"COUNTERPUNCH": طريق مسدود.. "إسرائيل" ضائعة في غزة

موقع "COUNTERPUNCH" يقول إن "طوفان الأقصى" أكدت أن "الفلسطينيين لن يرحلوا"، فيما تخدع القيادة الإسرائيلية نفسها في الاعتقاد بأنّها قادرة على حل الأمور بالتوحش العسكري.

  • إعلام إسرائيلي: الكارثة لم تنتهِ في 7 تشرين الأول/أكتوبر بل بدأت فقط
    "COUNTERPUNCH": طريق مسدود.. "إسرائيل" ضائعة في غزة

موقع "COUNTERPUNCH" يتحدث عن "طريق مسدود" يواجهه الاحتلال الإسرائيلي في حربه في غزة، معتبراً أن "طوفان الأقصى" أفشلت "اتفاقيات أبراهام"، وموضحاً أن الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر أكد أنّ "الفلسطينيين لن يرحلوا".

في ما يلي نص المقال مترجماً إلى العربية، بتصرف:

حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لم تتصدر أحداث غزة خلال السنوات الماضية عناوين الصحف في الغرب أو في "تل أبيب"، كما تفعل اليوم. كانت جولات المواجهة بين المقاومة و"جيش" الاحتلال قد أصبحت دورية ومتصاعدة على الدوام، لكن حلفاء الاحتلال الإسرائيلي، من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لم ينتبهوا كثيراً لهذه الأحداث، التي تقض أحوال الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، إلى ما لا نهاية.

لقد تحمل الفلسطينيون أكثر من نصف قرن من الاحتلال والقمع، فلماذا لا يتحملون نصف قرن آخر؟ هذا ما تفكر فيه وتفعله كل حكومات "تل أبيب" منذ معاهدة "كامب ديفيد" مع مصر عام 1978، إذ تواصل "إسرائيل" سرقتها التدريجية للأرض الفلسطينية في الضفة الغربية، وتحويل غزة إلى سجن يضم 2.2 مليون فلسطيني، لغاية دفن هذه القضية خلف الأسوار، لكن بعد ذلك حدث شيء ما.

ففي 7تشرين الأول/ أكتوبر، انفجرت المظالم، من تلك القطعة الصغيرة من الأرض التي لم يكن يعتقد أي أحد في "تل أبيب" أو في أي مكان آخر أنها ممكنة. الصدمة في داخل كيان الاحتلال كانت كبيرة وبحجم الاستخفاف الإسرائيلي بالفلسطينيين بشكل عام. لاحظ صحافي إسرائيلي مؤخراً أن الإسرائيليين بمعظمهم ينظرون إلى الفلسطينيين مثل الأثاث الذي يمكن نقله في غرف معيشتهم.

حطمت "طوفان الأقصى" أولويات الولايات المتحدة وأوروبا في المنطقة. أحداث كثيرة خلال السنوات الست أو السبع الماضية طغت على القضية الفلسطينية. من الواضح أن الحرب في أوكرانيا كانت الحدث الأبرز. ولكن، حتى عندما تم إيلاء الشرق الأوسط الاهتمام، فإن التركيز كان على أمور أخرى: مثل إيران وتأثيرها في العراق، والتوترات في الخليج. كانت ثمة محاولات في السنوات الأخيرة للالتفاف على مسألة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وحصاره قطاع غزة. وتم تتويج ذلك بتباهٍ بـ"اتفاقيات أبراهام". هذه الاتفاقيات - وهي من أعمال جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب - كانت بين ضحايا الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر.

أصابت عملية "طوفان الأقصى" بنية المنظومة العسكرية والأمنية للاحتلال الإسرائيلي، وضربت سمعة مؤسسة الاستخبارات الإسرائيلية التي لم تدرك ما كانت تحضره المقاومة الفلسطينية على قدم وساق. ولم يأخذ رئيس حكومة "تل أبيب"، بنيامين نتنياهو، بالتحذيرات من أن الانقسامات في الكيان الإسرائيلي الناجمة عن "الإصلاحات القضائية"، يمكن أن تشجع على هجوم من جانب حركة حماس أو حزب الله. لكن، يبدو أن الجنرالات الإسرائيليين ضيّقو الأفق، مثل نتنياهو الذي تتمثّل أولويته الأولى، كنظيره الأميركي، في البقاء خارج السجن.

ويفسر هذا الفشل وحشية الهجوم الإسرائيلي على غزة. لقد حاول نتنياهو و"الجيش" الإسرائيلي إخفاء فشلهم الهائل من خلال عرض هائل للقوة النارية التي لم تلحق ضرراً كبيراً بحماس بعد كل شيء. لو كانت لديهم معلومات استخبارية جيدة قبل "طوفان الأقصى"، على الأرجح مع تفوقهم الهائل في قوة النيران لكانوا قد منعوا ذلك.

كذلك،تضررت أجهزة المخابرات الإسرائيلية المتبجحة، "الشين بيت" و "الموساد" وغيرها، بشكل فادح. في "إسرائيل"، حاولت "تل أبيب" مقارنة عملية "طوفان الأقصى" بهجوم 11/9 على الولايات المتحدة، مع الفرق الصارخ بين الحدثين. وعلى الرغم من أن تدخل الولايات المتحدة وتخبطها في الشرق الأوسط أسس تنظيم "القاعدة"، بيد أن أحداً لم يظن أبداً أن جورج دبليو بوش هو من صنع تنظيم القاعدة بشكل مباشر، لكن الأمر ليس كذلك مع نتنياهو، الذي راهن بحماقة على تقسيم الفلسطينيين في تمرير أموال الدعم لغزة، من أجل تعميق الفُرقة مع الضفة الغربية، وهذا يمكّن الليكود والأحزاب الإسرائيلية اليمينية الأخرى المعارضة لأي دولة فلسطينية من الادعاء بأنه ليس لديهم جهة للتفاوض معها، بينما تتوسع المستوطنات الإسرائيلية وتنتشر في جميع أنحاء الضفة الغربية.

الرئيس الأميركي، جو بايدن، يستمر بدعمه الأعمى لنتنياهو، بينما تتّهم الصحافة الإسرائيلية الأخير باستخدام الحرب كصورة فوتوغرافية لحملته الانتخابية المقبلة. ولا يزال العديد من عائلات الأسرى يعبّرون عن غضبهم منه، واستغرق الأمر منه 3 أسابيع من التحضيرات لمقابلتهم. ومن الواضح أنه أعطى الأولوية للهجوم الشامل على التفاوض على إطلاق سراح الأسرى مع حركة حماس، لأن الهدفين غير متوافقين. تحويل غزة إلى أنقاض لن يحررهم.

وكما لو أن سمعة "الجيش" الإسرائيلي لم تتعرض لأضرار كافية، قتل جنود إسرائيليون 3 أسرى فروا بطريقة ما بينما كانوا يلوّحون بعلم أبيض، حيث قُتل 2 بالرصاص على الفور، وفر الثالث إلى مبنى قريب حيث طارده وقتله الجنود فيما توسّل إليهم من أجل حياته باللغة العبرية. من الصعب التفكير في مثال أكثر وضوحاً على الغباء وعدم الكفاءة  التي يتمتع بها هؤلاء.

أصبحت الولايات المتحدة "قلقة" بشأن عدد الشهداء المدنيين في غزة والذي تجاوز  20,000 فلسطيني معظمهم من الأطفال. لكن وزارة الخارجية الأميركية لم تحدد بعد "العدد المقبول" للضحايا المدنيين، بعد أن ظهر أن أكثر من 40٪ من القنابل التي أسقطتها "إسرائيل" على الأبرياء هي مما يسمى بـ"القنابل الغبية".

يبدو أن حركة حماس مدركة، ولديها فكرة أفضل عما تفعله من "إسرائيل" أو الولايات المتحدة، وتتقن استراتيجية حرب العصابات المتمثلة في تجنّب المعارك الضارية، ووضع كمائن صغيرة ومتحركة ضمن شبكة نظام أنفاق مرن، يمكّن رجال المقاومة في النهار والليل من استغلال الأنقاض كتحصينات للتسلل والحماية مع معرفتهم بالمكان، على عكس "جيش" الاحتلال الذي يتخبط بالتكاليف العالية في أزقة غزة.

يجب ذكر اثنين من الآثار الجانبية الأخرى لعملية "طوفان الأقصى". الأول هو حملة نتنياهو على المعارضة الإسرائيلية، إذ أقر الكنيست مؤخراً تعديلاً لقانون مكافحة الإرهاب يجرّم "الاستهلاك المنهجي والمستمر لمنشورات منظمة إرهابية"، مع عقوبة قصوى بالسجن لمدة سنة واحدة. وبعبارة أخرى، فإن الصحافي الذي يقرأ ببساطة البيانات العلنية لحركة حماس أو حزب الله، يمكن أن يلقى به في السجن لمدة عام، ويفترض تطبيق القانون استخدام برنامج التجسس الشهير "بيغاسوس" للشركة الإسرائيلية، الذي باعته للحكومات المستبدة في جميع أنحاء العالم لاعتقال المعارضين بحجة "مكافحة الإرهاب". 

بالفعل، بدأ تنفيذ القانون المذكور، وتم اعتقال مئير باروخين، وهو مدرس و"ناشط" إسرائيلي "يعارض الحرب على غزة"، وتم التحقيق معه بتهمة" الفتنة ونية ارتكاب الخيانة "، وأمضى أربعة أيام في الحبس الانفرادي قبل إطلاق سراحه. بالنسبة إلى الصحافيين، وخاصة الصحافيين الفلسطينيين، سيكون الوضع أسوأ بالتأكيد، في ظل حكومة توصف من قبل المنظومة الغربية بـ"الديمقراطية الوحيدة في المنطقة".

حتى الآن، قتل الهجوم الإسرائيلي الوحشي على غزة نحو 53 صحفياً  بينهم 46 فلسطينياً، و 3 لبنانيين، و 4 إسرائيليين. فالهجوم على الأبرياء في غزة هو أيضاً اعتداء على المراسلين لأنهم يوثقون الهجوم على المدنيين. إن مقتل الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة على يد "الجيش" الإسرائيلي في العام الماضي يظهر أن "إسرائيل" لا تتردد في قتل الصحفيين لقتل القصص. وكانت الشهيدة أبو عاقلة قد قتلت برصاصة في رأسها من قبل قناص إسرائيلي بشكل متعمد، بحسب ما أكدته التحقيقات التي أجرتها جماعات غير إسرائيلية، بما في ذلك وزارة الخارجية الأميركية، إلا أنها استهدفت عمداً. وقاتلها لم يعاقب أبداً بالطبع.

أما الأثر الثاني للحرب على غزة، فيتمثل في تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. لقد انتهز المستوطنون الفرصة، بينما يركز العالم الخارجي على غزة، لزيادة هجماتهم على المدن الفلسطينية، ودخول المنازل، والاعتداء على الفلسطينيين، وحرق السيارات، وتدمير البساتين ويرهبون القرى الصغيرة وينجحون في كثير من الحالات في طرد جميع السكان من أجل محو القرى بالكامل. إذا كانت هذه الإجراءات تبدو مثل تلك التي قام بها النازيون في ثلاثينيات القرن العشرين، فذلك لأن المستوطنين يتمتعون بالتركيبة النفسية المجرمة ذاتها، التي "تبرر" أعمالهم الإرهابية وطرد الناس من مكان عاشوا فيه منذ دهور.

وزير المالية الإسرائيلي الحالي بتسلئيل سموتريتش، يدعو منذ سنوات إلى طرد الفلسطينيين من كل أنحاء فلسطين بما يسميه ب "الخطة الحاسمة"، دعا من خلالها إلى ضم الضفة الغربية بأكملها، وفي حال قاوم الفلسطينيون ف "يجب معاملتهم كإرهابيين وقتلهم". وعندما قدم سموتريتش عرضاً علنياً لخطته سئل بعد ذلك عما إذا كان ذلك يعني النساء والأطفال أيضاً، أجاب "في الحرب لا شيء اسمه أمور إنسانية"، كما كان بالنسبة إلى الفاشيين لا حقوق لغيرهم.

في 6 الشهر الجاري طلب "الجيش" الإسرائيلي إجلاء أكثر من مليون فلسطيني إلى جزء صغير من جنوب قطاع غزة، وهي منطقة بحجم مطار هيثرو الإنكليزي. قد يعتقد البعض أن هذا الطلب لا يمكن أن يؤخذ على محمل الجد، لكن يجب أن يؤخذ كذلك لأن الغاية الحقيقية لـ"تل أبيب" تقول للفلسطينيين لا مكان لكم في أي مكان في غزة، وإذا بقيتم فسوف تموتون.

وعادة ما ينظر في الغرب إلى عدد القتلى المدنيين من الفلسطينيين، على أنه نتيجة ثانوية لتجاهل "الجيش" الإسرائيلي القاسي للمدنيين في تصميمه على تدمير المقاومة كقوة عسكرية. لكن، هذا ليس هو الحال، ففي الواقع أن المدنيين هم أيضاً من أهداف الاحتلال.

في 30 تشرين الثاني/نوفمبر، نشر موقع "972 بلس" مقالاً للصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام، تحت عنوان "مصنع للاغتيالات الجماعية"، عن القصف الهمجي على غزة. واعتمد أبراهام على مصادر مجهولة، أبلغوه عن مخالفات "الجيش" الإسرائيلي بناء على معلومات المخابرات الإسرائيلية، التي تقدم المباني السكنية والمدارس والجامعات والأسواق والبنوك كلها كأهداف عسكرية. فالفكرة هي أن قتل المدنيين والتدمير الشامل سيقود، كما يقول أحد المصادر، إلى الضغط على حركة "حماس". هذه الفكرة المشكوك فيها تظهر فقط غباء نتنياهو وحلفائه من المستوطنين، كما يقول مصدر آخر مجهول في مقال أبراهام: "عندما تقتل فتاة تبلغ من العمر ثلاث سنوات في منزل في غزة، فذلك لأنه لم يكن من المهم أن تقتل، بل لأن ثمة  ثمناً يستحق دفعه لضرب هدف آخر.

سبب آخر للأعداد المروعة من الضحايا هو استخدام "الجيش" الإسرائيلي لأنظمة" الذكاء الاصطناعي "لتحديد" الأهداف "وتجاهل عدد المدنيين المحيطين به فيما يسميه ضابط مخابرات متقاعد مصنع الاغتيالات الجماعية.

وهذه هي النقطة المركزية في مقال يوفال أبراهام: المدنيون الفلسطينيون هم هدف في الهجوم الحالي في غزة مثل حركة" حماس "، ما يجعل أي دعوة لـ"الجيش" الإسرائيلي ليكون أكثر دقة في استهدافه معدومة الجدوى. إنهم دقيقون في استهدافهم. لديهم مدنيون في مرماهم. ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة إصدار بيانات سخيفة.

في منتصف الشهر الجاري قال جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، عن الخرائط التي نشرها "الجيش" الإسرائيلي والتي تظهر الأحياء التي سيقصفونها:" هذا ما تقررونه أنتم وحدكم، ولو كنا مكانكم لفعلنا ذلك ". بطبيعة الحال، هذه إشادة كبيرة تأتي من قوة عسكرية إرثها الأخير هو الفلوجة والرمادي وبعقوبة في العراق.

في الماضي، كانت أي عملية للمقاومة الفلسطينية تسمح بقتل عشرات المدنيين الفلسطينيين. لقد أصبح هذا 10 أضعاف أو 20 اليوم.

وفي 10 الشهر الجاري، قال متحدث باسم "الجيش" الإسرائيلي، "التركيز على الضرر في القصف وليس على الدقة". وفي اليوم نفسه، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت: "لقد خفضت كل القيود، سنقتل كل من نقاتل ضده. سنستخدم كل الوسائل، لن تكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود، كل شيء مغلق. نحن نحارب الحيوانات البشرية، ونتصرف وفقاً لذلك". لا ينبغي أن تؤخذ الإشارة إلى "الحيوانات البشرية" على أنها تشير فقط إلى المقاومين. فكل من يعرف القادة الإسرائيليين يدرك أن هذا ليس بالأمر الجديد. مناحيم بيغن، الذي فاز بجائزة نوبل للسلام لخداعه السادات في اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، أشار إلى الفلسطينيين على أنهم "على قدمين لكنهم ليسوا بشراً". كذلك وصفت غولدا مائير الشهيرة التي تنتمي إلى حزب العمل، الشعب الفلسطيني بأنهم "صراصير"."

الآن، تملأ الأمطار الغزيرة شوارع غزة، وتشعر منظمة الصحة العالمية والأونروا والعديد من الوكالات الأخرى التي تكافح لمساعدة الفلسطينيين في غزة بالقلق إزاء تفشي الكوليرا وغيرها من الأمراض. ولكن من وجهة نظر الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا آيلاند، الذي ترأس سابقاً مجلس الأمن القومي، أن هذا سيساعد إسرائيل على تحقيق النصر. وفي مقال له بعنوان "دعونا لا نخف من العالم" كتب، "يحذرنا المجتمع الدولي من كارثة إنسانية خطيرة وأوبئة شديدة. يجب ألا نخجل من هذا. بعد كل شيء، الأوبئة الشديدة في جنوب غزة ستجعل النصر أقرب".

في ظل كل ذلك الجنون والضياع، تبرز خلافات بين واشنطن و"تل أبيب" بشكل متزايد، مع استمرار الحرب بقرار حكومة نتنياهو التي ليس لديها خطة لما بعد انتهاء الحرب، وهذا خطأ فادح بنظر إدارة بايدن، إضافة إلى وضع نتنياهو وتحالفه الحكومي خطة حربية في غزة مشكلتها الوحيدة أنها غير معقولة التحقق.

مع ذلك، توصي وزارة الاستخبارات الإسرائيلية بالترحيل القسري والدائم لسكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وفقاً لوثيقة رسمية تم الكشف عنها بالكامل لأول مرة من قبل موقع "لوكال كول"."

وأوصت الوزارة في تقريرها "بالحصول على مساعدة دولية" لتنفيذ عملية النقل هذه. تم ذكر مصر نحو 6 مرات في الوثيقة أهمها: يجب إنشاء منطقة بعدة كيلومترات في مصر، مصر ملزمة بموجب القانون الدولي بالسماح بمرور السكان. "

هكذا يتبرع الإسرائيليون بهذه الوثيقة بسخاء بالأراضي المصرية لمخططهم المنافي للعقل، يمضون قدماً في النفاق المذهل للحديث عن التزام مصر بموجب القانون الدولي، الذي انتهكته "إسرائيل" كل يوم منذ إنشائها في عام 1948.

والخطة بسيطة، وفقاً لغيورا إيلاند، وهي تتلخص في "تهيئة الظروف التي تصبح فيها الحياة في غزة غير مستدامة. ستصبح غزة مكاناً لا يمكن أن يوجد فيه أي إنسان"

كذلك، إن مخططاً مماثلاً طرحه "معهد مسغاف" اليميني الذي يرأسه أحد المقربين من نتنياهو من حزب الليكود الذي قال: "الحل الذي نقترحه، لنقل الفلسطينيين إلى مصر، هو حل منطقي وضروري.

وبما أن هذه الخطط لغزة تتوافق بشكل جيد مع خطة سموتريتش لإخلاء الضفة الغربية من الفلسطينيين، يمكن الافتراض أنه وأولئك وبصرف النظر عن الإجرام المتغطرس لهذه الخطط، يظهر مدى انفصالهم جميعاً عن الواقع.

إن احتمال أن توقع الولايات المتحدة على مثل هذه المقترحات، وبالأحرى أي بلد آخر في العالم، يظهر مدى جنون وخبل اليمين الإسرائيلي. يقول نتنياهو، الهجوم" سيتعمق ويتكثف على غزة ". وفي الوقت نفسه، يتعرض بايدن لضغوط من موظفي وزارة الخارجية وكذلك الديمقراطيين في لجان الاستخبارات أو القوات المسلحة أو الشؤون الخارجية في مجلس النواب للحد من الهجوم الإسرائيلي، ما يوجب على بايدن أن يزن ما إذا كان دعمه الطويل غير المشروط لـ"إسرائيل" سيكلفه إعادة انتخابه. ويجب أن يعرف أيضاً أن هدفي نتنياهو، سحق المقاومة الفلسطينية واستعادة الرهائن، لا يمكن تحقيقهما، إلا من خلال وقف إطلاق النار والتفاوض.

ومن المرجح أن يؤدي الهجوم والقصف المكثفان إلى قتل الأسرى الإسرائيليين. وما مقترحات إغراق شبكة الأنفاق الضخمة التابعة للمقاومة بمياه البحر، إلا دليل آخر على غرق  كيان الاحتلال وتخبطه  في الأوهام.

لطالما كان بايدن خلال حياته المهنية يميل إلى التنازل عن" مبادئه "، لكن الوقت قد يأتي قريباً كي يفعل ذلك، خاصة عندما تتباعد السياسة الواقعية لمصالح الولايات المتحدة مع غوغائية الأهداف الإسرائيلية البعيدة جداً عن منطق التسويات الأميركي المعروف. ربما يأمل نتنياهو في فوز ترامب في عام 2024 ، على الرغم من أن ذلك قد يأتي بنتائج عكسية أيضاً، فترامب ليس لديه ولاء لأي شخص سوى نفسه.

بعد تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما عارضته الولايات المتحدة و"إسرائيل"، قال بايدن بوقاحة،" إن إسرائيل تدعمها معظم دول العالم "، مع أن التصويت ضد الولايات المتحدة و"إسرائيل" كان بأغلبية 153 صوتاً مقابل 10 فقط. فالعالم وفقاً لبايدن يتألف من النمسا والتشيك وغواتيمالا وليبيريا وميكرونيزيا وناورو وبابوا غينيا الجديدة وباراغواي. امتنع الحلفاء الأوروبيون الرئيسيون للولايات المتحدة عن التصويت بسبب الإحراج لا أكثر. الآن، يظهر يأس نظام نتنياهو في ادعاء وزير الدفاع يوافي غالانت الذي قال في اجتماع للجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست إن "إسرائيل" تواجه" حرباً متعددة الساحات "من 7 جبهات مختلفة بما في ذلك غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والعراق واليمن وإيران. وأضاف أن "إسرائيل ردت وتصرفت بالفعل على 6 من هذه الجبهات ". وفي الواقع، يريد نظام نتنياهو وغالانت مثل هذه الحرب التي من شأنها في حساباتهما أن تجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط.

أكاذيب نتنياهو و"الجيش" الإسرائيلي تصدح ب، "اليأس". في 12 الشهر الجاري، أعلن "جيش" الاحتلال الإسرائيلي عن تأمينه الجزء الشمالي من قطاع غزة، إلى أن فضحته المقاومة الفلسطينية التي نصبت كميناً لوحدة عسكرية ما أسفر عن مقتل 10جنود إسرائيليين. والأهم من ذلك، كانت هناك كذبة مفادها أن حركة "حماس" لديها مقر تحت مستشفى الشفاء في مدينة غزة. لم يتم تقديم أي دليل على ذلك، ولم يجد مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 21 كانون الأول/ديسمبر أي دليل مادي يدعم حجج "إسرائيل" ومزاعمها، وما عرضه المتحدث العسكري الإسرائيلي يشبه عملاً لطفل في الثامنة من عمره.

ويبدو الآن أن عملية "طوفان الأقصى"، لم تغير "إسرائيل" فحسب، بل غيرت حسابات أقاليم المنطقة برمتها. و"إسرائيل" اليوم أكثر عزلة من أي وقت مضى. وردها الوحشي على "طوفان الأقصى" يزيد من عزلتها، بل يجعل المزيد من الناس في بلد يعدّ أقوى حليف لها، الولايات المتحدة يشككون في علاقة بلادهم معها.

لقد أوضحت عملية "طوفان الأقصى" شيئاً واحداً، هو أن الفلسطينيين لن يرحلوا. وقادة الاحتلال الإسرائيلي يخدعون أنفسهم في الاعتقاد بأن بإمكانهم حل الأمور بالتوحش العسكري.

إن الفكرة القائلة بأن الدول العربية المحيطة ستستقبل ملايين الفلسطينيين بعيدة كل البعد عن الواقع، بحيث يتعين على المرء أن يتساءل عن العالم الافتراضي الذي يعيش فيه وزراء نتنياهو وسكان المستوطنات بشكل عام. فمن المغرب إلى العراق، عاش المسلمون والمسيحيون واليهود جنباً إلى جنب في سلام لعدة قرون. ولكن من المغرب إلى العراق أيضاً، تعدّ "دولة إسرائيل" كياناً صهيونياً للفصل العنصري زرعته قوة استعمارية في العالم العربي. ولقد كشف صعود اليمين المتطرف إلى السلطة في "إسرائيل" ما كان دائماً جوهر المشروع الصهيوني. يقول الناس من بروكلين في مدينة نيويورك، للفلسطينيين إنه ليس لهم الحق في الأرض التي عاش فيها أجدادهم منذ آلاف السنين. وقال عاما أيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، "إسرائيل بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ستكون إسرائيل مختلفة يجب أن تختفي القيادة الحالية من حياتنا، لقد قادتنا بعيون مفتوحة إلى أفظع أزمة".

هذه حقيقة بسيطة وصعبة حاول السياسيون الأميركيون والإسرائيليون تجاهلها لعقود. لا يوجد باب خلفي أو باب جانبي يؤدي إلى سلام بين العالم العربي و"إسرائيل" إلا وبوابته فلسطين. لقد كان حل الدولتين لفترة طويلة حلماً بعيد المنال. الضفة الغربية الآن مقطعة بالمستوطنات والجدران الإسرائيلية لدرجة أن الدولة الفلسطينية هناك ستبدو وكأنها أحجية. والمخطط الإسرائيلي لغزة في جعلها غير صالحة للسكن  سيزيد  من عنفوان الفلسطينيين وصمودهم في أرضهم، بينما الحل الأكثر واقعية والممكن الآن هو أن يعيش "الشعبان" معاً، في دولة واحدة حرة من النهر إلى البحر.

نقله إلى العربية بتصرف: حسين قطايا

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.