يعني بالضرورة إعادة النظر بصورة جوهرية في السياسة. ومع ذلك، فهي خطوة في الاتجاه الصحيح. ومع استمرار اهتزاز "صورة أميركا التي لا تُقهر"، وانهيار سلطتها الأخلاقية في غزة، ستضطر واشنطن إلى التصرّف بحذر مع جيرانها و"ضبط النفس". وذلك اليوم يقترب بسرعة.
في النهاية، يُعدّ التخلص من نولاند تطوراً إيجابياً، بغض النظر عن طريقة رؤيتكم للموضوع. لذا، تمتعوا بهذه اللحظة!
نقله إلى العربية زينب منعم