"ذا ناشونال إنترست": وصفات إدارة بايدن لاحتواء الصين لا تناسب النظام العالمي
يرى الكاتب إيونوت بوبيسكو في مجلة "ذا ناشيونال إنترست" أنّ الالتزام الخطابي للديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن لا قيمة له، بل إنه يأتي بنتائج عكسية ما لم يكن مصحوباً بإستراتيجية واقعية وهجومية شاملة.
قالت مجلة "ذا ناشونال إنترست" إنّ وصفات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لاحتواء الصين غير كافية إلى حد كبير، لأنها عالقة في ليبرالية لم تعد تناسب حقائق النظام العالمي الفعلي.
ورأى الكاتب إيونوت بوبيسكو في المجلة أنّ الالتزام الخطابي من جانب كل من الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن لا قيمة له، بل إنه يأتي بنتائج عكسية ما لم يكن مصحوباً بإستراتيجية واقعية وهجومية شاملة.
فيما يلي نص المقالة المنقولة إلى العربية:
أحد المجالات القليلة التي تحظى بإجماع كل من "الديمقراطيين" و"الجمهوريين" في السياسة الخارجية الأميركية هو الاتفاق على الحاجة إلى احتواء صعود الصين الطموحة إلى الهيمنة الإقليمية، وربما العالمية. تصف إستراتيجية الأمن القومي الصادرة حديثاً عن إدارة بايدن الصينَ بأنها المنافس الوحيد الذي ينوي إعادة تشكيل النظام الدولي، وأنها تستخدم القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية بشكل متزايد للقيام بذلك.
تظهر إستراتيجية بايدن صدى لإستراتيجية دونالد ترامب، إذ اعتمد كلا الرئيسين رؤى واقعية وهجومية لتشخيص ديناميكيات المنافسة بين واشنطن وبكين. مع ذلك، تتعايش القوى العظمى في عالم مأساوي يسيطر عليه صراع مستمر من أجل الهيمنة الإقليمية، وفي النهاية الهيمنة العالمية، وتؤكد التعزيزات العسكرية الأخيرة للصين في بحرها الجنوبي، فضلاً عن التعزيزات الأوكرانية، هذه النظرة التشاؤمية العميقة إلى السياسة العالمية.
وصفات إدارة بايدن لاحتواء الصين غير كافية إلى حد كبير، وهي عالقة في ليبرالية لم تعد تتناسب مع حقائق النظام العالمي الفعلي. كذلك، أوضح بايدن في اجتماعه الأخير مع الزعيم الصيني شي جين بينغ أنه لا يزال يأمل أن تتعاون القوتان العظميان لمعالجة "المشاكل العالمية المشتركة" والتنافس بطريقة منظمة في مجالات أخرى، بدلاً من الانخراط في صراع جيوسياسي تقليدي مكثف.
إن الالتزام الخطابي باحتواء الصين من جانب كل من الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن لا قيمة له، بل إنه يأتي بنتائج عكسية ما لم يكن مصحوباً بإستراتيجية كبرى تتشكل عبر الخطوط العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والتكنولوجية.
والأولوية الكبرى للولايات المتحدة هي التأكد باستمرار من عدم وجود منافسين لها، من خلال منع الصين من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على منطقة آسيا والمحيط الهادئ. في الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز هيمنتها الإقليمية في نصف الكرة الغربي، من خلال إعادة التركيز على المشكلات الأمنية والسياسية والاقتصادية لجيرانها، وكذلك على مواجهة تحديات الصين وروسيا في المنطقة.
تفترض الإستراتيجية "الواقعية الهجومية" أن القوى العظمى تجهد من أجل الهيمنة وتتصرف بعدوانية عندما يناسب ذلك مصلحتها، بصرف النظر عن عقيدتها السياسية المحلية. في عالم اليوم، فإن طموحات الصين وروسيا ليست مدفوعة بشكل أساسي من طبيعة النظام السياسي لكلا البلدين، بل هي نابعة من رحم الواقعية التي تفرض على اللاعبين الانخراط في تعديل موازين القوى.
بشكل عام، على الولايات المتحدة أن تقلل دور تعزيز الديمقراطية في سياستها الخارجية بشكل كبير، فهذه الجهود لتقسيم العالم إلى معسكرات "ديمقراطية" و"استبدادية" ليست مفيدة من حيث المبدأ، وتؤدي إلى نتائج عكسية، لأنها تنفر بلا داع العديد من الدول المهمة من الناحية الإستراتيجية، ولكنها تقليدية، ولا تشارك بالضرورة مواقف وزارة الخارجية الأميركية في السياسة وغيرها.
جهود بناء التحالفات الأميركية المناهضة للصين تضع جانباً القيم الديمقراطية، لكونها ستحتاج الحلفاء غير الغربيين، مثل الهند وفيتنام والفلبين، ويجب أن تقبل واشنطن بأن حلفاءها الديمقراطيين، مثل ألمانيا، لديهم دوافعهم الواقعية والاقتصادية لعدم الانضمام إلى الولايات المتحدة في سياساتها المناهضة لبكين.
في السنوات الأخيرة، انخرطت الولايات المتحدة والصين في شبه حرب "تكنولوجية"، فقد أصبح الابتكار في هذا القطاع ساحة المعركة الرئيسية بشكل غير مسبوق. بناء على ذلك، تضاعف واشنطن حدة جهودها لزيادة الإنتاج المحلي في مجال التقنيات المهمة إستراتيجياً، مثل الرقائق الدقيقة وأشباه الموصلات والمكونات الأخرى ذات الاستخدام المزدوج. وتسعى عبر الضغوطات على "الأصدقاء" لاستبعاد الشركات الصينية من سلاسل التوريد الإقليمية والدولية، كذلك تحويل الصناعات الإستراتيجية إلى بلدان أخرى منخفضة التكلفة.
يعد قطاع الطاقة ميداناً رئيسياً آخر للمنافسة الجيو-اقتصادية بين القوى العظمى. وقد استخدمت احتياطيات النفط والغاز كأدوات جيوسياسية لعقود من الزمن، والحرب الأخيرة في أوكرانيا بمنزلة تذكير فقط بالصلات المعقدة بين أمن الطاقة والتوجهات الإستراتيجية الكبرى.
وباتباع ما أطلق عليه البعض "الواقعية السياسية لما بعد أوكرانيا"، يجب أن تتحول أولويات سياسة الطاقة الأميركية بعيداً من الاهتمامات الليبرالية الدولية لـ"الاتفاقيات الخضراء"، والذهاب نحو الهدف التقليدي لتأمين موارد الطاقة للاستهلاك المحلي، ولاستخدامها الموارد للنهوض بالأهداف الجيوسياسية.
وفي حين أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية يمكن أن تنغمس في متابعة أهداف غير إستراتيجية مثل الحد من انبعاثات الكربون خلال الحقبة الأحادية القطب بتكلفة جيوسياسية منخفضة نسبياً، فإن مثل هذا الإلهاء سيكون مدمراً لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة في عصر منافسة القوى العظمى ضد الصين وروسيا، وهما دولتان تواصلان تهديد موقع الهيمنة الدولية الفريد للولايات المتحدة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.