"Counterpunch": الولايات المتحدة تخسر في أوكرانيا.. وحملة ممنهجة لإلقاء اللوم على الصين

لا شك أنّ الولايات المتحدة محرجة بهزيمتها في أوكرانيا، وتسعى إلى إيجاد ما يمكنه تغطية حساباتها الخطأ في حرب أوكرانيا.

  • وزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن
    وزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن

نشرة "Counterpunch" تنشر مقالاً للكاتب جون والش، يقول فيه إنّ الولايات المتحدة خسرت المعركة في أوكرانيا أمام روسيا، وتقوم بحملة ممنهجة لإلقاء اللوم على الصين، هرباً من حرج الهزيمة وبغرض فرض عقوبات جديدة على بكين.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

يزعم وزير خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن، أنّ دعم الصين لروسيا يفسّر نجاح الأخيرة في أوكرانيا. وخلال رحلته الأخيرة إلى الصين في الشهر الماضي، أدلى الدبلوماسي الأميركي بتصريحات عدوانية للغاية للصحافة في العاصمة بكين. وكانت كلماته بمثابة إعداد للجمهور الأميركي والأوروبي لتقبل انخراط بلدانهم بمزيد من الصراعات مع الصين. هكذا تحافظ واشنطن على عاداتها السياسية بشيطنة خصومها معنوياً، وقبل أن يسقط البيت الأبيض قنابله، يسقط السرد أولاً، وهذا ما يفعله بلينكن.

يغذّي بلينكن سرديته العدوانية الجديدة، بأنّ الواردات الصينية إلى روسيا تغذي قوّة موسكو في حرب أوكرانيا. ويقول إنّ "الصين هي المورد الرئيس للمواد ذات الاستخدام المزدوج والتي تمكن روسيا من توسيع قاعدتها الصناعية عموما والدفاعية خصوصاً".

يدلّ كلام بلينكن على ما بات من المسلّم به على نطاق واسع في أنّ الولايات المتحدة تخسر حربها بالوكالة في أوكرانيا. لكن واشنطن الآن أدركت أنّ النظام الأوكراني الذي نصبته بانقلاب يخسر الحرب، ولا بد من لوم أحد، وليس بالأمر الجديد في حجج الغرب وتبريراته بإلقاء اللوم على الصين.

لا شك أنّ الولايات المتحدة محرجة بهزيمتها، وتسعى إلى إيجاد ما يمكنه تغطية حساباتها الخطأ في حرب أوكرانيا. وعليه تستمر مزاعم بلينكن بتقديم أدلة هامشية ومشكوك فيها مثل أنّ الأدوات الآلية والإلكترونيات الدقيقة و "النيتروسليلوز"، كمكونات رئيسة التي توفرها الصين لروسيا تقف خلف خسارة الولايات المتحدة لحربها ضد روسيا في أوكرانيا.

وهذه المواد ذات الاستخدام المزدوج غير محددة كون لائحتها واسعة ومرنة، ومن المحتمل أن يتم ضم عناصر لا تحصى تحت هذا المصطلح. على سبيل المثال، إذا استوردت روسيا أدوات آلية صينية لصنع السيارات، فيمكن الادعاء بسهولة أنها تستخدم لبناء الدبابات. أو إذا استوردت روسيا "النيتروسليلوز" لصنع طلاء الأظافر، فيمكن اتهامها بأن هذه المادة الكيميائية تستخدم في البارود أو المتفجرات، وحين تطالب الولايات المتحدة الصين بوقف الدعم "غير المباشر" للمجهود الحربي الروسي، فإنهّا في الحقيقة تطلب من الصين في نهاية المطاف بقطع كل علاقاتها التجارية مع روسيا.

بطبيعة الحال، تتمتع الصين بسيادة كاملة وليست ملزمة بتخفيف العلاقات التجارية مع روسيا، وهي غير معنية بمراسيم الولايات المتحدة ولا توجيهات بلينكن، الذي لم يقدم أي دليل على أنّ المواد ذات الاستخدام المزدوج هي المسؤولة عن تراجع وكيلو بلاده أوكرانيا على جبهات القتال.

"لا موقف" الصين من الحرب الأوكرانية بالوكالة يتضح من عدم تقديمها أي أسلحة أو دعم مباشر للمجهود الحربي الروسي. في المقابل، تقدم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الأسلحة بالمليارات إلى كييف كي تستمر في محاربة روسيا، وهم يصرّون على تقديم "كل ما يلزم ومهما استغرق من وقت" كي تكسب أوكرانيا الحرب.

على عكس المنظومة الغربية، دعت الصين إلى إجراء مفاوضات لإنهاء الصراع، وعرضت القيام بدور الوسيط لإيجاد حل عبر التفاوض ينهي الحرب التي استهلكت مئات الآلاف من الجنود الأوكرانيين وعدد كبير ولكن غير معروف من الروس. وتأمل بكين أن تلقى مبادرتها ترحيباً عالمياً.

"إلقاء اللوم على الصين" دعاية جديدة للحرب الأوكرانية بالوكالة

إنّ إلقاء اللوم على الصين في فشل الولايات المتحدة في حربها ضد روسيا في أوكرانيا، ليس مجرد أمر غير مقصود أثاره بلينكن، فالعبارة يرددها كل مسؤولي إدارة بايدن وفي حلف شمال الأطلسي أيضاً، لإكمال سمات حملة الدعاية السياسية الجيدة التخطيط لفرض عقوبات على الصين بالنهاية.

في الحقيقة، لم يكن بلينكن أوّل من أدلى بهذه المزاعم، ففي تصريح لنائبه في وزارة الخارجية كورت كامبل، أوضح مهندس "محور" شرق آسيا في عهد إدارة باراك أوباما أنّ موسكو عانت من نكسات أولية خلال حرب أوكرانيا لكنّها "أعادت تجهيز نفسها وتشكل الآن تهديداً لأوكرانيا وتحدياً طويل الأجل للاستقرار في أوروبا ولكل الدول الأعضاء في حلف الناتو". كل ذلك، ينسبه نائب الوزير إلى تلقي روسيا دعماً صناعياً وتجارياً من الصين مما يعزز التفوق الروسي في المواجهة العسكرية في أوكرانيا.

وزيرة الخزانة جانيت يلين أضافت إلى تصريحات كامبل وتهديدات بلينكن، الإعلان عن عقوبات جديدة ضد 280 "هدفاً" صينياً، مع كيانات في أذربيجان وبلجيكا وسلوفاكيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة.

وعلى المنوال عينه، انتقد الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرغ الصين بسبب التجارة مع روسيا، والمقصود تعميم الحملة التي تربط الصين بحرب الولايات المتحدة بالوكالة في أوكرانيا، وقد تم إعدادها قبل وقت وهي أولوية لإدارة بايدن.

رهاب الصين وروسيا الشديد في الغرب

يوضح بلينكن أنّ تصريحاته تهدف أيضاً إلى جر حلف "الناتو" إلى حملته المنتقدة للصين. وقال: "في اجتماعاتي مع الحلفاء ومع شركائنا في مجموعة السبع، تطابقت الآراء عن أن تغذية القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية لا يهدد الأمن الأوكراني فحسب، بل الأمن الأوروبي. ولا يمكن لبكين تحقيق علاقات أفضل مع أوروبا بينما تدعم أكبر تهديد للقارة منذ نهاية الحرب الباردة. كذلك أعلمت الصين منذ وقت، أنّ ضمان الأمن عبر الأطلسي هو مصلحة أساسية للولايات المتحدة". ثم يختم بلينكن بيانه ويبدو إلى حد كبير مثل دبلوماسي في عصابة مافيا يتبجح بعدوانية مثيرة في الساحات الدولية، "في مناقشاتنا اليوم، أوضحت أنه إذا لم تعالج الصين هذه المشكلة، فسنفعل ذلك".

الحملة التي تربط الصين بالعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، موجّهة بشكل مباشر إلى الرأي العام الأميركي والأوروبي. حيث يتم تصوير قادة روسيا على مر التاريخ، والآن الرئيس فلاديمير بوتين، على أنهم تجسيداً للشر العدواني ضد الغرب. وهذا الخوف من روسيا له جذور تعود إلى الانشقاق العظيم للمسيحية قبل نحو ألف عام، من حينها لم يخفت هذا الرهاب إلا لفترات راحة قصيرة فقط واستمر بشكل أو بآخر حتى اللحظة الحالية. وفي السنوات الأخيرة، تكثفت مرة أخرى وتم دفع هذه القضية إلى الأمام بدءاً بما سمّي بـ "روسيا غيت" التي تم كشفها على أنّها خدعة وبلا مصداقية، مع ذلك تم تحويلها إلى أسطورة لتنشيط استخدام رهاب روسيا وشيطنة بوتين لتبرير توسع حلف "الناتو" شرقاً وإطلاق حربهم الحالية في أوكرانيا.

 لا شكّ في أنّ ربط رهاب روسيا بالصين يساعد الولايات المتحدة على ضم الدول التابعة للاتحاد الأوروبي إلى حملتها "الصليبية" ضد الصين. والرسالة التي تبثها إدارة البيت الأبيض بسيطة مفادها أنّه "إذا كنت تكره روسيا فيجب أن تكره الصين ويجب أن تحب العقوبات المفروضة على البلدين".

هروب من إذلال الهزيمة على يد "محطة وقود"

تساهم السردية الجديدة بإنقاذ الولايات المتحدة وأتباعها الأوروبيين من لحظة هزيمة محرجة أمام روسيا، التي لطالما وصفها المسؤولون الأميركيون بـ "محطة وقود" لا أكثر. وبالرغم من الدعم الأميركي غير المحدود لأوكرانيا إلا أنّها تخسر وتهزم معها الولايات المتحدة من قِبل "محطة وقود".

من المؤكد أنّ هزيمة من هذا النوع لن تساعد الولايات المتحدة وهي تسعى وتبحث عن دول أخرى لخدمة هدفها المتمثل في الهيمنة العالمية الكاملة، وهو الهدف الذي تم تحديده في السنوات التي سبقت دخولها الحرب العالمية الثانية.

لكن هل فكر بلينكن وزملائه في ذلك؟ بعد كل شيء يقولون إنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دعموا أوكرانيا، بينما دعمت الصين روسيا، وفازت روسيا.

كما أنّ استراتيجية ربط الصين بروسيا تنطوي على تناقض، إذ أعلنت الولايات المتحدة منذ عام 2011، أنّ الصين هي خصمها الرئيسي، لكنها تستمر في التشتت في روسيا وليبيا وسوريا وفنزويلا وكوريا الشمالية والآن في الإبادة الجماعية في غزة.

تشير الولايات المتحدة مرة أخرى من خلال ربط الصين بروسيا، إلى عجزها عن التخلص من هوسها بروسيا، واضعة نفسها بين خصوم متعددين بدلاً من خصم واحد، وهذا هو المأزق النموذجي لإمبراطورية مفرطة التوسع.

تصريحات بلينكن في ضوء الإبادة الجماعية في غزة

في سياق تصريحاته في بكين، ألمح بلينكن إلى أنّ الولايات المتحدة لديها مخاوف عالية بشأن حرب بوتين التي "أودت بحياة أطفال ونساء ورجال أبرياء". ولكن عند سماع كلمات بلينكن الجوفاء تأتي من رجل كان شخصية بارزة في دعم وتسليح المذبحة الإسرائيلية للفلسطينيين في غزة اليوم، وهي ليست سوى المرحلة الأخيرة في الإبادة الجماعية البطيئة الطويلة للشعب الفلسطيني التي دعمها الغرب منذ بدايتها مع نكبة عام 1948. وحتى كتابة هذه السطور، تم ذبح ما لا يقل عن 34 ألف فلسطيني في غزة، 42% منهم من الأطفال، في غضون ما يزيد قليلاً عن 6 أشهر. غزة اليوم هي "لحظة سقوط القناع" التي تكشف عن الوجه الوحشي للإمبراطورية الأميركية التي تعمل في العديد من نواحي الكوكب، ويؤثر هذا على الطريقة التي ننظر بها إلى كل شيء، بما في ذلك الحرب الأميركية بالوكالة في أوكرانيا.

نقله إلى العربية: حسين قطايا

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.