"Responsible Statecraft": قلّة من الأميركيين على استعداد للقتال من أجل بلدان أخرى
عندما يبدأ الأميركيون بالعودة إلى ديارهم في أكياس الجثث يعمّ الاستياء الشعبي من الحروب.
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر تقريراً للكاتب آرون سوبجاك، يتناول فيه رأي الشعب الأميركي بدعم حكومته أو مشاركتها في حروب البلدان الأخرى.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
أظهر استطلاع للرأي أُجري في شهر تموز/يوليو أنّ غالبية الشعب الأميركي لا تؤيّد إرسال قوات أميركية للدفاع عن تايوان أو أوكرانيا، وهو شعور يتوافق مع نتائج استطلاعات رأي حديثة أخرى حول هذه المواضيع الساخنة، ما يشير إلى أنّ الأميركيين قد بدأوا يميلون نحو ضبط النفس وعدم التدخّل في الشؤون الدولية.
كما أظهر استطلاع آخر أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في شباط/فبراير أنّ غالبية الأميركيين (56%) لا تعتقد أنّ على الولايات المتحدة أن تختار الوقوف إلى جانب طرف ضد آخر في حرب "إسرائيل" على غزة. وكشف استطلاع أحدث أجراه المجلس هذا الشهر أنّ أربعة فقط من كلّ عشرة يؤيدون إرسال الولايات المتحدة قوات للدفاع عن "إسرائيل" في حال تعرّضت لهجوم من جيرانها.
وعلى نحو مماثل، تمّ الكشف عن شكوك الأميركيين تجاه التدخّل بالشؤون الأجنبية في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "YouGov" مؤخّراً أظهر أن 79% منهم يؤيدون التدخّل في حال تعرّضت الولايات المتحدة لتهديد مباشر فحسب، (انخفض هذا الرقم بشكل كبير إلى 49% في حال تعرّض حليف لهجوم). وفي الدراسة نفسها، اعتبرت أغلبية الأميركيين أنّ الحرب العالمية الثانية هي الحرب الوحيدة والأخيرة المُبرَرة.
وعلى الرغم من هذه النتائج، تواصل واشنطن المضي قدماً في تأجيج نيران الحرب في أنحاء العالم كافة، سواء من خلال التباطؤ في العمل نحو التوصّل إلى تسويات سلمية في كل من أوكرانيا وغزة، أو تأجيج الصراع مع الصين، أو صرف مبالغ طائلة من دون داعٍ على البنتاغون، وبالتالي، على صناعة الأسلحة.
وفي هذا السياق، علّق تاكر كاس، المتحدّث باسم منظّمة " Defense Priorities" التي أجرت استطلاع تموز/يوليو، لموقع "Responsible Statecraft" على النتائج التي تم التوصّل إليها بالقول: "يشير الخط العام لبيانات استطلاع الرأي إلى وجود تباين بين السياسة الخارجية الرسمية للولايات المتحدة والسياسات المفضّلة للشعب الأميركي. فالسياسة الصادرة عن العاصمة تُعدّ سياسة تدخّلية، أمّا الشعب الأميركي، وبناءً على الإجابات التي حصلنا عليها، فيدعم سياسة أكثر حكمة وتمييزاً تُعدّ صراحة أكثر حكمة من السياسة الراهنة".
بالإضافة إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي أن معظم الأميركيين يعارضون دفاع الولايات المتحدة عن أوكرانيا، في حين اتفق عدد كبير منهم على أنّ تجنّب الحرب مع الصين أهم بكثير من الحكم الذاتي لتايوان. كما أصبح الأميركيون أقل ميلاً لدعم أوكرانيا بالأسلحة والمعدّات. كذلك، أظهر استطلاع للرأي صادر عن مجلس شيكاغو أنّ عدد المؤيّدين لإرسال المساعدات العسكرية إلى كييف قد تقلّص إلى حد كبير.
كما أنّ تأييد الأميركيين لدعم "إسرائيل" عسكرياً يتراجع. ووفقاً لمجلس شيكاغو للشؤون العالمية، فقد تراوحت نسبة تأييد استخدام القوات الأميركية للدفاع عن "إسرائيل" نحو 50% في الفترة بين عامي 2015 و2021، إلا أنّ هذه النسبة انخفضت إلى 41% في عام 2024.
ويبدو أنّ الرأي العام الأميركي يشكّك في التدخّل العسكري الأميركي في الشؤون العالمية بشكل عام. فقد انخفض دعم القواعد العسكرية الأميركية في كل من ألمانيا وتركيا وبولندا ودول البلطيق الشريكة واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا في جميع المجالات في الفترة بين عامي 2022 و2023.
وعلى الرغم من هذه الاتجاهات الواضحة، هناك بعض المحاذير. فالأميركيون لا يميلون إلى متابعة سياسة بلادهم الخارجية عن كثب، لذا فقد تضمّنت الأجوبة على استطلاعات الرأي الكثير من الحياد أو عبارة "لا أعرف". كما يمكن أن يتأثر الجمهور بالصراع أو الروايات القوية التي تحرّكها وسائل الإعلام، ولا يدرك الحقيقة إلا بعد فوات الأوان.
واليوم، بات الأميركيون قادرين على رؤية آراء بديلة على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الأخرى، ما قد يؤدي إلى مزيد من الشكوك تجاه وجهات النظر الرسمية في واشنطن. وقد أظهرت استطلاعات الرأي قدرة الأميركيين على فهم السرديات المؤيّدة للحرب على تايوان، وبين "إسرائيل" وحماس، وفي أوكرانيا.
وفي هذا الصدد، قال دوغ باندو، باحث بارز في معهد "Cato"، لموقع "Responsible Statecraft": "غالباً ما يكسب الرؤساء وغيرهم من المؤيدين للتدخّل دعماً شعبياً قصير المدى للقيام بالمغامرات العسكرية من خلال الوعظ وإثارة الذعر. إلّا أنه عندما تبدأ آثار هذه التكتيكات في التلاشي ويبدأ الأميركيون بالعودة إلى ديارهم في أكياس الجثث، فإنّ الحماس العام يتضاءل. ويعمّ بعدها الاستياء الشعبي من الحروب في أفغانستان والعراق وغيرهما".
نقلته إلى العربية: زينب منعم