"وول ستريت جورنال": السعودية تحدّت تحذيرات واشنطن في شأن خفض إنتاج النفط

قال مسؤولون أميركيون إن خفض إنتاج "أوبك بلاس" سينظر إليه على أنه انحياز سعودي لروسيا، في انتكاسة جديدة للعلاقات السعودية الأميركية.

  • مقر منظمة أوبك في فيينا.
    مقر منظمة أوبك في فيينا.

تناولت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في تحقيق مطول لها قرار مجموعة "أوبك بلاس" النفطية خفض إنتاجها في تحدٍ للضغوط الأميركية

وقالت الصحيفة: قبل أيام من قيام أوبك وحلفائها بقيادة روسيا بخفض كبير في إنتاج النفط، ناشد المسؤولون الأميركيون نظراءهم في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الخليجية من منتجي النفط الكبار إرجاء القرار شهراً آخر، وذلك وفقاً لمطلعين على المحادثات. وكان الجواب: لا.

وأضافت الصحيفة أن المسؤولين الأميركيين حذروا القادة السعوديين من أن الولايات المتحدة ستنظر إلى الخفض على أنه خيار واضح لوقوف الرياض إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا وأن هذه الخطوة ستضعف الدعم المتضائل فعلاً في واشنطن للمملكة.

 

ورفض المسؤولون السعوديون مطالب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي عدوها مناورة سياسية من قبلها لتجنب الأخبار السيئة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي التي ستحدد من سيسطر عل الكونغرس، إذ كان ارتفاع أسعار الغاز والتضخم من القضايا المركزية في الحملة. وبدلاً من ذلك، قالت المصادر إن السعودية اعتمدت على حلفائها في "أوبك" للموافقة على الخفض، الذي يهدف إلى تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً.

ورفضت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، مزاعم السعودية أن جهود إدارة بايدن مدفوعة بحسابات سياسية. وشكك المسؤولون الأميركيون في تحليل سعودي قال إن سعر النفط على وشك الانخفاض، وحضّوهم على الانتظار ورؤية رد فعل السوق. وأبلغ المسؤولون الأميركيون نظراءهم السعوديين أنه إذا انهار السعر، فيمكن حينذاك أن تستجيب"أوبك بلاس" متى احتاجوا.

وقالت واتسون "من الخطأ ربط هذا بالانتخابات الأميركية، والأمر يتعلق بتأثير هذا القرار قصير النظر في الاقتصاد العالمي".

وكان بايدن قد زار السعودية في تموز/يوليو الماضي بهدف إصلاح العلاقة بالمملكة.

وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي أمس الثلاثاء إن الرئيس بايدن يعتقد أن على الولايات المتحدة مراجعة العلاقة بالمملكة العربية السعودية في ضوء قرار "أوبك بلاس"، لمعرفة ما إذا كانت هذه العلاقة في المكان الذي يجب أن تكون فيه وأنها تخدم مصالح أمننا القومي. وأشار إلى أن بايدن مستعد لمناقشة العلاقات الثنائية الأميركية السعودية مع أعضاء الكونغرس.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الثلاثاء، إن قرار "أوبك بلاس" اقتصادي بحت، وليس له أبعاد سياسية. وقال في مقابلة تلفزيونية إن التحالف يسعى لاستقرار أسواق الطاقة وتعزيز مصالح المنتجين والمستهلكين. وأكد "أن العلاقات بالولايات المتحدة طويلة الأمد واستراتيجية وأن التعاون العسكري بين البلدين ساهم في السلام والاستقرار في المنطقة".

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين أميركيين قولهم إن قرار "أوبك بلاس" لم يكن مفيداً لأن التضخم المدفوع بارتفاع أسعار الطاقة يهدّد النمو العالمي ويمثّل سلاحاً اقتصادياً بيد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد الغرب. ويهدد القرار برفع أسعار البنزين الأميركي قبل حلول انتخابات الكونغرس النصفية في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وأشارت الصحيفة إلى أن التأخير شهراً واحداً الذي طلبته واشنطن كان سيعني خفض الإنتاج في الأيام التي تسبق الانتخابات، وهو أمر سيكون متأخراً ليكون له تأثير كبير في محافظ المستهلكين قبل اقتراعهم الانتخابي.

منذ قرار "أوبك بلاس"، تعهد البيت الأبيض بمحاربة سيطرة أوبك على سوق الطاقة. ودعا مشرعون أميركيون من مختلف الأطياف السياسية إلى وقف مبيعات الأسلحة للسعودية. وبدأ المسؤولون الأميركيون يبحثون عن طرق لمعاقبة الرياض، بحسب "وول ستريت جورنال".

وفي أحد ردودهم الأولى، قال مسؤولون أميركيون إن إدارة بايدن تدرس ما إذا كانت ستنسحب من المشاركة في منتدى الاستثمار "لمبادرة الاستثمار المستقبلية" في السعودية في وقت لاحق هذا الشهر. وبحسب مطلعين على الأمر، انسحبت الولايات المتحدة من اجتماع مجموعة عمل بشأن الدفاعات الإقليمية سيعقد الأسبوع المقبل في مجلس التعاون الخليجي، الذي مقره المملكة.

كانت زيارة بايدن للسعودية في تموز/يوليو تهدف إلى إصلاح العلاقات بعد أن دخل الرئيس بايدن إلى منصبه متعهداً بمعاملة المملكة باعتبارها منبوذة بسبب حقوق الإنسان، ومقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي عام 2018 على يد عملاء سعوديين.

وأصبحت صور المصافحة بالقبضة بين بايدن وولي العهد الأمير محمد بن سلمان رمزاً للاستقطاب السياسي في الرحلة.

ونقلت الصحيفة عن أشخاص في الحكومة السعودية قولهم إن زيارة بايدن للمملكة في تموز/يوليو لم تأتِ بشيء يذكر لتغيير تصميم الأمير محمد على رسم سياسة خارجية مستقلة عن النفوذ الأميركي، في خروج عن نحو 80 عاماً من الشراكة الأميركية السعودية.

وكشف أشخاص في الحكومة السعودية للصحيفة أن الزيارة أغضبت الأمير محمد، الذي أزعجه كشف بايدن علناً تعليقاته الخاصة للعائلة المالكة السعودية بشأن مقتل خاشقجي، ما دفع المسؤولين السعوديين إلى التناقض العلني مع تصريحات بايدن حول تفاعلهم.

وقال المسؤولون الأميركيون إنهم لا يرون مؤشّرات في محادثاتهم مع القادة السعوديين في الأشهر الأخيرة إلى أن تعليقات بايدن حول خاشقجي قد أضرت بالعلاقات.

الأمير محمد بن سلمان، الذي يدير المملكة فعلياً لمصلحة والده الملك سلمان،حاول تعظيم القوة الاقتصادية للسعودية. فمع ارتفاع أسعار الطاقة، يقدر صندوق النقد الدولي النمو الاقتصادي للمملكة هذا العام بأكثر من 10٪، مما يجعلها واحدة من أفضل الاقتصادات أداءً على مستوى العالم.

ونقل أشخاص داخل الحكومة السعودية أن الأمير محمد قال لمستشاريه إنه ليس على استعداد للتضحية كثيراً من أجل إدارة بايدن، مستشهدين بوجهة نظرها النقدية للحرب السعودية على اليمن، وسعيها لإبرام اتفاق نووي مع إيران تعارضه الرياض، وتعليقات بايدن الخاصة بشأن ولي العهد.

في آب / أغسطس الماضي، كان السعوديون يخططون لدفع "أوبك بلاس" إلى زيادة إنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يومياً في محاولة لإرضاء بايدن، لكن الأمير محمد أمر بخفض الزيادة إلى 100 ألف برميل يومياً بعد زيارة بايدن، كما كشف أشخاص داخل الحكومة السعودية للصحيفة الأميركية.

وأضاف مطلعون على الأمر أن مبعوث وزارة الخارجية الأميركية لأمن الطاقة، آموس هوكستين، بعث برسالة إلكترونية إلى وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان تشير إلى أنه خالف وعده بزيادة أكبر للإنتاج النفطي. وأشار هؤلاء المطلعون إلى أن الرسالة الإلكترونية أغضبت الأمير عبد العزيز وعززت تصميمه على صوغ سياسة نفطية مستقلة عن الولايات المتحدة.

 

في أيلول/سبتمبر الماضي، صمم الأمير عبد العزيز أول خفض في إنتاج ـ"أوبك بلاس" منذ تفشي وباء كورونا، ما أدى إلى إزالة 100 ألف برميل يومياً وهي الزيادة التي تمت في آب/أغسطس. بعد ذلك، وقبل اجتماع "أوبك بلاس" في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر الجاري، اتصل الأمير عبد العزيز بوزراء النفط الخليجيين وحضهم على دعم خفض أكبر، حسبما قال مندوبو "أوبك بلاس".

وأشار مندوبو "أوبك بلاس" إلى خطة غربية لتحديد سقف أسعار النفط باعتبارها اعتداء مباشراً على منتجي الخام. وذكر المندوبون أن الأمير عبد العزيز قال لوزيرين، على الأقل، من وزراء النفط الخليجيين في مكالمات هاتفية: "نحن ضدهم".

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مطلعين على الأمر أن المسؤولين الأميركيين شنوا حملة ضغط مكثفة لإقناع السعودية بتأجيل خططها. وأوضحوا أن مسؤولي البيت الأبيض أجروا مكالمات متعددة مع الأمير محمد بن سلمان، وتحدثت وزيرة الخزانة جانيت يلين إلى وزير المال السعودي.

وقالت مصادر مطلعة إن الإمارات العربية المتحدة، وهي منتج مهم آخر في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، عارضت خفض الإنتاج ودعت سراً إلى تأجيله شهراً تماشياً مع الطلبات الأميركية. وقالت المصادر: في الأيام التي سبقت اجتماع "أوبك بلاس" في 5 تشرين الأول/أكتوبر في فيينا، تواصل المسؤولون الإماراتيون على نحو مكثف مع نظرائهم السعوديين والأميركيين في محاولة لمنع قرار الخفض.

وقال مسؤولون أميركيون وإقليميون إن الكويت والعراق والبحرين تراجعت في السر ضد الخفض المقترح، بذريعة أنه قد يؤدي إلى ركود من شأنه أن يضعف الطلب على النفط، لكن كل هذه الدول مضت في النهاية في تبني القرار من أجل الحفاظ على الوحدة داخل "أوبك بلاس".

وقال مسؤولون أميركيون إنهم فوجئوا بمقدار الخفض، معتقدين أن "أوبك بلاس" ستخفض مليون برميل فقط في اليوم. وقال مندوبون في "أوبك بلاس" إن روسيا ضغطت على السعوديين لخفض الإنتاج. ووصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف قرار "أوبك بلاس" بأنه "عمل متوازن ومدروس ومخطط للبلدان (المنضوية في التحالف)".

وقال البيت الأبيض إن قرار "أوبك بلاس" يظهر أن المنظمة متحالفة بوضوح مع روسيا الآن. وحذر المسؤولون الأميركيون من أن الخطوة السعودية قد تعرض أكثر من 100 مليون دولار من المبيعات العسكرية الأجنبية النشطة التي تسعى الرياض للحصول عليها من الولايات المتحدة.

وأعلن المشرعون الأميركيون عن خطط لإعادة تقديم مشروع قانون للتعليق الفوري لمبيعات الأسلحة إلى السعودية. وقال مسؤولون أميركيون إن أي آمال للسعوديين في الحصول على مزيد من الصواريخ الموجهة بدقة من الولايات المتحدة قد تلاشت تقريباً.

وأضافت الصحيفة أن بعض المشرعين الأميركيين يريدون سحب القوات الأميركية من المملكة. ويؤيد زعماء مجلس الشيوخ الأميركي من كلا الحزبين مشروع قانون من شأنه أن يسمح لوزارة العدل بمقاضاة السعودية ودول أخرى في "أوبك بلاس" بتهمة تحديد الأسعار بشكل غير قانوني. ومن بين أولئك الذين طالبوا الولايات المتحدة بمعاقبة السعودية على هذه الخطوة السناتور الديمقراطي روبرت مينينديز، الذي تعهد باستخدام منصبه كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لمنع أي مبيعات أسلحة مستقبلية للمملكة. 

وقال مينينديز: "ببساطة ما من مجال للعب على جانبي هذا الصراع فإما أن تدعم بقية العالم الحر في محاولة منع مجرم الحرب (في إشارة إلى بوتين) من محو بلد كامل بعنف من على الخريطة، وإما تدعمه.. اختارت السعودية الخيار الثاني في قرار مروع مدفوع بمصالح ذاتية اقتصادية".

وقال بايدن في مقابلة مع قناة "سي إن إن" الأميركية أمس الثلاثاء إن على الولايات المتحدة إعادة التفكير في علاقتها بالسعودية. ودافع بايدن عن زيارته للمملكة في تموز/يوليو الماضي، قائلاً إنه لم يذهب للحديث عن النفط، ولكن عن الشرق الأوسط.

وأشار إلى أنه عندما ينعقد الكونغرس في جلسة "فستكون هناك بعض العواقب لما فعلوه (السعوديون) مع روسيا".

وقال مسؤولون سعوديون إن خفض إنتاج "أوبك بلاس" ضروري لحماية اقتصادهم. فبحلول تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تراجعت أسعار النفط أكثر من 30% عن سعر الذروة في حزيران/يونيو، وكانت الأسعار مهددة بالانخفاض إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل. ومن المرجح أن تحتاج السعودية إلى ما يتراوح من 76 و78 دولاراً كسعر للبرميل لموازنة ميزانيتها العام المقبل، كما يتوقع الاقتصاديون.

وجرى تداول خام برنت عند 94.01 دولاراً يوم أمس الثلاثاء، مرتفعاً 13% مذ وصل إلى مستوى منخفض بلغ 82.86 دولاراً في 26 أيلول/سبتمبر الماضي.

وقال المسؤولون السعوديون لنظرائهم الأميركيين إنهم يعتقدون أن سوق النفط يمكن أن ينهار إذا لم يتحركوا، وينخفض ​​إلى البرميل 50 دولاراً، وهي خطوة كانوا يخشون أن تعرض خطة رؤية المملكة 2030 الاقتصادية لتنويع اقتصادها للخطر، كما قال مطلعون على الأمر.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وأشخاص في داخل الحكومة السعودية قولهم إنه لإغراء السعوديين بتأجيل قرارهم، أبلغ المسؤولون الأميركيون المملكة أنهم سيشترون النفط من السوق لتجديد المخزونات الاستراتيجية لواشنطن إذا انخفض سعر خام برنت، وهو المعيار الدولي الرئيس، إلى 75 دولاراً للبرميل. فمثل هذا الشراء الأميركي المهول للنفط كان يمكن أن يضع سقفاً أدنى للأسعار. لكن السعوديين رفضوا العرض.