"فايننشال تايمز": الكرد في سوريا يخشون خيانة الولايات المتّحدة في عهد ترامب
قامت الولايات المتّحدة بتسليح "قوّات سوريا الديمقراطية"، لكنّ عودة دونالد ترامب إلى منصب الرئاسة تثير تساؤلات حول المدّة التي سيستمرّ فيها دعم واشنطن لهؤلاء.
هيئة تحرير صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر تقريراً تحدثت فيه عن الخشية لدى كرد سوريا من أن تتخلى عنهم إدارة الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب، تماماً كما حصل مع كرد العراق الذين تخلّت عنهم واشنطن بعد تحقيق أهدافها.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
يواصل المسلّحون السوريون الذين ساعدوا إلى إطاحة حكومة دمشق منذ نحو أسبوع هجومهم البعيد عن الإعلام ضدّ "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية، المدعومة من الولايات المتّحدة، بينما تعدّها أنقرة تهديداً خطيراً، وتدعم المهاجمين من "الجيش السوري الحرّ".
وكان الكرد السوريون الذين يشكّلون نحو 10% من سكّان البلاد، قد استطاعوا خلال سنوات الحرب السورية السيطرة على مناطقهم، لكنهم يخشون الآن أن ينتهي بهم الأمر إلى وضع أسوأ من السابق، في ظلّ حكومة يقودها المتمرّدون بدعم من عدوّتهم تركيا، التي بدورها تراهم امتداداً لـ "حزب العمّال الكردستاني" التركي، الجماعة المسلّحَة التي تقاتلها أنقرة منذ 4 عقود.
في مرحلة سابقة، قامت الولايات المتّحدة بتسليح "قوّات سوريا الديمقراطية" لمحاربة تنظيم "داعش"، لكنّ عودة دونالد ترامب إلى منصب الرئاسة تثير تساؤلات حول المدّة التي سيستمرّ فيها دعم واشنطن لهؤلاء. ولقد استخدمت الولايات المتّحدة الجماعات الكردية لعقود من الزمن كجنود في العراق وسوريا، ثمّ توقّفت عن دعمهم بمجرّد انتهاء فائدتها منهم، وهي النتيجة التي يخشاها بعضهم ما يعرّضهم للمخاطر، ويتيح لتنظيم "داعش" إعادة تجميع صفوفه.
الخبير في شؤون الشرق الأوسط ريناد منصور قال إنّّ "الكرد في سوريا في وضع حرج للغاية الآن، وهم مرتبطون بحزب العمال الكردستاني، ما يفضي إلى صراعهم مع تركيا، فهم لا يملكون حلفاء حقيقيّين في أيّ مكان ينظرون إليه". ويضيف منصور أن الكرد "يعتمدون على علاقتهم بالولايات المتّحدة التي تنظر إليهم كأصول عندما يكون ذلك مناسباً لها، وهذا يزيد مخاوفهم من أن ينظر إليهم على أنّه يمكن التضحية بهم".
ويبلغ عدد الكرد نحو 40 مليون نسمة في مختلف أنحاء المنطقة، ويتوزّعون بين العراق وإيران وسوريا وتركيا. وقد ظهرت بينهم آمال الاستقلال في إطلاق عدد من الحركات المسلّحة من ضمنها "حزب العمال الكردستاني" في تركيا. وخلال الحرب في سوريا التي بدأت في عام 2011، أعطت الميليشيات الكردية الأولويّة للسيطرة على مناطقها على محاربة حكومة دمشق. وقد عدّتهم الولايات المتّحدة حلفاء طبيعيّين في الحرب ضدّ تنظيم "داعش"، الذي سيطر على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق في عام 2014. أيضاً، الأحزاب الكردية العراقية تبدي رغبتها في إقامة دولة مستقلّة، على الرغم من أنّ حكومة أربيل شبه المستقلّة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ببغداد.
لقد تشكّلت "قوات سوريا الديمقراطية" من الجماعات التي درّبتها وسلّحتها واشنطن تحت اسم "وحدات حماية الشعب" ومن فصائل كردية أخرى، عملوا معاً كجنود مشاة خلال الحملة الجوّية الأميركية ضدّ تنظيم "داعش"، ويبلغ تعداد مقاتليها الآن نحو 100 ألف يسيطرون على نحو 25 إلى 30% من الأراضي السورية، ومعظم المنطقة الواقعة شمال شرق نهر الفرات.
لكن تسلّم ترامب منصبه في الشهر المقبل، يجعل استمرار الدعم الأميركي مشكوكاً فيه. وكان ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى قد أمر القوّات الأميركية بالانسحاب من شمال سوريا، الأمر الذي ترك "قوّات سوريا الديمقراطية" عرضةً لتوغّل من تركيا، التي شنت عدّة هجمات ضدّهم على مدى العقد الماضي. وكان قرار ترامب الخروج من سوريا قد دفع إلى عدداً من كبار المسؤولين الأميركيين من ضمنهم وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس إلى تقديم استقالاتهم. مع ذلك، لا تزال الولايات المتّحدة تحتفظ بنحو 900 جندي من القوّات الخاصّة في المنطقة، وتوفّر الغطاء الجوّي والمعلومات الاستخبارية لـ "قوّات سوريا الديمقراطية"، في وقت أشار ترامب مرّة أخرى إلى نفوره من استمرار وجود الجنود الأميركيين في سوريا، وقد غرّد على منصّةِ "إكس" بأحرف كبيرة قائلاً: "لا ينبغي للولايات المتّحدة أن يكون لها أيّ علاقة بهذا الأمر، لا تتدخّلوا".
المتحدّث باسم "قوّات سوريا الديمقراطية" في سوريا فرهاد شامي قال إنّّ "البعض يرى تكراراً محتملاً لنمط قديم، وبصراحة نحن خائفون من حدوث الشيء نفسه مرّة أخرى ونخشى انسحاب الولايات المتّحدة". مع ذلك، لطالما شجّعت واشنطن الانتفاضات الكردية في العراق منذ منتصف سبعينيّات القرن الماضي وأثناء حرب الخليج عام 1991، ولكنّها سُرعان ما أوقفت دعمها لهم بمجرّد تحقيق أهدافها، الأمر الذي جعل الكرد أهدافاً للانتقام.
وتدرس الولايات المتّحدة الآن التعاون مع الجماعات المتمرّدة المنتصرة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، التي تحالفت مع "الجيش الحرّ" في الهجوم ضدّ نظام الأسد وقد شكّلت حكومة مؤقّتة في دمشق. كلّ ذلك في وقت أوضح الرئيس ترامب ما يفضّله، وبعد أسابيع قليلة حين يتسلّم مهماته في البيت سيكون حريصاً على الخروج من سوريا كما كان في الماضي، وهو على استعداد لإعطاء الكثير من حرّية العمل للرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
لكن، ما المختلف في هذه المرّة، حسب ما يقول جون ألترمان من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" في واشنطن أنّ "الولايات المتّحدة حاولت ثني أنقرة عن مهاجمة "قوّات سوريا الديمقراطية"، لكنّ تركيا لا تحيد عن استهداف ما تعدّه "تهديداً لأمنها". وفي الأسبوع الماضي، هاجم "الجيش الحر" مدينة منبج لانتزاعها من تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، التي أسقطت طائرة مسيّرة تركية اعترفت بها أنقرة، لكنّ المعارك أسفرت عن انسحاب المقاتلين الكرد عقب وقف لإطلاق النار توسّطت فيه الولايات المتّحدة مع "الجيش الحرّ". لكنّ المعارك العنيفة استمرت بالقرب من سد تشرين على نهر الفرات. كما تعرّضت القوات الكردية في مدينة كوباني لقصف مدفعي وطائرات مسيرة هجومية. وفي الشرق، أخلت "قوّات سوريا الديمقراطية" مراكزها في مدينة دير الزور الحيوية والقريبة من الحدود العراقية، والتي سيطرت عليها "هيئة تحرير الشام". وقال أحد المسؤولين الكرد إنّه "ربّما كان هناك اتّفاق ما في الكواليس للخروج الآمن للمقاتلين الكرد من دير الزور وحلب"، إذ لم تقع أيّ معارك بين المجموعتين.
إنّ ما هو على المحكّ في سوريا هو شكلها المستقبلي، في حين يتطلّع الكرد السوريون إلى الحكم الذاتي في إطار نظام اتّحادي "فيديرالي"، تتزايد مخاوفهم العميقة مع باقي المكوّنات في سوريا حول كيفية تخطيط "هيئة تحرير الشام" للحكم، خصوصاً أنّ جذورها متّصلة بتنظيم "القاعدة". كذلك إنّ النقاش حول سوريا الجديدة قد يؤدّي إلى تفاقم الاستياء المستمرّ داخل البلاد، فضلاً عن الخلافات بين الولايات المتّحدة وحليفتها تركيا. وعلى ما يبدو، من الممكن الاتّفاق على الاختلاف عندما تكون سوريا مقسّمة، ولكن عندما تبدأ عملية التكامل، سوف تصل الأمور إلى ذروتها عند هذه النقطة.
وتخشى تركيا أن يؤدّي الحكم الذاتي للكرد في سوريا إلى تأجيج التطلّعات الانفصالية بين سكّانها الكرد الأكثر عدداً في تركيا من سوريا. والواقع أنّ العلاقات الوثيقة بين "قوّات سوريا الديمقراطية" و"حزب العمال الكردستاني"، الذي شنّ حملة مسلّحة من أجل الحكم الذاتي داخل تركيا، جعلتها "النقيض الحقيقي لنظرة الدولة التركية للعالم"، هذا ما قاله مسعود يجين من "معهد الإصلاح الفكري" في إسطنبول. وذكر أنّ "تركيا لا تستطيع أن تتسامح مع فرع لجماعة تقاتلها منذ 4 عقود، وأن يكون لها سلطة مهيمنة قريبة من حدودها. وقوّات سوريا الديمقراطية لا تشكل تهديداً عسكرياً لتركيا، لكنّ نجاحها يعني هزيمة لها".
وتصرّ تركيا، التي من المرجح أن تصبح بعد سقوط نظام الأسد الجهة الأجنبية الأكثر نفوذاً في سوريا، منذ فترة طويلة على بقاء المقاتلين الكرد إلى الشرق من نهر الفرات، حيث تحتفظ القوات الخاصّة الأميركية بقاعدة عسكرية.
يشعر الساسة الأميركيون بالقلق من أنّ ما يحدث لحليفهم الكردي قد يكون حاسماً، في وقت لا تزال "قوات سوريا الديمقراطية"، تدير مراكز سجون عناصر "داعش" ومخيّم الهول الذي يضمّ عائلاتهم. وقال عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي كريس فان هولن، لصحيفة "فايننشال تايمز" في الأسبوع الماضي، "يتعيّن علينا أن نركّز بجلاء على مصالح أمننا القومي، وعلى رأس هذه القائمة منع عودة داعش. وسيكون من المهمّ على نحو خاصّ أن نستمرّ في دعم شركائنا الكرد السوريين، وأن نوضّح أنّنا لن نتخلى عنهم في هذا الوقت".
نقله إلى العربية: حسين قطايا