"نيويورك تايمز" تكشف تفاصيل جديدة عن اغتيال فخري زاده

صحيفة "نيويورك تايمز" تكشف تفاصيل جديدة تتعلَّق بعملية اغتيال العالِم الإيراني البارز محسن فخري زاده، وقالت إنها تمَّت بواسطة سلاح جديد عالي التقنية ومزوَّد بذكاء اصطناعي وكاميرات متعدِّدة تعمل عبر الأقمار الصناعية.

  • من تشييع العالم الإيراني محسن فخري زاده
    من تشييع العالِم الإيراني محسن فخري زاده

كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تفاصيل جديدة تتعلَّق بعملية اغتيال العالِم الإيراني البارز محسن فخري زاده، وقالت إنها تمّت بواسطة سلاح جديد عالي التِّقْنية، ومزوَّد بذكاء اصطناعي وكاميرات متعدِّدة تعمل عبر الأقمار الصناعية.

وقالت الصحيفة إن عملية الاغتيال جرت من دون وجود أيّ عملاء على الأرض، وبواسطة "روبوت قاتل" قادر على إطلاق 600 طلقة في الدقيقة.

وأشارت إلى أن معلوماتها المتعلِّقة بكيفية تنفيذ عملية الاغتيال استندت إلى مقابلات مع مسؤولين أميركيين وإسرائيليين وإيرانيين، بمن فيهم مسؤولان استخباريّان مطَّلعان على تفاصيل التخطيط للعملية وتنفيذها.

بدأت الاستعدادات للاغتيال بعد سلسلة من الاجتماعات في نهاية عام 2019 ومطلع عام 2020، بين مسؤولين إسرائيليين، بقيادة رئيس الموساد يوسي كوهين، ومسؤولين أميركيين رفيعي المستوى، بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو ومديرة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جينا هاسبيل.

كانت "إسرائيل" أوقفت حملة التخريب والاغتيال ضد إيران في عام 2012، عندما بدأت الولايات المتحدة مفاوضات مع طهران أدّت إلى الاتفاق النووي عام 2015. لكن، بعد أن ألغى ترامب هذا الاتفاق، أراد الإسرائيليون استئناف الحملة من أجل محاولة إحباط التقدُّم النووي الإيراني، وإجبار طهران على قبول قيود صارمة على برنامجها النووي.

في أواخر شباط/فبراير، قدَّم يوسي كوهين إلى الأميركيين قائمة بالعمليات المحتمَلة، بما في ذلك اغتيال فخري زاده. كان فخري زاده في رأس قائمة المطلوبين لـ "إسرائيل" منذ عام 2007، ولم يرفع "الموساد" نظرَه عنه قطُّ.

في عام 2018، عقد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مؤتمراً صحافياً من أجل عرض الوثائق التي زعم "الموساد" أنه سرقها من الأرشيف النووي الإيراني، مجادلاً في أن "الموساد" أثبت أن إيران ما زالت تمتلك برنامجاً نَشِطاً للأسلحة النووية، وذكر فخري زاده بالاسم، عدةَ مرات. وقال "تذكَّروا هذا الاسم: فخري زاده".

لقد شجّع "إسرائيلَ" وأميركا على خطة الاغتيال، ردُّ إيران الفاتر نسبياً على الاغتيال الأميركي قائد "قوة القدس" الفريق قاسم سليماني، الذي تم اغتياله في غارة أميركية بطائرة من دون طيّار بمساعدة الاستخبارات الإسرائيلية في كانون الثاني/يناير 2020. فلقد أشار الرد المحدود إلى أن إيران كانت إمّا غير قادرة، وإمّا متردّدة في الرد بقوة أكبر.

ومنذ ذلك الحين، تمّت مراقبة فخري زاده بصورة كبيرة.

بعد استشهاد اللواء قاسم سليماني، زادت إيران في تعزيزات الأمن حول مسؤوليها البارزين، ومنهم فخري زاده، الذي تقوم بحراسته نخبة من عناصر حرس الثورة المدجَّجين بالسلاح، والمدرَّبين تدريباً جيداً، ويتواصلون عبر قنوات مشفَّرة.

كانت تحركات فخري زاده تتمّ ضمن قوافل مكونَّة من أربع إلى سبع مركَبات، بحيث تتغيّر باستمرار الطرق التي تسلكها، والتوقيتات، من أجل إحباط أيّ هجمات محتملة.

استخدمت "إسرائيل" أساليب متنوعة في عمليات الاغتيالات السابقة، جرت إحداها بواسطة تسميم أوّل عالِم نووي مُدْرَج في قائمة الاغتيال الإسرائيلية في عام 2007، بينما اغتيل الثاني في عام 2010 عبر تفجير قنبلة عن بعد، مُثَبَّتة على دراجة نارية.

في العملية الأخيرة، تمَّ اعتقال مشتبه فيه إيراني اعترف بتنفيذ العملية، وتم إعدامه فيما بعدُ، الأمر الذي أجبر "الموساد" على تغيير تكتيكاته، بحيث نُفِّذَت عمليات الاغتيال الأربع التالية بين عامي 2010 و2012 بواسطة رجال يستقلّون دراجات نارية، كانوا إمّا يُطلقون النار مباشرة على الأشخاص المستهدَفين، وإمّا يزرعون عبوّات لاصقة في سياراتهم، ثم يهربون.

لكنّ المسؤول الأمني للقوة المسلَّحة التي تحمي فخري زاده، تَحَسَّبَ لمثل هذه التحركات، وجعل تكتيكَ استخدام الدراجات النارية مستحيلاً. فالمخطِّطون لعملية اغتيال زاده بحثوا في خيار تفجير عبوّة ناسفة على امتداد الطريق الذي يسلكه العالِم النووي الإيراني كي يُجبروا القافلة على التوقُّف حتى يتمكَّن القنّاصة من مهاجمتها.

تم استبعاد هذه الخطة بسبب احتمال وقوع اشتباك مسلَّح قد يسقط خلاله كثير من الضحايا. في النهاية، تم اقتراح فكرة استخدام مدفع رشاش يتم التحكُّم فيه عن بُعد. لكن، كانت هناك مجموعة أخرى من التعقيدات اللوجستية، لأن حجمه ووزنه يجعلان من الصعب نقله وإخفاءه من دون أن يتم فضح الخطة.

وفقاً لمسؤول استخباريّ مطَّلع على الخطة، اختارت "إسرائيل" نموذجاً متطوّراً من مدفع رشاش بلجيكي الصنع، من طراز "FN MAG"، مرتبط بروبوت ذكي متطوّر.

وقال المسؤول إن النظام لم يكن مغايراً لنظام  Sentinel 20" الذي تقوم شركة "Escribano" الإسبانية بتصنيعه.

بلغ وزن المدفع الرشاش، مع الروبوت وسائر الملحقات مجتمعةً، نحو طن تقريباً، لذلك تم تفكيك المعدات قطعاً صغيرة، ثم جرى تهريبها إلى إيران بطرائق وفي أوقات متعدِّدة، ثم أُعيد تجميعها سراً في إيران.

تمَّ صُنع الروبوت ليتلاءَم مع حجم حوض سيارة "بيك آب" من طراز "زامياد"، شائعة الاستخدام في إيران. وتم أيضاً تركيب كاميرات في اتجاهات متعدّدة على الشاحنة، من أجل مَنح غرفة القيادة صورةً كاملة، ليس فقط للهدف وتفاصيله الأمنية، لكن للبيئة المحيطة أيضاً.

في النهاية، تمَّ تفخيخ الشاحنة بالمواد المتفجِّرة، حتى يمكن تفجيرها عن بُعد، وتحويلها إلى أجزاء صغيرة بعد انتهاء عملية الاغتيال، من أجل إتلاف جميع الأدلة.

بعد ذلك، كان هناك تحدٍّ يجب أن تتم معالجته، وهو التأكد من أن فخري زاده هو من يقود السيارة، وليس أحد أبنائه، أو زوجته، أو حارسه الشخصي، حتى لا يتم استهداف الشخص الخطأ.

وبما أن "إسرائيل" تفتقر إلى قدرات المراقبة في إيران بسبب عدم قدرتها على استخدام الطائرات المُسيَّرة التي تُستخدَم من أجل تحديد الهدف قبل الضربة، لذلك تم وضع سيارة إلى جانب الطريق الذي يسلكه زاده، والتظاهر بأنها كانت معطَّلة. تم وضع السيارة قرب مفترق طرق، وجرى تزويدها بكاميرا مرتبطة بأقمار صناعية تُرسل الصور مباشرة إلى مقر قيادة العملية.

بدأت العملية فجر الجمعة، في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2020. وكانت الشاحنة، التي تحمل المدفع الرشاش، متوقفة في شارع الإمام الخميني، حيث وجد المحقّقون الإيرانيون، في وقت لاحق، أن كاميرات المراقبة في الطريق تمّ تعطيلها.

كان رتل زاده يضم أربع سيارات، الأولى في المقدِّمة تضم عناصر حماية، وتبعتها سيارة من طراز "نيسان" سوداء اللون، يقودها فخري زاده، وخلفها سيارتان تُقِلاّن عناصر الحماية.

قبل الساعة 3:30 مساء بقليل، وصل الموكب إلى منعطف، حيث أبطأت سيارة فخري زاده سرعتها، ليتم التعرُّف إليه من جانب السيارة الثانية المعطَّلة والمزودَّة بالكاميرات، ورؤية زوجته جالسة إلى جانبه. انعطفت القافلة يميناً في شارع الإمام الخميني، وأبطأت سرعتها بسبب وجود مطب. عندها، أطلق المدفع الرشاش رشقة من الرصاص أصابت مقدمة السيارة.

لم يتَّضح إذا كانت الطلقات أصابت فخري زاده، لكن السيارة انحرفت وتوقَّفت، ليقوم بعدها الشخص الذي يتحكّم في المدفع الرشاش، عن بُعد، بإطلاق رشقة أخرى أصابت الزجاج الأمامي ثلاث مرات على الأقل، وواحدة منها على الأقل أصابت زاده في كتفه.

نزل زاده من السيارة واحتمى بالباب الأمامي للسيارة. وأفادت وكالة "أنباء فارس" الإيرانية، في حينه، بأن ثلاث رصاصات اخترقت عموده الفقري، ليفارق الحياة في الحال.

بعدها، انفجرت السيارة التي كانت تحمل المدفع الرشاش وتناثرت أجزاء. انفجر "بيك آب" الـ"زامياد" الأزرق. كان هذا هو الجزء الوحيد من العملية الذي لم يَسِرْ كما هو مخطَّط له. كان الهدف من الانفجار تمزيق الروبوت أشلاء حتى لا يتمكّن الإيرانيون من تجميع ما حدث.

وبدلاً من ذلك، تم تناثر معظم المعدات في الهواء، ثم هوت على الأرض، وتضرَّرت على نحو لا يمكن إصلاحه، لكنها كانت سليمة إلى حدّ كبير.

تقييم "حرس الثورة" أن الهجوم نُفِّذ بمدفع رشاش يتم التحكُّم فيه عن بُعد، و"مزوَّد بنظام أقمار صناعية ذكي"، عبر استخدام الذكاء الاصطناعي، كان تقييماً صحيحاً.

استغرقت العملية بأكملها أقلَّ من دقيقة. أُطْلِقت خمس عشرة رصاصة. وأشار محقّقون إيرانيون إلى أنه لم تُصِبِ السيدةَ قاسمي، وهي جالسة على بُعد بوصات من فخري زاده، رصاصةٌ واحدة، وهي الدقّة التي نسبوها إلى استخدام برمجيات التعرُّف إلى الوجه.