"فورين بوليسي": هل ينجو نتنياهو من أزمته؟
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجد نفسه بين فكّي كماشة ترامب واليمين المتطرّف.
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً تتحدّث فيه عن الأزمة التي يواجهها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بين أحزاب أقصى اليمين وتهديدهم بإسقاط الحكومة إذا لم يستنأف الحرب على غزة، والتحقيق بإخفاقات 7 أكتوبر، وقضية تجنيد "الحريديم"، ومن جهة أخرى مطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف الحرب.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
في كانون الأول/ديسمبر الماضي، عندما حذّر الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك دونالد ترامب من أنّ "الثمن باهظ للغاية" إذا لم يتمّ إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس بحلول يوم التنصيب، بدا أنّ هذه الكلمات موجّهة إلى حركة حماس. ولكن الآن بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، أصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الذي يشعر بالخطر.
لقد حظيت الاتفاقية بإشادة في جميع أنحاء العالم، واحتفي بها في غزة، وحظيت بتأييد أغلبية الإسرائيليين. ولكنها تهدّد بإسقاط حكومة نتنياهو، التي ظلّت متماسكة إلى الآن بفضل حرب مفتوحة في غزة ووعد "بالنصر الكامل".
وبعد يوم واحد من موافقة مجلس الوزراء الإسرائيلي على الاتفاق، استقال وزير "الأمن القومي" الإسرائيلي إيتمار بن غفير من الحكومة بسبب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وقد أدّت المقاعد الستة التي يسيطر عليها حزبه في الكنيست إلى تقليص أغلبية الائتلاف في البرلمان المكوّن من 120 مقعداً إلى 61 أو ربما 62 مقعداً. وكان زعيم اليمين المتطرف الآخر، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، قد قال إنّه سيبقى في منصبه، ولكن فقط إذا استأنفت "إسرائيل" هجومها على غزة في غضون ستة أسابيع أخرى، بعد الجزء الأول من الاتفاق المكوّن من ثلاث مراحل. وإذا غادر سموتريتش في نهاية المطاف بمقاعده السبعة في الكنيست، فإنّ الائتلاف سيفقد أغلبيته.
لو كان الأمر يتعلّق بحسابات سياسية داخلية بحتة، لما وافق نتنياهو على وقف إطلاق النار على الإطلاق، على الأرجح. فعلى مدار العام الماضي، رفض نتنياهو المقترحات التي قدّمها الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدنـ والتي لم تكن مختلفة كثيراً عن المقترح الذي وافق عليه مؤخّراً، خوفاً من أن يؤدّي الاتفاق إلى هروب سموتريتش وبن غفير.
ولكن الفارق هذه المرة هو أنّ ترامب دخل الصورة وسيظلّ فيها لمدة أربع سنوات مقبلة. ويخشى نتنياهو إهانة ترامب، الذي اشتهر بحبّه للانتقام. كما أنه يريد أن يكون الرئيس الأميركي على رأس أجندته الأكبر، المواجهة مع إيران، والخطوة التاريخية لإقامة علاقات دبلوماسية مع السعودية.
والسؤال هو ما إذا كانت الاعتبارات السياسية في "إسرائيل" ستعود إلى الواجهة ويتراجع نتنياهو عن التزام وقف إطلاق النار الذي قطعه لترامب. وقد أشار نتنياهو إلى ذلك في التصريحات العامّة القليلة التي أدلى بها بشأن الاتفاق، حيث وصف المرحلة الأولى بأنها "وقف إطلاق نار مؤقت" وتعهّد بأنّ "إسرائيل" لن ترتاح حتى "تكتمل جميع أهداف حربها". ويُقال إن نتنياهو أخبر سموتريتش أنه لن يكون لديه سبب للتنحّي في نهاية المرحلة الأولى.
لا أحد يعرف على وجه اليقين ما إذا كان نتنياهو يهدف إلى التملّص من الاتفاق؛ في الواقع، قد لا يعرف رئيس الوزراء نفسه ذلك. فكما كان الحال في الأيام التي سبقت اتفاق وقف إطلاق النار، يلعب نتنياهو تقليدياً على الوقت ويخبر كلّ الأطراف المعنية بما يريدون سماعه من دون أيّ اعتبار للحقيقة أو الاتساق.
في الواقع إنّ رئيس الوزراء وجد نفسه بين فكّي كماشة ترامب واليمين المتطرّف، وهذا يرجع إلى حدّ كبير إلى الخطأ الذي ارتبكه هو. فخلال الحرب، أكد للجمهور الإسرائيلي أنّه سيقاتل حتى "النصر الكامل"، وهو ما يعني، من بين أمور أخرى، القضاء على حماس وإنقاذ الأسرى بالقوة العسكرية وليس التوصّل إلى اتفاق. لقد توقّف معظم الإسرائيليين عن تصديقه منذ فترة طويلة، لكنّ ناخبيه الأساسيين على اليمين واليمين المتطرّف صدّقوها. وسواء كان سموتريتش وبن غفير يصدّقان نتنياهو أيضاً أم لا، فإنّ التهديد بترك الائتلاف كان كافياً لإبقاء رئيس الوزراء في المسار الذي يريدانه.
ولكن لماذا يُعتبر استمرار الحرب مهماً بالنسبة إليهم؟ يشاطر اليمين المتطرف نتنياهو مخاوفه من محاسبة الحكومة عندما تنتهي الحرب من خلال لجنة تحقيق حكومية للتحقيق في الإخفاقات التي سمحت لحماس بمهاجمة "إسرائيل" في 7 أكتوبر 2023، و/أو من خلال الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة من المرجّح أن تخسرها. لكنّ اليمين المتطرّف لديه أسباب خاصة به. فقد استمتع العديد من أنصار بن غفير بعنف الحرب والانتقام والنصر. وبالنسبة لشريحة واسعة من اليمين المتطرّف، فإنّ الحرب هي الوسيلة لتحقيق حلم عودة "إسرائيل" إلى غزة بعد الانسحاب منها عام 2005 وإعادة استطيان القطاع.
كان الإسرائيليون من اليمين التطرّف واثقين من أنه مع وجود ترامب في البيت الأبيض، ستتمكّن "إسرائيل" من تحقيق قائمة أمنياتهم؛ ضمّ الضفة الغربية، وهجوم متجدّد على استقلال القضاء، وهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وهجوم مستمرّ على غزة. لقد وضع اتفاق وقف إطلاق النار اليمينيّين في حيرة من أمرهم. يتمسّك الكثيرون بالأمل في أن يكون هذا نوعاً من الحيلة التي ستمهّد الطريق لـ "إسرائيل" لاستئناف هجومها على غزة، هذه المرة من دون أيّ من القيود التي فرضها عهد بايدن.
الواقع أنّ كثيرين في دائرة ترامب أعطوا اليمين بعض الأسباب للأمل. ففي جلسة تأكيد تعيينه، قال المرشّح لمنصب وزير الدفاع بيت هيجسيث: "أنا أؤيّد إسرائيل في تدمير وقتل كلّ عضو في حماس". وكرّر مستشار الأمن القومي مايك والتز التصريح نفسه مؤخّراً، مؤكداً أنّ حماس "يجب تدميرها إلى الحدّ الذي لا يسمح لها بإعادة تشكيل نفسها". ولكن ربما يكون هذا مجرّد نوع من الشعارات العامّة التي تأتي في الوقت الذي يتنافس فيه اللاعبون الرئيسيون في الإدارة الجديدة على تحديد خطوط السياسة المستقبليّة. وتشير الإشارات المقبلة من ترامب نفسه ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي سيشرف على الهدنة، إلى أنهما يعتزمان ضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
وبالتالي، فإنّ نتنياهو سيخوض مجازفة جدية إذا لعب النوع نفسه من الألعاب مع ترامب كما فعل مع إدارة بايدن، عندما خرّب مفاوضات وقف إطلاق النار وتجاوز الخطوط الحمر لواشنطن بشأن القضايا الإنسانية. واحتمال انتهاك حماس شروط وقف إطلاق النار أو اتخاذ موقف صارم بشكل خاص في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، قد ينقذ نتنياهو.
ولكن هل من الممكن أن ينجح نتنياهو في الصمود طيلة الأسابيع الستة من المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، وربما لفترة أطول قليلاً إذا استمرت مفاوضات المرحلة الثانية؟ ووعد بن غفير بأنه لن يكون له يد في إسقاط الحكومة، وأنه إذا عادت "إسرائيل" إلى الحرب في نهاية المرحلة الأولى، فسوف يكون سعيداً بالعودة إليها. ويسعى نتنياهو إلى إبقاء مقاعد حزبه في مجلس الوزراء شاغرة ومتاحة لذلك. ومن غير المرجّح أن تستغلّ المعارضة، التي تتألّف من حفنة متباينة من أحزاب الوسط واليسار، فضلاً عن ثلاثة فصائل يهيمن عليها العرب، والتي تعاني من ضعف القيادة، محنة نتنياهو. وبحلول الثاني من آذار/مارس أو بعد ذلك بفترة قصيرة، قد يعود الائتلاف سليماً ويخوض الحرب التي اعتقد الجميع أنها انتهت.
أو قد لا تعود الحرب، إذا أصرّت إدارة ترامب على أن يحترم نتنياهو وقف إطلاق النار، وعندها بن غفير سيبقى خارج الحكومة وسينضمّ إليه سموتريتش. وفي الوقت نفسه، كانت حكومة نتنياهو تكافح من أجل وضع تشريع بشأن تجنيد الأرثوذكس المتطرّفين (الحريديم) للخدمة العسكرية. يطالب شركاء الائتلاف الأرثوذكس المتطرّفون بقانون من شأنه أن يعفي أتباعهم رسمياً، لكنّ الإعفاء الفعلي الذي تمتعوا به منذ فترة طويلة تعارضه الغالبية العظمى من الجمهور، بما في ذلك العديد من مؤيّدي الحكومة الأساسيين. كان نتنياهو يكافح مع هذه القضية لعدة أشهر، لكنه الآن انخفض إلى أغلبية ضيّقة من 62 مقعداً والوقت ينفد: تهدّد الأحزاب الحريدية بعدم دعم ميزانية 2025، وإذا فشلت الحكومة في الفوز بموافقة الكنيست على الميزانية بحلول نهاية آذار/مارس، فسيتم حلّها.
إنّ مهارات نتنياهو السياسية في البقاء معروفة، ولكن هذه المرة يواجه مأزقاً محكماً بين ترامب واليمين المتطرّف والمتديّنين الحريديم. وسوف يكون شهر آذار/مارس شهراً ساخناً.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.