"هدسون": ماذا حلّ لـ "الجيش" الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر؟
في السابع من تشرين الأول/أكتوبر كان لدى "الجيش" الإسرائيلي تحت تصرّفه ترسانة متألّقة من الأسلحة الرائعة، لكن لم يكن لأي من هذه الأسلحة أي استخدام على الإطلاق ضد الفلسطينيين المسلحين بشكل رئيسي ببنادق الكلاشينكوف.
معهد "هدسون" البحثي ينشر مادة بحثية تتناول مقوّمات "جيش" الاحتلال الإسرائيلي، وأنموذج القتال الذي يعتمده، والذي أدّى إلى موته السريري كما وصفه قائد سابق في صفوفه.
أدناه مقتطفات من المادة البحثية نقلناها إلى العربية بتصرّف:
في 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما أبحرت طائرات شراعية تابعة لحماس فوق "السياج الذكي" الإسرائيلي الذي يبلغ طوله 40 ميلاً، والمزوّد بأحدث أنظمة الرادار، والمدافع الرشاشة التي تعمل بالتحكّم عن بعد، وأجهزة الاستشعار الموجودة تحت الأرض، لم تواجه على الجانب الآخر أي شكل من أشكال المقاومة العسكرية ذات المغزى من رابع أقوى قوة عسكرية على وجه الأرض. وبدلاً من الترحيب بهم بالدبابات والمروحيات والألوية المدججة بالسلاح، وجد الفلسطينيون أنفسهم في مهرجان "نوفا" الموسيقي.
لم يصدّق أحد من أصدقاء "إسرائيل" وأعدائها، عدم وجود ردّ عسكري منظّم على الهجوم الذي استمرّ لساعات، وبأسلحة خفيفة، وجرى خلاله الوصول إلى التجمّعات السكانية للإسرائيليين. تساءل الجميع: ماذا حدث لـ "جيش" الدفاع الإسرائيلي؟
الجواب هو أنّ "الجيش" الإسرائيلي، على مدى العقدين الماضيين، أعاد تشكيل نفسه عمداً من خلال تجريده من أصول القوة التقليدية، كالتشكيلات القتالية الكبيرة، والقوة النارية الساحقة، والدروع الثقيلة، التي يمكنها صد هجوم حدودي واسع النطاق.
لقد استبدلت "إسرائيل" جيشها القديم بجيش جديد، استناداً إلى نظريات جديدة في الحرب أصبحت متداولة في الغرب منذ 11 أيلول/سبتمبر. وتبنّت "إسرائيل" نهجاً عسكرياً أكثر حداثة يفضّل قوة "صغيرة وذكية" تعتمد على القوة الجوية الدقيقة، والقوات الخاصة، والاستخبارات التي تركّز على التكنولوجيا. ونتيجة لذلك، ومن دون استثناء تقريباً، فشل قادة "إسرائيل" في توقّع ليس فقط يوم 7 أكتوبر، بل وأيضاً نوع الحرب التي يخوضها الجيش الآن: صراع متعدّد الجبهات يتطلّب الاستيلاء على المواقع والأراضي والاحتفاظ بها على مدار أشهر وربما سنوات.
منذ سبعة أشهر، تقاتل قوات الدفاع الإسرائيلية في وقت واحد على سبع جبهات؛ في غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا، والعراق، وإيران، واليمن. وفي غزة، نشر الإسرائيليون تشكيلات كبيرة في المناطق الحضرية. وفيما يتعلق بالصراع مع حزب الله في لبنان، فقد استعدّوا للقيام بالمثل إذا اقتضت الظروف ذلك. لم يخطّط أحد لهذا النوع من الحرب، ونتيجة لهذا الافتقار إلى الرؤية والتخطيط المستقبلي، لا تمتلك "إسرائيل" هيكل القوة المناسب، أو القاعدة الصناعية التكنولوجية الدفاعية، أو التحالفات لضمان النصر على المدى الطويل.
ظهر جزء من الجدل داخل "إسرائيل" حول هذه الحقائق في أوائل نيسان/أبريل عندما كتب وزير المالية بتسلئيل سموتريش رسالة إلى رئيس الوزراء يحجب فيها دعمه لشراء سرب من طائرات "F-35" وسرب من طائرات "F-15" بقيمة 9.5 مليارات دولار. كما رفض سموتريش الموافقة على الشراء حتى عقدت الحكومة اجتماعاً للجنة المالية لفحص ميزانية الأمن. وقال إنّ "الحرب تتحدى العديد من الافتراضات الأساسية في الموازنات الأمنية وتتطلب تفكيراً متجدداً. بعد الحرب، تحتاج مؤسسة الدفاع إلى إضافات ضخمة في الميزانية".
بعض العيوب في نموذج إسرائيل "الصغير والذكي" جاءت مزيّنة بختم "صنع في إسرائيل"، ولكن تم استيراد الكثير منها من الغرب، وخاصة من كليات الحرب الأميركية حيث أرسلت إسرائيل منذ فترة طويلة ضباطها المحترفين للتدريب. لقد استعار الإسرائيليون من الأميركيين وغيرهم من أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الاعتقاد بأنّ الحروب الواسعة النطاق والمطوّلة بين الدول أصبحت شيئاً من الماضي.
وذكرت وثيقة استراتيجية بريطانية رسمية في عام 2010، أنّ "الصراع بين الدول لن يختفي، لكن طابعه بدأ يتغيّر بالفعل". وأضافت أنّ "التكتيكات غير المتماثلة مثل الإجراءات الاقتصادية والسيبرانية بدلاً من المواجهة العسكرية المباشرة سوف تؤدي دوراً متزايداً". وتسعى الدول إلى التفوّق على أولئك الذين يتفوّقون عليهم في القدرة العسكرية التقليدية. وبعبارة أخرى، فإن الحرب كما نتصوّرها عادة - أي عندما يواجه جيشان كبيران بعضهما البعض لمدة أشهر أو سنوات في ساحة المعركة، كما نرى في غزة وأوكرانيا اليوم - قد اختفت تقريباً، وقد حلت محلها سلسلة من المعارك الجارية القصيرة والحادة.
حروب كبيرة لن تحدث، هكذا كان التفكير، بسبب التفوّق التكنولوجي للدول الغربية. ويستند التقييم إلى افتراضين رئيسيين، وهما أنّ المزايا التكنولوجية تردع الدول؛ وأنّ التفوّق التكنولوجي في حد ذاته يمكن أن يكون العامل الوحيد المحدّد للنصر في الحرب. واعترافاً بهذا الافتراض، سوف نطلق على هذا النموذج العسكري، وهو النموذج الذي تبنّته أغلب قوى حلف شمال الأطلسي والإسرائيليون: "حرب النجوم".
إنّ نموذج "حرب النجوم" يعزّز الاعتقاد المضلّل بأنّ النموذج الجديد يلغي النموذج القديم، وهذا يعني أنّ التقنيات الناشئة، مثل الحرب الخوارزمية، تتفوّق على أصول القتال التقليدية، مثل الدبابات ومدافع "الهاوتزر". ولأنها تحل محل التشكيلات القتالية التقليدية، الضخمة والمكلفة، بقوات صغيرة ورشيقة، فقد وجد البيروقراطيون، الذين كانوا يبحثون دائماً عن سبل لخفض الميزانيات، أن نموذج حرب النجوم جذاب بطبيعته. فمن الذي لن يفضّل تسجيل ساعات تدريبه في محاكاة الواقع الافتراضي بدلاً من جرّ مدافع الهاوتزر عبر الوحل تحت المطر المتجمّد؟
ووفقاً لنموذج حرب النجوم، لم يكن لدى القوى الأدنى تكنولوجياً أي فرصة للفوز على القوى المتفوّقة تكنولوجياً، لأن العين الإلكترونية العظيمة في السماء لا تنام أبداً؛ وترى كل شيء. وقد ولّد التقدّم التكنولوجي حلم ضابط المخابرات: الشفافية الكاملة في ساحة المعركة المقترنة بتفوّق المعلومات الذي لا تشوبه شائبة على الخصم. ثم جاءت الطائرات الشراعية فوق السياج الذكي لـ "إسرائيل".
إنّ البديل الصحي لنموذج حرب النجوم، الذي فشل بشكل واضح ومذهل في ضمان أمن "إسرائيل"، هو "ماكس المجنون" أو "Mad Max". وينص هذا النموذج البديل على أنّ أنظمة الأسلحة الجديدة والقديمة سوف تندمج، وذلك بفضل المفاهيم المبتكرة للعمليات. يدرك هذا النموذج أنّ ساحة المعركة في القرن الحادي والعشرين هي موطن لدبابات "T-64"، التي خاضت معاركها الأولى في أوائل الستينيات، بالإضافة إلى الحرب الإلكترونية الحديثة.
لا تقلل أبداً من شأن الخصوم الأقل شأناً من الناحية التكنولوجية، كما ينصح نموذج "ماد ماكس". لن تكون الأدوات والأسلحة عالية التقنية أبداً العامل الوحيد أو حتى الأساسي الذي يحدّد الفائز في الحروب، وينطبق هذا القول المأثور بشكل خاص على حروب الشرق الأوسط.
النصر لا يأتي لمن يقتل أكبر عدد من جنود العدو، بل يأتي لمن يحوّل ما يحدث في ساحة المعركة إلى ترتيبات سياسية أكثر فائدة. فالخاسرون في ساحة المعركة يفوزون في كثير من الأحيان بالحروب، عن طريق نزف العمالقة إلى أن يصبحوا مرهقين للغاية بحيث لا يتمكّنون من مواصلة القتال. على سبيل المثال، في فيتنام، والحرب الأميركية في العراق وأفغانستان. فصحيح أنّ الولايات المتحدة تفوّقت على خصومها عسكرياً، لكنها خسرت الحروب برغم ذلك.
وتحت تأثير حرب النجوم، أهملت "إسرائيل" دورها من خلال السماح لقواتها البرية بالضمور. في عام 2018، اتخذ العميد رومان غوفمان، الذي كان آنذاك قائد اللواء المدرّع السابع، خطوة غير عادية تتمثّل في التعبير عن مخاوفه بشأن هذه القضية علناً أمام القيادة العليا للجيش الإسرائيلي، وقال إنّ عدم القتال يدخل الجيش في حالة "الموت السريري".
وفي السابع من تشرين الأول/أكتوبر ذاق الإسرائيليون ما كان يقصده غوفمان بـ"الموت السريري". كان لدى الجيش الإسرائيلي تحت تصرّفه ترسانة متألقة من الأسلحة الرائعة، بما في ذلك سرب كبير من طائرات "أف-35" المضادة للرادار، والتي كانت الأجيال السابقة تعتبر قدراتها مادة من الخيال العلمي. ولكن، كما تبيّن، لم يكن لأي من هذه الأسلحة أي استخدام على الإطلاق ضد الفلسطينيين المسلحين بشكل رئيسي ببنادق الكلاشينكوف.
نقلته إلى العربية: بتول دياب