"نيوزويك": لا تصدقوا آلة الحرب في واشنطن.. بوتين لن يغزو عضواً في الناتو
تقييم التهديد السنوي لعام 2024 الصادر عن مجتمع الاستخبارات يؤكّد أنّ روسيا لا تريد صراعاً عسكرياً مباشراً مع قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ونشاطها العسكري المستمر لا يصل إلى عتبة صراع عالمي.
مجلة "نيوزويك" الأميركية تنشر مقالاً للكاتبة ريبيكا كوفلر، وهي محللة استخباراتية عسكرية استراتيجية، تتحدث فيه عن ذريعة واشنطن التي تروّجها أمام الرأي العام والشعب الأميركي لتمويل الحرب في أوكرانيا بأنّها إذا لم تفعل ذلك فسيقوم الرئيس الروسي بمهاجمة دول أخرى غير أوكرانيا حليفة للناتو. وتطرح الكاتبة أدلة على أنّ هذه الذريعة غير صحيحة، بل تستخدم لإقناع الشعب الأميركي بمواصلة التخلي عن أمواله فحسب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
السبب الرئيسي وراء استمرار تدفق مليارات الدولارات نقداً وأسلحة إلى أوكرانيا هو أننا إذا لم نفعل ذلك فإن بوتين سوف يسير عبر أوروبا، فيغزو إحدى دول حلف شمال الأطلسي، مثل بولندا أو دول البلطيق. وفي هذه الحالة، سيتعين على الولايات المتحدة نشر قوات مسلحة لمحاربة الروس للدفاع عن الأوروبيين.
هذه هي الحجج التي استخدمها سياسيو الولايات المتحدة وزملاؤهم من المعلّقين في وسائل الإعلام لإقناع الشعب الأميركي بمواصلة التخلي عن أموالهم التي حصلوا عليها بشق الأنفس. في الواقع، حتى رئيس مجلس النواب مايك جونسون، الذي عارض تمويل المجهود الحربي في أوكرانيا، بصفته عضواً يمينياً عادياً، وقع مؤخراً على حزمة مساعدات خارجية ضخمة أخرى بقيمة 95 مليار دولار، تم تخصيص الجزء الأكبر منها لكييف.
وقال جونسون: "أعتقد أن فلاديمير بوتين سيواصل الزحف عبر أوروبا إذا سمح له بذلك"، مبرراً إنفاق 61 مليار دولار أخرى على ما يعتبره المحللون الجادون حرباً لا يمكن الفوز بها. وقال جونسون: "أعتقد أنه قد يذهب إلى دول البلطيق بعد ذلك، وأعتقد أنه قد يواجه بولندا أو أحد حلفائنا في الناتو".
ولكن هل هذا صحيح؟
تشير الأدلة إلى أن هذا التبرير لاستنزاف الخزانة وترسانة الأسلحة الأميركيتين يمثل عدم فهم لتفكير بوتين واستراتيجية روسيا الأمنية، وعدم كفاءة جهاز الأمن القومي لدينا. وفي أسوأ الأحوال، فهو كذبة يتم إقناع الشعب الأميركي بها.
إليكم لماذا من غير المرجح أن يقوم بوتين بغزو إحدى دول الناتو:
ينظر كثيرون في الغرب إلى بوتين باعتباره ديكتاتوراً متهوراً يحمل طموحات إمبريالية. وانطلاقاً من مسيرتي الاستخباراتية الطويلة في دراسة وتحليل تفكير بوتين وعقيدة روسيا في خوض الحرب واستراتيجيتها الأمنية، فأنا هنا لأقول إنّ بوتين عقلاني تماماً.
غزا بوتين أوكرانيا لمنعها من الانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي واستعادة المنطقة العازلة الاستراتيجية التي اعتمدت عليها موسكو لتحقيق أمنها لعدة قرون. في الواقع، لن يسمح أي قائد عسكري عاقل لتحالف معادٍ بأن يتموضع على طول أكثر من 1000 ميل من حدوده.
ولم يُخفِ بوتين قط أهدافه بالنسبة إلى أوكرانيا؛ ففي كل خطاب عام أو كتاب رسمي، أعلن الرجل الروسي القوي بوضوح أنّ دول ما بعد الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك أوكرانيا، محظورة على النفوذ الغربي، وقبولهم في حلف شمال الأطلسي سيكون بمنزلة تجاوز للخط الأحمر الذي وضعته روسيا.
علاوة على ذلك، فإن كل وثيقة تخطيط استراتيجي للاتحاد الروسي، مثل مفهوم السياسة الخارجية، واستراتيجية الأمن القومي، والعقيدة العسكرية وما شابه ذلك، في كل تكرار منذ عام 2000 وفي بعض الحالات منذ عام 1993، تدوّن أهداف موسكو الاستراتيجية المتمثلة في إعادة دمج قوات الدول الجيران ما بعد الاتحاد السوفياتي في تحالف تسميه موسكو الاتحاد الأوراسي.
وعلى النقيض من ذلك، لم يتم الإعلان عن أي خطط "لدمج" أو الاستيلاء على دولة عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي في أيّ من الوثائق العقائدية الرسمية الروسية أو الخطب الرسمية التي ألقاها بوتين أو الكرملين.
باعتباري ضابطاً سابقاً في وكالة استخبارات الدفاع، وواحداً من أفضل ثلاثة محللين في العقيدة والاستراتيجية الروسية الذين عملوا مع الخدمة السرية الوطنية التابعة لوكالة المخابرات المركزية، كان لديَّ إمكانية الوصول إلى المعلومات الاستخبارية الأكثر حساسية، بما في ذلك الاستخبارات السرية للغاية، ولم تكن هناك معلومات استخباراتية تكشف أو تشير إلى أنّ بوتين لديه مخططات بشأن أوروبا خارج نطاق دول ما بعد الاتحاد السوفياتي.
وإذا كان مثل هذه المعلومات الاستخبارية موجوداً، فمن المؤكد أنّه سيتم رفع السرية عنها على الفور، إذ قامت وكالات الاستخبارات في السنوات القليلة الماضية بشكل روتيني برفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية شديدة الحساسية إذا كانت تخدم غرض الطبقة السياسية. كما يقومون أيضاً بتسريب المعلومات الاستخبارية بشكل روتيني إلى وسائل الإعلام ذات الميول اليسارية، مثل "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز".
كذلك، لا يتضمن أي من تقييمات التهديد السنوية التي يصدرها مجتمع الاستخبارات، والتي ينشرها مكتب مدير الاستخبارات الوطنية على المستوى غير السري، بما في ذلك التقييم لعام 2024، تحليلاً يشير إلى أن بوتين قد يغزو دولة عضواً في الناتو.
والجدير ذكره أنّ تقييم التهديد السنوي لعام 2024 الصادر عن مجتمع الاستخبارات أكّد أنّ "روسيا لا تريد صراعاً عسكرياً مباشراً مع قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، ونشاطها العسكري المستمر لا يصل إلى عتبة صراع عالمي".
أيضاً، أجريت العديد من المناورات التي تحاكي حرباً بين روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وفي جميع السيناريوهات، تصاعد الصراع المحلي بين روسيا وجارتها ما بعد الاتحاد السوفياتي إلى حرب مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. ولم يتضمن أي سيناريو قيام روسيا بمهاجمة إحدى دول الناتو التي لا تعتبرها جزءاً من منطقتها العازلة الاستراتيجية.
وأخيراً، عرف قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي منذ وقت مبكر من عام 2013، وربما في وقت سابق، عن خطط بوتين لاستعادة محيط الأمن الاستراتيجي لروسيا. باعتباري مسؤولاً كبيراً سابقاً في مجتمع الاستخبارات الأميركي، أطلعت شخصياً موظفي الأمن القومي في البيت الأبيض في عهد الرئيس أوباما على خطط بوتين واستراتيجية روسيا في الحرب القتالية عدة مرات، كما أطلعت عدداً لا يحصى من كبار القادة العسكريين الأميركيين ومسؤولي البنتاغون، إضافة إلى وزراء الناتو والقادة العسكريين، بما في ذلك قبل أشهر فقط من استعادة بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014.
وبصفته نائباً للرئيس في ذلك الوقت، والشخص المرجعي في ما يتعلق بالسياسة الأوكرانية، ومهندس استراتيجية "إعادة ضبط" روسيا الفاشلة، كان لا بد من إعلام جو بايدن بتلك الإحاطات الاستخبارية.
وإذا كان أي شخص في القيادة العليا للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يعتقد أن بوتين سوف يغزو إحدى دول الناتو، فلماذا لم يعززوا الإنفاق الدفاعي هناك قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2022؟ وحتى يومنا هذا، تفشل غالبية دول الناتو في إنفاق نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
من الواضح أن بوتين ليس انتحارياً. إنّ غزو إحدى دول الناتو ليس جزءاً من أجندته. وإذا كانت النخب في واشنطن عازمة على الاستمرار في تمويل حرب أخرى إلى الأبد، ما يؤدي إلى إفقار الأميركيين العاديين، فيما يستعر التضخم في وطننا، فيجب عليهم اختيار عذر أكثر ذكاءً.
نقلته إلى العربية: بتول دياب