"نيويورك تايمز": هل ستغذي صفقة الغواصات الأسترالية سباق التسلّح في آسيا؟
يمكن لبكين تسريع الجهود لتطوير تقنيات للعثور على الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وتقنيات تدميرها قبل أن تستقبلها أستراليا بوقت طويل.
تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير لها تداعيات صفقة الغواصات الأميركية – البريطانية مع أستراليا واحتمال إطلاق سباق تسلّح في آسيا. وقالت إنه مع صعود الصين لتصبح قوة عسكرية عظمى، تنفق الهند وفيتنام وسنغافورة المزيد على الدفاع، كما تميل اليابان إلى أن تفعل الشيء نفسه.
وأضافت الصحيفة أن اتفاق أستراليا مع الولايات المتحدة وبريطانيا لتطوير غواصات تعمل بالطاقة النووية قد أدى إلى دفع المنافسة العسكرية مع بكين في آسيا إلى مرحلة جديدة متوترة. إذ يمكن للصفقة أن تسرّع من تكديس الأسلحة في آسيا قبل وقت طويل من دخول الغواصات الخدمة - ربما بعد 10 سنوات من الآن.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصين، التي ردت بغضب على إعلان الصفقة، قد تكثف تحديثها العسكري. ويمكن للمنفقين الكبار الآخرين مثل الهند وفيتنام تسريع خطط أسلحتهم الخاصة كذلك.
أما البلدان التي تحاول البقاء في الوسط، مثل إندونيسيا وماليزيا وغيرهما، فهي تواجه منطقة أكثر تقلباً وضغوطًا متزايدة للاختيار بين واشنطن وبكين.
وقال السفير الإندونيسي السابق لدى الولايات المتحدة، دينو باتي جلال، إن "القلق من أن هذا سيؤدي إلى سباق تسلّح في وقت مبكر، وهو ما لا تحتاجه المنطقة الآن، ولا في المستقبل".
لكن العديد من الحكومات في جميع أنحاء آسيا، وخاصة في جنوب شرق آسيا، تأمل في تجنب الاضطرار إلى اتخاذ نفس الخيار الذي اتخذه رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، الأسبوع الماضي بإعلانه "شراكة دائمة" مع الولايات المتحدة.
فالهند، التي تتأرجح بين الاشتباكات الحدودية مع الصين والجهود المبذولة لإصلاح العلاقات مع جارتها، فكانت صامتة بشأن الاتفاقية. وكذلك فعلت كوريا الجنوبية، التي تريد الحفاظ على علاقات ثابتة مع بكين بينما تركز على الصراع المحتمل مع كوريا الشمالية. وقالت وزارة الخارجية الإندونيسية إنها "قلقة للغاية بشأن استمرار سباق التسلح". كما أعربت ماليزيا عن قلقها.
وقال لي هسين لونغ، رئيس وزراء سنغافورة، وهي دولة-مدينة تتمتع بعلاقات جيدة مع كل من بكين وواشنطن، إنه أبلغ بشكل دبلوماسي موريسون أنه يأمل أن "تساهم الشراكة بشكل بناء في السلام والاستقرار في المنطقة"، بحسب صحيفة ستريتس تايمز.
وقالت "نيويورك تايمز" إنه في الظاهر، قد يبدو أن خطة أستراليا لبناء ثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية لا تحدث فرقاً كبيراً في حسابات الصين. مع حوالى 360 سفينة، تعد البحرية الصينية الأكبر في العالم من حيث العدد، ولديها حوالى 12 غواصة تعمل بالطاقة النووية. ومن المرجح أن ينمو أسطولها من الغواصات النووية إلى 21 غواصة بحلول عام 2030، بحسب مكتب الاستخبارات البحرية الأميركية.
وتمتلك البحرية الأميركية حوالى 300 سفينة، بما في ذلك 68 غواصة، جميعها نووية. وحتى لو كانت أستراليا سريعة وفعالة نسبياً، فقد لا يتم تشغيل أول غواصات تعمل بالطاقة النووية حتى وقت لاحق في ثلاثينيات القرن الحالي.
وقال درو طومسون، المسؤول السابق في البنتاغون المسؤول عن العلاقات مع الصين للصحيفة، إن وضع الغواصات التي يصعب تتبعها بالقرب من البحار قرب الصين واليابان وشبه الجزيرة الكورية يمكن أن يكون رادعاً قوياً ضد الجيش الصيني.
وأضاف طومسون، وهو الآن باحث زائر في جامعة سنغافورة الوطنية: "انتهت حروب الشرق الأوسط. نحن في فترة ما بين الحربين، وستكون المرحلة التالية صراعاً مكثفاً للغاية مع منافس قريب، ربما يشمل الصين، وعلى الأرجح في شمال شرق آسيا".
وبعد إدانتها اتفاقية الغواصات الأسبوع الماضي، لم تقل الحكومة الصينية شيئاً آخر. لكن من المؤكد أن قادة الصين والمخططين العسكريين سيأخذون في الاعتبار التحركات العسكرية والدبلوماسية المضادة، بما في ذلك طرق جديدة لمعاقبة الصادرات الأسترالية، التي تعرضت بالفعل للحظر والتعريفات العقابية مع تدهور العلاقات في السنوات القليلة الماضية.
كما يمكن لبكين تسريع الجهود لتطوير تقنيات للعثور على الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية وتدميرها قبل أن تستقبلها أستراليا بوقت طويل. وقال معظم الخبراء إن السباق التكنولوجي كان أكثر احتمالاً من سباق التسلّح العام. إن إنتاج الصين من السفن البحرية والطائرات المقاتلة سريع بالفعل، لكن تقنيتها المضادة للغواصات أقل تقدماً.
وعلى المدى القريب، قد يكثّف المسؤولون الصينيون جهودهم لحشد المعارضة الإقليمية لخطة الغواصات والتجمع الأمني الجديد، المسمى "أوكوس"، الذي يضم أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
وقال إلبريدج كولبي، النائب السابق لمساعد وزير الدفاع في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب: "إذا كنت مكان الصين، فهذا يجعلك تفكر كذلك وتقول: (من الأفضل أن المضي قدماً في هذا الأمر). وأضاف: "إذا اتخذت أستراليا هذه الخطوة الكبيرة، فيمكن لليابان أن تخطو نصف خطوة، وتايوان تتخذ نصف خطوة، ثم الهند وبعد ذلك ربما فيتنام".
لكن بكين قد خلقت حواجزها العالية لكسب دعم الجيران. وقد أثارت مطالبات الصين التوسعية بشأن المياه والجزر عبر بحر الصين الجنوبي غضب دول جنوب شرق آسيا. كما أن بكين تخوض نزاعات إقليمية مع اليابان والهند ودول أخرى.
وقال تشو فنغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نانجينغ بشرق الصين: "تُظهر اتفاقية "أوكوس" هذه بوضوح شديد أن شرق آسيا أصبح محور استراتيجية الأمن العالمي للولايات المتحدة. إنه تذكير للصين بأنه إذا لم تتمكن من تخفيف التوترات مع الجيران حول بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي، فستواصل الولايات المتحدة محاولة الاستفادة من هذا التوتر".
نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم