"لو فيغارو": "إسرائيل" تواجه وضعاً جديداً
حرب غزة غيرت مجرى الأمور. لقد اضطرت الأنظمة العربية، المقيدة بالرأي العام المتعاطف مع مصير الفلسطينيين، إلى تشديد خطابها تجاه "إسرائيل".
تحت عنوان:"في الشرق الأوسط، إسرائيل تواجه وضعاً جديداً"، كتب جان مارك غونان في صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية مقالاً تناول فيه فقدان الولايات المتحدة نفوذها السياسي لصالح إيران، معتبراً أن ما يجري في هذه المعادلة الجديدة التي أرستها الحرب على غزة يحمل دروساً كثيرة لما أسماها الدولة العبرية.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
الولايات المتحدة تفقد نفوذها
يبدو أن ما يجري اليوم بعيد كل البعد عن أيام "الدبلوماسية المكوكية" التي كان يقودها هنري كيسنجر عندما كان يجول ويصول في الشرق الأوسط بين "إسرائيل" والدول العربية في سبعينيات القرن العشرين. في ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة تحكم المنطقة وكانت لديها القدرة على استخدام الجزرة والعصا لتحقيق أهدافها وإجبار المتخاصمين على التوصل لتسوية. وفي عام 1978، استمرت هذه الجهود في ظل رئاسة كارتر، وأسفرت عن اتفاقيات "كامب ديفيد" بين مصر والدولة اليهودية.
وتظهر حرب غزة مدى النفوذ الذي خسرته الولايات المتحدة اليوم. صحيح أن زيارة جو بايدن أظهرت أن الولايات المتحدة لا تزال تلعب دور الوصي على "إسرائيل" إلى حد إرغام نتنياهو على تأخير الهجوم على غزة لحين الانتهاء من التفاوض على إطلاق سراح الرهائن. لكن من ناحية أخرى، على الجانب العربي، تعرض بايدن لانتكاسة: فبينما كان من المقرر أن يلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ألغى هؤلاء اللقاء.
كما اضطرت واشنطن لأن تطلب من مصر، التي تتلقى مساعدات عسكرية أميركية بقيمة 1.3 مليار دولار سنوياً، السماح لعدد قليل من شاحنات المساعدات الإنسانية بالمرور نحو غزة عبر معبر رفح الذي تسيطر عليه.
العرب آثروا اللحاق بفلسطين
قبل [هجوم حماس]، كانت المملكة العربية السعودية على وشك التوصل إلى اتفاق مع "إسرائيل" والولايات المتحدة لتمهيد الطريق لعلاقات دبلوماسية بين المملكة و"إسرائيل". وكانت هذه الاتفاقية بمثابة استكمال لما يسمى باتفاقيات "إبراهام" الموقعة عام 2020 والتي طبعت بموجبها كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب علاقاتها بـ "إسرائيل". وبعد أن نسي الفلسطينيون إلى حد كبير هذا الباليه الدبلوماسي، اعتقدوا بعد ذلك أن العالم العربي قد تخلى عن محاولة الدفاع عنهم.
لكن حرب غزة غيرت مجرى الأمور. لقد اضطرت الأنظمة العربية، المقيدة بالرأي العام المتعاطف مع مصير الفلسطينيين، إلى تشديد خطابها تجاه "إسرائيل". والأسوأ من ذلك: حتى مصر والأردن، الدولتان اللتان رحبتا باليد الإسرائيلية الممدودة، تبنتا موقفاً حازماً للغاية فيما يتعلق بعمليات الانتقام التي يشنها "الجيش" الإسرائيلي على غزة. ويكفي القول إن التقارب بين الرياض و"تل أبيب" يبدو أنه مؤجل إلى أجل غير مسمى من دون الأخذ حتى بعواقب العملية البرية ضد غزة والتي من شأنها أن تزيد من التوترات. إن الدول العربية، المتورطة في القضية الفلسطينية، لن تكون قادرة بعد الآن على تجاهلها كما فعلت في السنوات الماضية.
إيران إلى المناورة
في الوقت الحالي، تبدو إيران الرابح الأكبر من الأزمة التي أشعلتها حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. لقد قامت طهران بتسليح حماس وتجهيزها وربما تدريبها. ورغم أن النظام الإيراني شيعي وغير عربي، إلا أنه أثبت أنه نصير للقضية الفلسطينية، والعدو الأول لـ "إسرائيل". وبفضل حزب الله اللبناني، الذي يسلحه ويموله، فإنه يشكل أيضاً تهديداً مستمراً لحدود "إسرائيل" الشمالية، علماً أن الحزب بدأ بحشد جزء من قواته.
وزادت طهران من تحذيراتها في الأيام القليلة الماضية في حال نفذ "الجيش" الإسرائيلي عملية عسكرية في غزة. وأخذت واشنطن هذه التحذيرات على محمل الجد بنشر حاملتي طائرات في المنطقة ونحو ألفَي جندي من مشاة البحرية الجاهزين للحرب. ويشكك الكثيرون في إمكانية تدخل إيران بشكل مباشر في الأزمة. برأيهم، سيردعها انتشار القوات الأميركية والقوة النارية الإسرائيلية.
لكن إيران تفرض ببطء ثقلها السياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط بفضل حلفائها: [الأحزاب] الشيعية في العراق والنظام في سوريا والحوثيين (أنصار الله) في اليمن وحماس في غزة. بهدف واحد ألا وهو إخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. لا يبدو أن بايدن ينوي الخروج من المنطقة، لكن ماذا سيفعل ترامب الانعزالي إن فاز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل؟
نقلها إلى العربية: زينب منعم.