لماذا طردت النيجر القوات الأميركية من أراضيها؟
لتبرير التهديدات الأميركية لحكومة النيجر بالانتقام، يتهم مسؤولون أميركيون النيجر بتوقيع اتفاق سري مع إيران لتزويدها باليورانيوم، مع أنه من المعروف على نطاق واسع أن استغلال اليورانيوم في النيجر تسيطر عليه فرنسا بالكامل.
يكتب بافان كولكارني في موقع "Peoples Dispatch" مقالاً يتناول فيه طرد القوات الأميركية من النيجر، وخلفية هذا الإعلان، وكيف تعاملت الولايات المتحدة الأميركية مع هذا التطور الذي يهدد وجود قواتها في هذا البلد وفي أفريقيا عموماً.
فيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
أعلنت النيجر الأسبوع الماضي عن أن الانتشار العسكري الأميركي فوق أراضيها غير قانوني. وقد جاء الإعلان على خلفية أن مسؤولين أميركيين هددوا أكبر دولة في غرب أفريقيا بسبب علاقاتها مع روسيا وإيران.
وفي مواجهة احتمال فقدان 3 قواعد عسكرية ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، بما في ذلك واحدة من أكبر قواعد الطائرات دون طيار في العالم بتكلفة ربع مليار دولار في مدينة أغاديز وسط النيجر، لم تصدر واشنطن أو البنتاغون أي بيان رسمي رداً على قرار طرد القوات الأميركية. وتم إلغاء المؤتمر الصحفي الذي كان مقرراً يوم الأحد الماضي في السفارة الأميركية في العاصمة نيامي، بسبب الاحتجاجات خارج أسوارها المنددة بالتدخل الأميركي في شؤون بلادهم السيادية.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، اكتفى بتغريدة مقتضبة على منصة "إكس" زادت من الغموض: "نحن على تواصل مع حكومة النيجر وسنقدم المزيد من التحديثات حسب الحاجة".
عدم الرد الرسمي الأميركي حتى الآن ينم عن حالة من المفاجأة بشأن هذا الإجراء الذي اتخذته الحكومة العسكرية الانتقالية في النيجر.
في نهاية العام الماضي، اضطرت فرنسا المستعمر السابق للنيجر، إلى سحب جميع قواتها من البلاد. جاء ذلك بعد أمر من المجلس الوطني للأمن القومي، الذي تم تشكيله أواخر تموز/يوليو 2023 بعد الإطاحة بالرئيس آنذاك محمد بازوم بانقلاب عسكري، رحبت به المظاهرات الحاشدة باعتباره دمية فرنسية بسبب قمعه الاحتجاجات المطالبة بطرد القوات الفرنسية. وقد قاد الانقلاب رئيس الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني، بدعم شعبي واسع ومن النقابات العمالية وغيرها من منظمات المجتمع المدني في النيجر.
رفضت فرنسا في البداية الامتثال لأوامر القيادة والشعب في النيجر، وتذرعت بالاتفاقيات العسكرية المبرمة مع البلد الأفريقي، لكن بعد مواجهة متوترة لأكثر من شهر، تصاعدت خلالها الاحتجاجات الغاضبة بشكل متزايد خارج القاعدة العسكرية الفرنسية ومبنى السفارة، تراجعت فرنسا وسحبت قواتها بحلول نهاية العام الماضي، وبالتزامن تم سحب مجموعات عسكرية صغيرة لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي إلى جانب فرنسا.
كذلك، فشلت باريس بتعبئة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" لشن حرب ضد النيجر. وقد تركت المحاولة الفرنسية الكتلة في أزمة وجودية، حيث تواجه احتمال فقدان نصف مساحة أراضيها بعد أن أعلنت مالي وبوركينا فاسو والنيجر انسحابها من "إيكواس" في بداية العام الجاري، لينال الشعب النيجري شهادة كبيرة على قوة إرادته وتصميمه.
بعد أن نأت بنفسها عن التوترات في العاصمة خلال المواجهة مع فرنسا، قامت الولايات المتحدة التي كان لديها نحو 1100 جندي في النيجر في ذلك الوقت، بإعادة تمركز بعض أصولها وقواتها في القاعدة الجوية 101 في نيامي على بعد أكثر من 900 كيلومتر إلى القاعدة الجوية 201 في أغاديز، التي تمتد على مساحة 25 كيلومتراً مربعاً وتعمل منذ عام 2019، وهي أكبر عملية بناء على الإطلاق تقوم بها القوات الجوية الأميركية بتكلفة 110 ملايين دولار أميركي. تبلغ تكاليف صيانة القاعدة نحو 30 مليون دولار سنوياً. ومنذ بدء البناء في عام 2016، أنفقت الولايات المتحدة 250 مليون دولار على هذه القاعدة لاحتواء طائرات النقل "سي 17" وأسطول من الطائرات دون طيار بما في ذلك المقاتلات الجوية الحديثة، وهي ثاني أكبر قاعدة أميركية في أفريقيا بعد تلك الموجودة في جيبوتي.
بعد فترة وجيزة من الإطاحة بحكم محمد بازوم، أعدت الولايات المتحدة خطة طوارئ لإخلاء هذه القاعدة في حال حدوث تطورات. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة حافظت على هدفها بالبقاء في كلتا القاعدتين في نيامي أغاديز. وبصرف النظر عن القاعدة الجوية 101 التي يديرها البنتاغون في جنوب غرب النيجر و 201 في منطقتها الوسطى، تدير وكالة المخابرات المركزية أيضاً قاعدة أخرى إلى الشمال الشرقي في واحة ناحية ديركو الصغيرة، وكانت هذه القاعدة سرية حتى تم الكشف عنها في عام 2018.
"كل ما أعرفه هو أنهم أميركيون"، قال بازوم، حين كان وزيراً للداخلية في عام 2018، لصحيفة "نيويورك تايمز" عن هذه القاعدة، التي اعتبرها عمدة المدينة أبو بكر جيروم على أنها أمر جيد بالنسبة للحكومة وقال: "إذا رأى الناس أشياء من هذا القبيل، فسيشعرون بالخوف"، وهو يقصد سكان البلدة الذين يبلغ عددهم بضعة آلاف، كاشفاً بشكل عرضي عن كيفية استمتاع النظام بالوجود العسكري الأجنبي لإبقاء مواطنيه في حالة خوف.
عندما تمت الإطاحة بهذا النظام في العام الفائت، وضع الكثير على المحك بالنسبة للولايات المتحدة، فلم تصف أحداث إقصاء بازوم عن السلطة على أنه "انقلاب"، "لأننا لا نريد أن نرى هذه الشراكة تذهب"، كما قالت نائبة السكرتير الصحفي للبنتاغون سابرينا سينغ التي أضافت: "لقد استثمرنا، كما تعلمون، مئات الملايين من الدولارات في قواعد هناك".
في بداية الأمر وصفت الولايات المتحدة خلع بازوم بأن "الحزب الشيوعي الوطني" استولى على السلطة وتم تقييد المساعدات والدعم العسكري الأميركي للنيجر، ثم بعد ذلك بشهرين فقط تم إعادة العمل بكليهما تحت ضغط مصالح الولايات المتحدة الأهم بالنسبة لها من التشدق بالمبادئ.
مع ذلك، يبدو أن حكومة النيجر لم تكن حريصة بشكل خاص على الشراكة مع الولايات المتحدة، كما هو الحال في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين، مع أن هذا التواجد الأجنبي في غرب أفريقيا ومناطق أخرى في القارة السمراء، لم يخفف منذ ما يقرب من عقد من الزمان في انتشار العنف من قبل حركات التمرد التي انتشرت عبر منطقة الساحل بعد تدمير ليبيا في عام 2011 من قبل حلف "الناتو".
يواصل الغرب الضغط على الحكومات العسكرية الانتقالية في هذه البلدان لإجراء انتخابات. ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض هو أن غالبية الناس سيتم استبعادهم من عملية التصويت لأن هذه الدول فقدت السيطرة على مناطق شاسعة بسبب حركات التمرد على مدى العقد الماضي تحت النطاق الأمني للقوات الغربية. حتى أن فرنسا متهمة بتقديم الدعم لهذه الجماعات بالذات بعد أن طردت من هذه البلدان.
على هذه الخلفية تم تخفيض حجم الانتشار الأميركي في النيجر إلى النصف تقريباً، وفي ظل هذه الظروف، تستكشف مالي وبوركينا فاسو والنيجر التي اجتمعت لتشكيل "تحالف دول الساحل" في أيلول/سبتمبر الماضي الذي يعزز العلاقات الأمنية والعسكرية مع روسيا البديلة عن الغرب المستعمر، وكان لافتاً في الاحتجاجات ضد الوجود الفرنسي في النيجر رفع أعلام روسيا ودول مجموعة "البريكس" إلى جانب علم النيجر.
لتبرير التهديدات الأميركية لحكومة النيجر بالانتقام، يتهم مسؤولون أميركيون النيجر بتوقيع اتفاق سري مع إيران لتزويدها باليورانيوم، مع أنه من المعروف على نطاق واسع أن استغلال اليورانيوم في النيجر تسيطر عليه فرنسا بالكامل، مما يذكر بمزاعم أسلحة الدمار الشامل التي تم الترويج لها قبل حرب العراق.
الولايات المتحدة فرضت جيشها من جانب واحد على النيجر، على عكس روسيا التي تتعامل مع النيجر من دولة إلى دولة، على هذا رأت حكومة البلاد بأن الاتفاق المفروض عليها "غير عادل للغاية، وضد تطلعات ومصالح الشعب النيجري وقد تم إلغاؤه بأثر فوري".
نقلها إلى العربية: حسين قطايا.