"فورين بوليسي": بيت الورق في كردستان العراق ينهار
العجز الديمقراطي والخلل الاقتصادي في كردستان العراق هما نتيجة لقيادتها السياسية ذات المصلحة الذاتية.
تحدث تقرير في موقع مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، المتخصصة في شؤون السياسات الخارجية، عن الأزمات التي يعانيها إقليم كردستان العراق على المستويات السياسية والاقتصادية والإدارية، ومدى انتشار الانقسامات والفساد المالي والطبقية، ما ينذر بالأسوء بالنسبة للإقليم الذي يعاني بالأصل من مشاكل كبرى في علاقاته مع تركيا وإيران و الحكومة المركزية العراقية، ينشر موقع الميادين نت ترجمته العربية:
جمجال هي مدينة تقع في منتصف الطريق بين كركوك والسليمانية في إقليم كردستان العراق.. وتقع المدينة بالقرب من احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي، لكنّ السكان المحليين بالكاد يستفيدون من الموارد المربحة المدفونة تحت منازلهم. يحصل معظمهم على بضع مئات من الدولارات شهرياً، والبطالة منتشرة - خاصة بين الشباب.
فمنذ التسعينيات، كان أكراد العراق شركاء مقربين للولايات المتحدة ودول غربية أخرى، وعملوا معاً للإطاحة بصدام ثم تنظيم داعش.. بينما يتفق معظم المراقبين على أن حرب العراق لم تجعل العراق أكثر ازدهاراً أو ديمقراطية، بدت كردستان العراق نقطة مضيئة في الفوضى التي أحدثها تغيير النظام.
لكن اليوم، تبدو الأمور قاتمة. المؤسسات السياسية في المنطقة ممزقة بسبب الانقسامات الحزبية والقادة الذين يحرمون المواطنين بانتظام من حرية التعبير.. ويؤدي عدم المساواة الاقتصادية وانعدام الفرص إلى دفع موجات المهاجرين إلى البحث عن حياة أفضل في الخارج.
وتعد التجربة اليومية لمعظم أكراد العراق، خاصة في المدن الصغيرة مثل جمجمال، بعيدة كل البعد عن تجربة النخبة ذات العلاقات السياسية التي تعيش في مشاريع سكنية فاخرة في أربيل والسليمانية.
وفي الوقت الذي تواجه فيه كردستان العراق أزمة في الشرعية الديمقراطية، يجب على الغرب استخدام نفوذه وقدراته الكبيرة لمحاسبة القادة الأكراد العراقيين على الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان بدلاً من تعزيزها من خلال الدعم العسكري والسياسي الذي لا ينضب.
وتقع السلطة على عاتق الحزبين الحاكمين في المنطقة: الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. ويسيطر الديمقراطي الكردستاني على محافظتي دهوك وأربيل، بينما يهيمن الاتحاد الوطني الكردستاني على السليمانية.
وفي كل منطقة، يكون مسؤولو الحزب مسؤولين عن وضع السياسة. يُنظر إلى الاتصالات الحزبية على أنها مفتاح للحصول على وظيفة وبدء عمل تجاري وكسب النزاعات القانونية. كذلك، فإنّ البشمركة وقوات الأمن في كل منطقة لها انتماءات حزبية أيضاً.
وكانت الولايات المتحدة أساسية في التوسط في نهاية الحرب الأهلية بين الحزبين وتشجيع الوحدة الكردية في عراق ما بعد البعث. لكن زواج الضرورة هذا أسفر دائماً عن نتائج متباينة.
وأصبحت علاقة العمل بين الحزبين مختلة بشكل متزايد منذ الانتخابات الإقليمية الأخيرة في عام 2018، والتي شهدت صعود جيل جديد من القادة أقل اهتماماً بالبراغماتية، وأكثر اهتماماً بالمصلحة الذاتية الفئوية.
وشهد الطرفان مؤخراً عدة خلافات كبيرة، بما في ذلك كيفية تقاسم الإيرادات الداخلية من المعابر الحدودية والضرائب، وكيفية إدارة صناعة النفط والغاز، والعلاقات مع بغداد. وأدت هذه الخلافات إلى تعطيل عملية إصلاح البيشمركة لتحويلها إلى قوة قتالية موحدة وغير سياسية وحديثة.
أرجأ الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الانتخابات الإقليمية ومددا بشكل مثير للجدل فترة البرلمان الكردستاني، وهذه الخلافات على مستوى النخبة لها عواقب حقيقية، لا سيما وأن كردستان العراق تعاني من أزمة مالية طويلة الأمد.. ففي العام الماضي، واجهت السلطات في السليمانية صعوبة في دفع رواتب موظفي القطاع العام.
وقدّر تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة عام 2018 أنّ "47% من الأسر في كردستان العراق تضم شخصاً واحداً على الأقل يعمل في القطاع العام، وثلاثة أرباع النساء العاملات موظفات حكوميات". ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، يبلغ متوسط البطالة في كردستان العراق نحو 16%.
لكن هذا الرقم أعلى بكثير بين الشباب، فنحو ثلث الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 عاماً ليسوا في التعليم أو العمل أو التدريب.. ومن المرجح أن النساء عاطلات عن العمل أكثر بكثير من الرجال بين جميع الفئات العمرية.
كذلك، فإنّ الأكراد العراقيين محدودون في كيفية الرد على الاحتكار الثنائي المختل بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.. فأحزاب المعارضة في كردستان العراق منقسمة وضعيفة للغاية.
وتنتشر المخاوف من التزوير الانتخابي بين الناخبين، وتستغلها أحزاب المعارضة عندما يكون أداؤها سيئاً، حيث يقيّد كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني حرية التعبير داخل مناطق سيطرتهما، مما يمنع الاحتجاجات بالقوة.
ووفقاً لمؤسسة "القمة"، وهي منظمة غير حكومية مقرها السليمانية، يغادر عشرات الآلاف من الأشخاص كردستان العراق كل عام، ويتجه العديد منهم إلى أوروبا.
ويعدّ العجز الديمقراطي والخلل الاقتصادي في كردستان العراق نتيجةً لقيادتها السياسية ذات المصلحة الذاتية، وعلى الرغم من أن كردستان العراق كانت أكثر استقراراً نسبياً من أجزاء أخرى من العراق منذ عام 2003، إلا أن هذا الاستقرار من غير المضمون أن يستمرّ.