"فايننشال تايمز": "إسرائيل" ترتكب جرائم القتل المتعمد بحق الصحافيين في غزّة
الصحافيون في غزّة، يواجهون معاناة لا يمكن تصوّرها، ويتكبدون خسائر فادحة في الأرواح. كما يترافق قتل الصحافيين مع قتل الأطباء وعمّال الإغاثة والطوارئ والأساتذة وغيرهم من العاملين في المجالات الحيوية في المجتمع الغزّي.
تحت عنوان "مأساة الصحافيين في غزّة"، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالاً تناولت فيه جرائم القتل التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الصحافيين في غزة واصفة إياها بالمتعمدة.
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية
خلال عام واحد، تضاعف عدد العاملين في مجال الصحافة والإعلام الذين لقوا مصرعهم نتيجة الحرب على غزة.
تواصل الأزمة الإنسانية الكارثية في غزّة تفاقمها. فبعد 4 أشهر تجاوز عدد القتلى في الهجوم الذي تشنه "إسرائيل" ضد قطاع غزّة الـ28 ألفاً، وفقاً لمسؤولين فلسطينيين. ومع الغارات الجوية الإسرائيلية التي تعرّضت لها مدينة رفح خلال عطلة نهاية الأسبوع ووسط تحذيرات من هجوم أوسع على المدينة الحدودية الجنوبية المكتظة بأكثر من مليون شخص أجبروا على مغادرة منازلهم، فإنّ الوضع الإنساني الكارثي حتماً سيتفاقم. ولم يتبق في القطاع أي مكان آمن فيما يخيّم على سكانه البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة شبح المجاعة والأمراض.
ومع تدهور الأوضاع في القطاع، بات دور الصحافيين الشجعان الذين ينقلون للعالم ما يجري أكثر أهمية من ذي قبل. بيد أنّهم يواجهون معاناة لا يمكن تصوّرها ويتكبدون خسائر فادحة في الأرواح. وبحسب لجنة حماية الصحفيين، فإنّ عدد الأشخاص العاملين في مجال الصحافة الذين قُتلوا في الصراع بين "إسرائيل" وحماس يُعدّ أكبر من عددهم في دولة واحدة خلال عام واحد منذ أن بدأت اللجنة في تتبّع عمليات قتل الصحافيين في عام 1992.
بعض الهجمات التي استهدفت الصحافيين كانت متعمّدة. وتستشهد لجنة حماية الصحفيين وغيرها من اللجان بتقارير "موثوقة" صادرة عن منظمات حقوقية وإعلامية تُفيد بأنّ الغارات التي شنّها "جيش" الدفاع الإسرائيلي على جنوبي لبنان في 13 تشرين الأول/ أكتوبر والتي أسفرت عن مقتل الصحافي عصام عبد الله من وكالة "رويترز" وإصابة 6 آخرين، كانت غير قانونية ومتعمدة على ما يبدو؛ وهي تحقق في قضايا أخرى أيضاً. في المقابل نفت "إسرائيل" مزاعم استهدافها للمدنيين. وقد قدّمت منظمة "مراسلون بلا حدود"، وهي منظمة أخرى تحقق في مقتل الصحافيين في غزة، شكويين إلى المحكمة الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب مشتبه بها ضد الصحافيين في غزة.
هذا ويترافق قتل الصحافيين في غزة مع قتل الأطباء وعمّال الإغاثة والطوارئ والأساتذة وغيرهم من العاملين في المجالات الحيوية في المجتمع الغزّي. ففي أيّ صراع، يلعب المراسلون دوراً حيوياً في نقل فظائع الحرب وأهوالها إلى الرأي العام العالمي، بما في ذلك صناع القرار الذين يتحتّم عليهم قيادة العملية الدبلوماسية في محاولة لتحقيق السلام وبذل الجهود لتوفير المساعدات الإنسانية. وغالباً ما يكشفون عن التفاصيل الأولى للجرائم والفظائع المرتكبة التي تشكل في ما بعد أساساً للاتهامات التي توجهها جهة الادعاء.
وفي ظل منع "إسرائيل" دخول الصحافيين الأجانب إلى قطاع غزة إلا في جولات استعراضية يتم تنسيقها بحذر شديد مع "الجيش" الإسرائيلي، فإنّ العالم يعتمد على الصحافيين المحليين لتغطية ما يجري في الداخل. وهم يعملون في ظروف أقسى من تلك التي عايشها المراسلون العاملون في مناطق النزاعات على الإطلاق. وقد أجبروا أنفسهم على مغادرة منازلهم في القطاع المكتظ بالسكان الذي تقوم القوات الإسرائيلية بتسويته أرضاً، ويتواجد عدد كبير منهم حالياً في مدينة رفح. ومثل الغالبية العظمى من سكان غزة، فإنّ معظم الصحافيين محاصرون داخل القطاع المحاصر وترفض "إسرائيل" منحهم الإذن لمغادرة الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبالتالي، هم لا يؤدون عملهم فحسب، بل يناضلون أيضاً من أجل بقائهم وبقاء أسرهم على قيد الحياة.
ومقارنةً بالصعوبات الهائلة التي يواجهها المراسلون المحليون والأجانب في تغطية المعاناة في غزة، منحت "إسرائيل" تصاريح عمل لنحو 800 2 صحافي دولي وصلوا البلاد منذ تشرين الأول/ أكتوبر. ويتوجب على الدول الأجنبية أن تكثف ضغوطها على "إسرائيل" وعلى مصر في الجنوب للسماح بوصول وسائل الإعلام العالمية إلى غزة. كما ينبغي عليهم الضغط على أطراف النزاع لحماية الصحافيين باعتبارهم مدنيين وتذكيرهم بأن استهداف الصحافيين عمداً يُعد جريمة حرب.
فضلاً عن ذلك، يؤدي فقدان الكثير من الصحافيين وتدمير المكاتب الإعلامية إلى تحطيم الركيزة التي تقوم عليها وسائل الإعلام الفاعلة بمجرّد انتهاء الصراع. وهذا مثال آخر على الضرر الذي لحق بنسيج الحياة البشري والمادي في غزة. ومن دون وقف فوري لإطلاق النار، سيندثر كل ما في القطاع قريباً.
نقلتها إلى العربية: زينب منعم.