"هآرتس": المقاطعة العالمية لـ "إسرائيل" تزداد زخماً وتأثيرها سيكون طويلاً
لقد بدأ صبر العالم ينفد إزاء سلوك "إسرائيل" في حرب غزة، ويتخذ خطوات مثل تقييد الصادرات، وإلغاء الاجتماعات المهنية، والتراجع عن المعاملات التجارية المخطط لها، وما إلى ذلك.
ليس للحكومة الإسرائيلية الحالية إنجاز واحد يُحسَب لها، بل هناك سلسلة طويلة من الإخفاقات والأضرار التي ألحقتها في كل الجبهات الممكنة: الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
في آذار/مارس 2023، عندما وافقت الحكومة على الإصلاح والشعار المصاحب له، لم يتخيل الوزراء أنّه بعد عام ستواجه "إسرائيل" موجة عارمة من القرارات الأوروبية، التي من شأنها الإضرار باقتصاد البلاد ومكانتها، في أعقاب الحرب في قطاع غزة.
في الأسابيع الأخيرة، تعرّضت "إسرائيل" لضربات شبه يومية بسبب القرار الذي تم اتخاذه في الخارج، والذي أدّى إلى تأكُّل ما كان يُعرف، حتى وقت قريب، باسم "دولة الشركات الناشئة"، وهي نقطة جذب للاستثمارات العالمية.
ويأتي كل إعلان من هذا القبيل في أعقاب إعلانات أخرى، الأمر الذي يخلق شعوراً بأنّ الشركات متعددة الجنسيات والدول الأوروبية في حاجة إلى معاقبة "إسرائيل"، أو على الأقل الابتعاد عنها.
في الصعيد الدبلوماسي، أعلنت إسبانيا والنرويج وآيرلندا، الأسبوع الماضي، اعترافها بالدولة الفلسطينية. وتدرس دول أوروبية أخرى تحركاتها، ويمكن أن تحذو حذوها. وفي إجراء مثير للغضب، على نحو خاص، أعلنت حكومة المالديف أنه لن يُسمح للإسرائيليين بدخول البلاد بعد الآن، على خلفية الحرب في غزة.
أما اقتصادياً، ففرض الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مقاطعة لتصدير البضائع والمواد الخام إلى "إسرائيل". ولم يكن ذلك مفاجئاً، في ظل عدائه لـ "إسرائيل"، لكن ما كان مفاجئاً هو القرار الذي اتخذته فرنسا بشأن إلغاء مشاركة "إسرائيل" في معرض الأسلحة والدفاع الأوروبي عام 2024، والمقرَّر عقده في باريس، في وقت لاحق من هذا الشهر، احتجاجاً على العملية التي يقوم بها "الجيش" الإسرائيلي في رفح.
يُعَدّ هذا الحدث واحداً من الأكبر من نوعه في أوروبا. ولدى شركات الأمن الإسرائيلية الكثير لتتباهى به هناك في هذا الوقت، بحيث تدفع الحرب الروسية - الأوكرانية عدداً من الدول الأوروبية إلى الحصول على أسلحة متقدمة. وسيكون لدى هذه الدول الأوروبية أيضاً ميزة كبيرة تنبع من حقيقة، مفادها أنّ منتوجاتها تُستخدم في الحرب الحالية في غزة، الأمر الذي يمكّنها من إظهار ما يمكن أن تفعله الذخائر في الوقت الفعلي. وحثّ وزير الأمن، بيني غانتس، رئيسَ الوزراء الفرنسي غابرييل أتال على إلغاء القرار الذي وصفه بأنه "جائزة للإرهاب".
وفي قطاع الأعمال، اتُّخذت مؤخراً عدة قرارات بسبب طول أمد الحرب، بينها القرار الذي اتخذته سلسلة المقاهي ومطاعم الفاست فود البريطانية "Pret a Manger" عبر الانسحاب من اتفاقية امتياز مع مجموعة التجزئة الإسرائيلية، "Fox"، من أجل فتح عشرات الفروع في "إسرائيل". وقالت "فوكس" إنّ السلسلة البريطانية أوضحت أنّ الحرب هي "قوة قاهرة"، من شأنها أن تؤثر في قدرتها على تنفيذ الإجراءات الأولية المطلوبة لبدء النشاط بناءً على اتفاقية الترخيص". ويبدو ذلك كأنه طريقة ملتوية للقول: لقد نجحنا في الاستمرار من دون أي نشاط في "إسرائيل" حتى الآن، وليس هناك سبب في إثارة غضب عملائنا المسلمين في أوروبا. وواجهت السلسلة بالفعل انتقادات من الجماعات المؤيدة للفلسطينيين، والتي تظاهرت خارج فروعها في لندن، وجمعت التواقيع على الالتماسات التي تطالب بمقاطعتها.
وتواجه شركة "ماكدونالدز" أيضاً مقاطعة عالمية أدّت إلى خفض مبيعاتها في جميع أنحاء العالم، وفقاً لتقاريرها.
كما واجه قطاع "الهايتك" (التكنولوجيا المتقدمة)، وهي المحرك الرئيس للاقتصاد الإسرائيلي صعوبات ناجمة عن الحرب، منها عدم القدرة على جلب الاستثمارات، بسبب الرأي العام الدولي نحو "إسرائيل".
سيكون للمقاطعة تأثير طويل المدى في تكاليف المعيشة والقدرة التنافسية. لقد شهدنا بالفعل ارتفاعات في الأسعار في الأشهر الأخيرة، كرد فعل على الحرب، بحيث قامت شركة "العال" رفع تكاليف التذاكر عندما توقفت شركات الطيران الأجنبية عن السفر إلى "إسرائيل"، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الشحن بسبب التهديد الصاروخي اليمني، وارتفاع أسعار العقارات وازدياد تكلفة الإنتاج بسبب نقص عمال البناء والزراعة.
تفاقم كل ما سبق بسبب الحكومة المشتتة التي فشلت في معالجة قضية تكلفة المعيشة. وإذا توسعت المقاطعة، فإنّ المستهلكين الإسرائيليين سوف يشعرون بها بصورة أعمق... انطلاقاً من جيوبهم.
نقلته إلى العربية: بتول دياب