"هآرتس": نتنياهو يضحّي بالاستقرار الأمني والسياسي لصالح الهروب من محاكمته

صحيفة "هآرتس" تتحدّث عن "هذيان" في توزيع الحقائب الوزارية في حكومة بنيامين نتنياهو، وتضحية الأخير بالاستقرار الأمني بتعيينه وزراء لم يخدموا في "الجيش" الإسرائيلي أو خدموا خدمة مقلّصة، وذلك ليتهرب من محاكمته.

  • "هآرتس": قد يجد نتنياهو نفسه في غضون أشهر أمام أزمة أمنية خطيرة 

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تنشر مقالاً لمحلل الشؤون العسكرية عاموس هرئِل، تحدّث خلاله عن احتمال نشوء وضع غير مسبوق في "الكابينت" الإسرائيلي بتعيين أعضاء لم يخدموا في "الجيش" الإسرائيلي أو خدموا خدمة مقلّصة فقط، الأمر الذي سيهدّد الاستقرار الأمني، وذلك لأنّ بنيامين نتنياهو يعتقد ألاّ خيار آخر له، من أجل إزالة التهديد القضائي المنعكس عليه، واصفاً ذلك بـ "الهذيان". 

وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية: 

سلسلة أخبار الأسبوع الماضي هدفت إلى عرض تطبيعٍ تدريجي للذي لا يُعقل. توزيع الحقائب الذي كان يمكن أن يُعتبر لغاية الانتخابات هذياناً – إيتامار بن غفير للأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش للأمن – مرّ بعملية شرعنة سريعة من خلال تقطيرٍ محسوب لتسريبات إلى وسائل الإعلام. تعيين مجرم مُدان، بن غفير، مسؤولاً وزارياً عن كل أنشطة الشرطة، يكاد لا يثير أي دهشة. المحللون السياسيون منهمكون جداً في تفاصيل البيع والشراء بين رئيس الحكومة العتيد، بنيامين نتنياهو، وبين شركائه الائتلافيين. 

إمكانية أن يحصل سموتريتش على حقيبة الأمن، إضافةً إلى حقيبة الأمن الداخلي والعضوية في الكابينت لبن غفير، تُقدّم الآن على أنّها بالتأكيد سيناريو ممكن. إذا لم يحدث هذا في نهاية المطاف، يبدو أنّ السبب سيكون مرتبطاً بصراعات قوة بين "الصهيونية الدينية" والأحزاب الحريدية، أو بمطالب كبار مسؤولي "الليكود"، لكنّه لن ينبع من السبب البسيط والمطلوب أكثر: تنصيب سياسيين ذوي أيديولوجيات متطرفة، مع خلفية تصريحات شاذة وتورّط مع أجهزة الأمن – يمكن أن يقصّر المدة الزمنية إلى حريقٍ إضافي خطير في الساحة الفلسطينية ووضع الحكومة في مسار تصادم مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. 

نتنياهو لا يلعب لوحده في ملعب فارغ. في الأسبوعين الماضيين منذ ليلة فوزه في الانتخابات، حدث تطوران مهمّان في الساحة الدولية. الأول، الموجة الحمراء التي توقعتها الاستطلاعات الأميركية لم تتحقق، والديمقراطيون لم يخسروا سيطرتهم على مجلس الشيوخ. بخلاف التوقعات، إدارة بايدن لن تُشل أبداً في السنتين القادمتين. إذا أصبح الرئيس بايدن "بطة عرجاء"، فإنّها ستكون مسألة العمر وقدرات متناقصة، وليس اضطرارات سياسية. في هذه الظروف، من الصعب رؤية الأميركيين يطبّعون علاقاتهم مع وزارتين مركزيتين برئاسة بن غفير وسموتريتش. ومن الصعب أكثر توقّع أنهم سيسلّمون دون احتجاج بخطوات إسرائيلية أحادية الجانب، جُمّدت لسنوات، مثل "تبييض" (شرعنة) النقاط الاستيطانية غير القانونية. 

الثاني، لجنة أممية قررت قبول مقترح قرار بادرت إليه السلطة الفلسطينية، وبحسبه تطلب المنظمة من محكمة العدل الدولية في لاهاي إبداء رأيها بتداعيات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. في ظل غياب مفاوضات سياسية (عملية سلام)، وفي الوقت الذي تحكم فيه "إسرائيل" حكومة أكثر تطرفاً من سابقاتها، ليس من الصعب التكهن بمبادرات فلسطينية إضافية من هذا النوع في الساحة الدولية. لا تُتوقع بالضرورة "تسونامي دبلوماسية"، مثلما توقّع إيهود باراك دون طائل في سنة 2011. العالم لديه الآن مصائب أخرى، وعلى رأسها الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة في أوروبا. ولا يزال، من المتوقع أن يصطدم نتنياهو بجبهة أكثر عداءً من الماضي. 

هذه التطورات المتوقعة يمكن أن تُضاف إلى وضعٍ متوتر أصلاً، على الأرض نفسها. في آذار/مارس الماضي تجددت موجة هجمات فلسطينية، و"إسرائيل" ردّت عليها بخطواتٍ عسكرية واسعة جداً، خصوصاً في شمال الضفة. بعد أكثر من 130 قتيلًا فلسطينياً و26 قتيلاً إسرائيلياً، لا مؤشرات على تهدئة. محاولات شنّ هجمات، وتعزيز قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة ومنطقة التماس (الخط الأخضر)، وعمليات الاعتقال في نابلس وجنين، كل هذا هو جزء من واقعٍ يومي جديد، يحدث بكثافة أعلى مما عرفناه منذ سنة 2016. 

في الخلفية، تضعُف سيطرة الحاكم الفلسطيني العتيق، محمود عباس، على المجريات. الورثة المحتملون يحمّون من الآن محركاتهم على الخطوط نحو حرب خلافة، التي قد تكون عنيفة، على منصب رئيس السلطة. الفلسطينيون سيحيون اليوم رسمياً عيد ميلاد أبو مازن الـ 87. إنه على ما يبدو الزعيم الناشط الأكبر سناً في العالم العربي (ملك السعودية سلمان أصغر منه بشهرٍ ونصف، وابنه محمد هو الحاكم الفعلي للسعودية). من مدة، زعمت العالمة كيرا رادينسكي أنّ الشخص الذي سيحظى بالعيش إلى عمر 200 سنة وُلد ويعيش بيننا. في الجيش الإسرائيلي، على الأقل، كانوا سيُسرّون لو تبين أنّه سيكون عباس. 

من المشكوك فيه أن يكون سموتريتش وشركاه يتشاركون نفس الشعور. نتنياهو يعلم أنّ رؤاهم بعيدة جداً عن طريقة فهم قيادة المؤسسة الأمنية والعسكرية – رئيس الأركان الحالي وخلفه العتيد، رئيس الشاباك، منسّق أنشطة الحكومة في المناطق (الفلسطينية المحتلة) ومفتش عام الشرطة – للظروف في الساحة الفلسطينية. إذا أعطاهم مبتغاهم فإنّ هذا سيحدث على ما يبدو لأنّ نتنياهو يعتقد ألاّ خيار له. من أجل إزالة التهديد القضائي المنعكس عليه، إنّه بحاجة ماسّة إلى دعم الحريديم واليمين المتطرف وإنجاز سلسلة خطوات تشريعية سريعة. احتمال استقرارٍ أمني ما سيُضحى به لصالح الثورة القضائية. 

في حالةٍ كهذه، سينشأ وضع غير مسبوق فيه نصف أعضاء الكابينت لم يخدموا في الجيش الإسرائيلي أو خدموا خدمة مقلّصة فقط. كذلك كثيرون من أولادهم وأحفادهم لم يخدموا في الجيش ولا ينوون الخدمة (وهو موضوع لا يزال يأمل الحريديم شرعنته نهائياً، من خلال قانون تجنيد جديد). جزء كبير من مجموعة الوزراء هذه سيتخذ قرارات مصيرية بشن عمليات، وحتى حروب، من دون أن تكون عائلاتهم أو ناخبيهم على خط النار الأول أو الثاني. 

ينضم إلى ذلك غياب الخبرة النسبية لأعضاء الكابينت في قضايا عسكرية وأمنية. باستثناء المسيرة العسكرية للواء احتياط يوآف غالانت (الليكود)، والعضوية المديدة السنين لأرييه درعي (شاس) في الكابينت، الكابينت هذا سيكون هيئة بوزنٍ خفيف. في حكومات اليمين في الماضي، الوضع كان معكوساً. قبل عقد، أعضاء كابينت متمرسين، مثل موشِه يعالون ودان مَريدور وبيني بيغن، اهتموا بكبح خطط قصف نتنياهو وباراك في إيران. وفي سنة 1982 قدّم الوزير دافيد ليفي مواقف موزونة ومكبوحة في حكومة بيغن الثانية، استناداً إلى تقارير تلقّاها من أبنائه المقاتلين في جبهة بيروت، وناقضت الخط المضلل الذي قاده وزير الأمن أرييل شارون. 

بعد أن يجلس سموتريتش وبن غفير على كرسَيْ الوزيرين، سيكون علينا انتظار رؤية مدى براغماتيتهما: إلى أي مدى سيوافقان على لَيْ مبادئهما ووقف تحقيق تطلعاتهما، مقابل السلطة الجديدة التي ستكون بأيديهما. في سنة 1998، أسقط ممثلو المستوطنين في الائتلاف حكومة نتنياهو الأولى، بزعم أنّها غير يمينية بما يكفي. بعد مرور نصف سنة هزم باراك نتنياهو في الانتخابات، وشُقّت الطريق إلى مؤتمر "كامب دافيد" مع الفلسطينيين. 

في الحكومة الجديدة، مثلما تتبدى خطوطها الآن، قد يجد نتنياهو نفسه في غضون أشهر أمام أزمة أمنية خطيرة في المناطق (الفلسطينية المحتلة)، وإلى جانبها توتر شديد في العلاقات مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي (وهذا من دون إمكانية توقّع كيف ستتصرف إيران، وما إذا كان حلفها الجديد مع روسيا سيحثّها على مقامرة إضافية في الطريق إلى صنع قنبلة نووية أولى). في ظروفٍ كهذه، ليست في طور سيناريو متطرف، من الممكن أن يعيد نتنياهو درس تركيبة الائتلاف. على ما يبدو، سموتريتش وبن غفير ينتظرهما منصبين رفيعين في الحكومة، والسؤال هو كم من الوقت سيحتفظان بهما، وفي أي ظروف.