"Counterpunch": كيف يكون الغرب شريكاً في الإبادة الجماعية في غزّة؟

عندما تحثّ الولايات المتحدة وحلفاؤها على إنهاء الحرب في غزّة مع الاستمرار في إغراق "دولة" الاحتلال بمزيد من الأسلحة فهي في الحقيقة تكشف عن نفاقها.

0:00
  • "Counterpunch": الغرب شريك في الإبادة الجماعية في غزّة

موقع "Counterpunch" ينشر مقالاً للكاتب رمزي بارود، يتحدث فيه عن أنّ الدول التي تزوّد "إسرائيل" بالأسلحة على الرغم من الاحتجاجات المحلية المناهضة لذلك، هي شريكة في الإبادة الجماعية في قطاع غزّة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

يجمع أغلب الناس على رفض الحروب وإدانتها، نظراً لما تخلّفه من موت ودمار وانتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي، على عكس ما يرى تجّار الصراعات الذين ينظرون إلى الحرب من زاوية الأرباح. فالأموال الطائلة التي تدرها صفقات بيع الأسلحة، هي جلّ ما يكترث له هؤلاء لو كانت على حساب الألم والبؤس الجماعي لشعوب ودول بأكملها. والمفارقة الكبرى هي أنّ بعض المدافعين عن حقوق الإنسان هم في الواقع الذين يسهّلون تجارة "الموت" السوداء، في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان بعد التأكّد من قدرتهم الدائمة على الإفلات تاريخياً من العقاب. 

كشفت منظّمة الأبحاث القانونية "جنيف أكاديمي"، عن تسجيلها نحو 110 نزاعات مسلّحة نشطة الآن في جميع أنحاء العالم. ويقع معظمها في دول الجنوب العالمي، حيث تتولّى القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تمويل الصراعات ومفاقمتها وإدارتها لصالح الشركات الرأسمالية المتعددة الجنسيات.

ووفقاً لمنظّمة "جنيف أكاديمي"، تتوزّع النزاعات على الشكل الآتي، 45 صراعاً مسلّحاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و35 في بقيّة دول أفريقيا، و21 في قارّة آسيا، و6 في أميركا اللاتينية. لكن، أسوأها وأكثرها دمويّة مطلقاً، يوقّعه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة أحد أفقر المناطق وأكثرها عزلة في العالم.

وكانت مجلّة "لانسيت" الطبية الأكثر مصداقية في العالم، قد أجرت بحثاً شاملاً لتقدير عدد الضحايا التقريبي من جرّاء العدوان الإسرائيلي على غزّة حتّى اليوم، وبعد نهاية العدوان، وخلصت إلى رقم مرعب يتجاوز عدد الشهداء المعلن عنه بِعدّة أضعاف.

وتصف "لانسيت" مهمّتها بالصعبة، ولكنّها تعدّها خطوة ضرورية على  المستويات كافة. واستندت المجلّة إِلى تقديرات متحفّظة للوفيات غير المباشرة مقابل الوفيات المباشرة، والتقارير التي تؤكّد سقوط أكثر من 40 ألف ضحية. 

فإذا توقّفت الحرب اليوم، فإنّ 7.9% من سكّان قطاع غزّة سيموتون بسبب تداعيات الحرب، وهذا يرفع رقم الشهداء إلى 186 ألفاً أو حتى أكثر من ذلك بحسب مجلة "لانسيت".

الفلسطينيون في غزّة لا يموتون بسبب فيروس لا يمكن تعقّبه أو كارثة طبيعية، بل بسبب عدوان لا يرحم ولا يمكن أن يستمرّ إلّا من خلال شحنات الأسلحة الغربية الضخمة التي تتدفّق من الولايات المتحدة وحلفائها إلى "دولة" الاحتلال على الرغم من الاحتجاج الدولي الواسع.

في بداية العام الجاري، أعلنت محكمة العدل الدولية عن امتلاكها أدلّة كافية تؤشّر إلى ارتكاب "دولة" الاحتلال الإسرائيلي إبادة جماعية في غزّة. وفي 20 أيّار/مايو الفائت، تبنّى المدّعي العامّ للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، هذه الأدلّة الدامغة لارتكاب الصهاينة إبادة جماعية متعمّدة للفلسطينيين.

ومع ذلك، استمرّت الأسلحة الغربية في التدفّق. ومن غير المستغرب أن يكون المصدر الرئيسي للأسلحة هو الولايات المتحدة، تليها ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا.

وعلى الرغم من إعلان بعض الدول الأوروبية، عن نيّتها تخفيض أو حتّى تجميد إمدادات أسلحتها إلى "الدولة" الصهيونية، فإنّ هذه الحكومات تواصل إيجاد محاذير قانونية لتأخير الحظر التام. فإيطاليا، على سبيل المثال، تصرّ على احترام "الأوامر" الموقّعة سابقاً، وعلّقت المملكة المتحدة معالجة تراخيص تصدير الأسلحة "في انتظار مراجعة أوسع".

ومع ذلك، لا تزال واشنطن المورد الرئيسي للأسلحة إلى "تلّ أبيب|. في عام 2016، وقّع الطرفان مذكّرة تفاهم أخرى من شأنها أن تسمح لـ "دولة" الاحتلال بتلقّي 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية. وهذه هي مذكّرة التفاهم الثالثة الموقّعة بين الطرفين، ومن المفترض أن تغطّي الفترة بين أعوام 2018 و2028.

ومع ذلك، لم يتورّع صنّاع السياسة في الولايات المتحدة عن تغذية الحرب العدوانية على غزّة بل ضاعفوا من الدعم الذي التزموا فيه سابقاً، من خلال تخصيص 26 مليار دولار أخرى زيادة عن 17 مليار دولار من المساعدات العسكرية، وهم يعلمون جيداً أنّ غالبية ضحايا غزّة، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، هم من المدنيّين، ومعظمهم من النساء والأطفال.

لذلك، عندما تحثّ الولايات المتحدة على إنهاء الحرب في غزّة مع الاستمرار في إغراق "دولة" الاحتلال بمزيد من الأسلحة، هي في الحقيقة تكشف عن نفاقها الذي يلطّخ بديهيات سجل حقوق الإنسان بسياسات معيبة تماماً. وينطبق النفاق نفسه على بلدان أخرى، معظمها غربية، تتظاهر بصفاقة بأنّها مدافعة عن حقوق الإنسان والسلام الدولي.

ووفقاً لـ "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام"، فإنّ أكبر 10 دول مصدّرة للأسلحة الرئيسية في العالم بين عامي 2019 و 2023، حازت الولايات المتحدة وحدها على حصّة 42% من صادرات الأسلحة العالمية، تليها فرنسا بنسبة 11%.

وإذا ما انتبهنا إلى أنّ كلّ النزاعات المسلّحة تقع جميعها في الجنوب العالمي، فإنّ الاستنتاج الواضح هو أنّ الغرب نفسه الذي يزعم أنّه يدافع عن السلام العالمي والديمقراطية والقانون الدولي هو الكيان نفسه الذي يغذي هذه الحروب والصراعات والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين المستمرة حتّى اللحظة.

لكي يتولّى الجنوب العالمي مسؤولية مستقبله، يجب عليه أن يكافح ضد هذا الظلم الواضح. ولا يمكن للدول أن تسمح بأن تبقى بلدانها ساحات للصراعات ومجرّد أسواق للأسلحة الغربية، المسؤولة عن إراقة دماء العرب والأفارقة والآسيويّين والأميركيين الجنوبيين للحفاظ على اقتصاداتهم ورفاه نخبهم الحاكمة.

صحيح أنّ الأمر سيتطلّب أكثر بكثير من الحدّ من تجارة الأسلحة لإنهاء الصراعات العالمية، ولكن التدفّق الحرّ للأسلحة إلى مناطق الصراع سيستمر في تغذية آلة الحرب، من غزّة إلى السودان ومن الكونغو إلى بورما وما وراءها.

وبوسع المرء أن يستمرّ في القول بأنّ "دولة" الاحتلال الإسرائيلي لا بدّ أن تحترم القانون الدولي، ولكن ما فائدة الكلمات عندما يستمر الغرب في توفير أدوات القتل من دون مساءلة أخلاقية أو قانونية؟

نقله إلى العربية: حسين قطايا

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.