"واشنطن بوست": في قمة "الناتو".. غزّة هي الفيل في الغرفة
بينما تجري مناقشات "الناتو" الساخنة بشأن أوكرانيا، يفرض العدوان الإسرائيلي على غزة نفسه على طاولة المناقشات، حيث نجحت الحملة المدمّرة في غزة بصرف الانتباه العالمي عن الحرب الأوكرانية وألهبت المشاعر إزاء النفاق الغربي.
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تنشر مقالاً للكاتب إيشان ثارور، يتحدّث فيه عن قمة الناتو التي تجري في واشنطن للاحتفال بذكرى تأسيس الحلف الـ 75. ويقول إنّ الحرب المدمّرة على غزّة ستفرض نفسها على طاولة المناقشات.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
تلوّح قضية واحدة في قمة حلف "الناتو" المنعقدة في مركز المؤتمرات العملاق في وسط مدينة واشنطن، وهي الحرب في أوكرانيا، بسبب محنة المنظومة الغربية التي من غير المتوقّع أن تمنح كييف عضوية الحلف، لكنّ الولايات المتحدة وحلفاءها سيحشدون خلفها حزمة من الالتزامات السياسية والأمنية الأخرى لمساعدة أوكرانيا على تحويل دفة الحرب في مواجهة روسيا.
ويأتي هذا بعد مناشدة كييف منذ أشهر لحلفائها الغربيين لتزويدها منصات الدفاع الجوي والذخائر لإحباط العملية الروسية، وكثّفوا من توسلاتهم في واشنطن.
وقال رئيس الأركان الأوكراني أندريه يرماك للصحافيين في واشنطن قبل القمة: "نحن نبحث عن القرارات الجادة والقوية من قمة الناتو وواشنطن حول أنظمة الدفاع الجوي المتطورة لأن الجبهة في أكثر اللحظات حرجاً"؟
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد أعلن عن خطط لتزويد أوكرانيا بمنظومة دفاعات جوية إضافية. ومع ذلك، في حين أنّ البيان الختامي للقمة، الذي من المقرّر أن يوقّع عليه جميع الوفود، قد يناقش مسار أوكرانيا نحو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره "لا رجعة فيه"، لم يتمّ تحديد إطار زمني لهذه العملية. ويقال إنّ بايدن متردّد بشأن ضمّ كييف إلى الحلف، وقد كلّف مساعديه بتضمين لغة في الوثيقة النهائية تشدّد على أوكرانيا من أجل التقدّم في الإصلاحات السياسية ومكافحة الفساد التي لا يزال عليها القيام بها.
إنّ ما ستحصل عليه أوكرانيا من هذه القمة هو أكثر من مجرّد مساعدات تجميلية وسوف تحسّن من الدفاع الأوكراني، بحسب تصريحات المسؤول السابق في البنتاغون لشؤون أوروبا جيم تاونسند الذي وصف الأمر بأنّه "أشبه بكأس نصف فارغة، أو كأس نصف ممتلئة".
وبينما تجري مداولات حلف شمال الأطلسي الساخنة بشأن أوكرانيا، يفرض العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر نفسه على طاولة المناقشات، حيث نجحت الحملة المدمّرة في غزة بصرف الانتباه العالمي عن الحرب الأوكرانية وألهبت المشاعر إزاء النفاق الغربي المزعوم الفاقد للحد الأدنى من المصداقيّة، حيث يشير العديد من المنتقدين إلى الفجوة بين الغضب الأميركي والأوروبي إزاء مهاجمة روسيا للمدن الأوكرانية وهدوئهم النسبي في حين تدمّر "إسرائيل" مراراً وتكراراً المرافق الطبية والمدارس في حربها على الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزة.
وفي قمة هذا الأسبوع، من غير المرجّح أن تثير غزة الكثير من التعليقات المهمة. رغم أنّ دولة واحدة على الأقل من الدول الأعضاء تعتزم أن تجعلها نقطة نقاش. فقبل وصوله إلى واشنطن، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي كان ينتقد "إسرائيل" بشدّة منذ بداية الحرب، إنّه يريد أن يسلّط الضوء على الكارثة في غزة "في القمة". وفي بيان له، أعرب عن أسفه لأنّ "المجتمع الدولي فشل في إيقاف إسرائيل عن الاستمرار في إبادة الفلسطينيين جماعياً"، وأضاف أنّه "من المستحيل أن يرتاح الضمير العالمي من دون إقامة سلام عادل ودائم في فلسطين".
ولكن لا يبدو أنّ مثل هذا السلام قريب المنال في الشرق الأوسط ولا في أوكرانيا، التي تأمل قيادتها المتعثّرة بشدة في تحويل مسار المعركة ضدّ آلة الحرب الروسية. ولكن غياب الضغوط الغربية ذات المغزى على نتنياهو أو إدانة بعض الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، كما زعم أحد كبار المندوبين الأتراك، يجعل احتضان حلف شمال الأطلسي العاطفي لأوكرانيا أكثر وضوحاً.
وفي مقابلة أجريت معه بداية الأسبوع في واشنطن، قال رئيس البرلمان التركي وحليف إردوغان نعمان كورتولموش إنّه "من الواضح أنّ هذا نفاق ومعيار مزدوج. إنّه نوع من العنصرية، لأنّه إذا لم تقبل الضحايا الفلسطينيين على قدم المساواة مع الضحايا الأوكرانيين، فهذا يعني أنك تريد خلق نوع من التسلسل الهرمي داخل الإنسانية، وهذا أمر غير مقبول".
في غضون بضعة أشهر فقط، أوقع القصف الإسرائيلي دماراً هائلاً في غزة، لا يقارن بحجم الدمار في أوكرانيا الذي وقع خلال سنوات. فلقد تمّ سحق مناطق مكتظّة بالفلسطينيين بأكملها، وإعادة الإعمار سوف تستغرق عقوداً من الزمن، والآن معظم سكان غزة نزحوا من منازلهم إلى العراء، وينقصهم الحد الأدنى من الماء والطعام وفقاً لخبراء الأمم المتحدة، الذين يتحدثون عن مجاعة كاملة وشاملة لكلّ سكان القطاع المنكوب.
لقد قتلت "إسرائيل" حتى الآن نحو 40 ألف فلسطيني، وفقاً للسلطات المحلية وتقديرات الأمم المتحدة. وكشفت مجلة "لانسيت" الطبية البريطانية المرموقة أنّ عدد الضحايا الحقيقي قد يصل إلى نحو 186 ألف فلسطيني، أي ما يقرب من 8% من سكان غزة، بما في ذلك المفقودون في أنقاض غزة والوفيات غير المباشرة، بسبب سوء التغذية والمرض وغير ذلك من الحالات الناجمة عن الصراع.
وفي مواجهة العدوان الإسرائيلي الهمجي، أعرب زعماء من بلدان الجنوب العالمي بالفعل عن قلقهم. وكتب الرئيس الإندونيسي المنتخب برابوو سوبيانتو في وقت سابق من هذا العام: "عندما غزت روسيا أوكرانيا، قاد الغرب حملة عالمية للإدانة، ودعا العالم إلى إدانة روسيا باسم حقوق الإنسان والقانون الدولي. ولكن اليوم، تسمح البلدان نفسها بصراع دموي آخر، هذه المرة في غزة".
في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، رفض الأمين العام لحلف شمال الأطلسي المنتهية ولايته ينس ستولتنبرغ الاتهامات الموجّهة إليه بـاستخدام "المعايير المزدوجة".
يسير خليفة ستولتنبرغ، مارك روته، الذي كان حتى وقت قريب رئيس وزراء هولندا لفترة طويلة، على خط محرج فيما يتصل بالحرب في الشرق الأوسط. إذ أعرب عن انتقاده للنهج الإسرائيلي في التعامل مع الحرب على غزة، ولكن المنتقدين يتهمونه أنّه قمع محاولة إدانة الحكومة الهولندية لـ "إسرائيل"، ربما من أجل تأمين صعوده إلى أعلى منصب في حلف شمال الأطلسي، لكنه نفى هذه الاتهامات.
ويذكر أنّه بعد أسابيع فقط من بدء الحرب، اتهمت مذكّرة مسرّبة من الملحق العسكري للسفارة الهولندية في "تل أبيب" "إسرائيل" فعلياً بالتخطيط لارتكاب جرائم حرب، مشيرة إلى أن "الجيش" الإسرائيلي، يتعمّد تدمير البنية التحتية لقطاع غزة وجعله غير قابل للعيش. وقال وزير الدفاع الهولندي في ذلك الوقت إن المذكّرة المسرّبة لا تمثّل السياسة الرسمية، ووصف بعض التقارير حول محتويات المذكّرة بأنها انتقائية و"غير عادلة". ولكنّ التسريب في حد ذاته كان بمثابة دليل على السخط الغربي المتزايد إزاء الاستمرار بجرائمها، وهذا السخط يهدّد بأن يصبح أكثر وضوحاً ويتضاعف مع مرور الوقت، ولكن لا تتوقّعوا أن تسمعوا عنه في واشنطن قريباً.
نقله إلى العربية: حسين قطايا