"جيروزاليم بوست": فشلنا في تحويل الأردن إلى نموذج "للسلام المفيد"
بعد 27 عاماً من توقيع معاهدة "وادي عربة" لا يزال التعاون الاقتصادي بين "إسرائيل" والأردن غير مثمر، وتطبيع العلاقات بين البلدين لم يأتِ بمنافع للمملكة الهاشمية.
كتب مارك لافي مقالاً في "جيروزاليم بوست" يناقش فشل "إسرائيل" في استغلال التطبيع مع الأردن، وتحويل الأخير إلى نموذج يجتذب المزيد من الدول للتطبيع، من باب التنمية الاقتصادية. وفي ما يلي مقال لافي منقولاً إلى العربية:
لقد أضاعت "إسرائيل" فرصة كبيرة للتعاون مع الأردن وأن تكون قدوة للمنطقة بأسرها حول كيف يمكن لصنع السلام أن يفيد الجميع. الأردن في ورطة. إنّه يواجه اضطرابات داخلية وخارجية وقبلية واقتصادية. سيطرة الملك عبد الله على بلده مترنّحة.
على الجانب الآخر من الحدود، في "إسرائيل"، المسؤولون والخبراء متأففون ويضعون خططاً عامة لما قد يعنيه سقوط المملكة الهاشمية بالنسبة لـ"إسرائيل". هذا ليس خطأها، لكن كان من الممكن أن يكون الأمر مختلفاً تماماً.
أضاعت "إسرائيل" فرصة كبيرة للتعاون مع الأردن ووضع مثال للمنطقة بأسرها حول كيف يمكن لصنع السلام أن يفيد الجميع، مثل المشاريع المشتركة لمصانع جديدة أو بنية التحتية أو إسكان أو زراعة.
كان يوماً دافئاً ومشمساً في صحراء وادي عربة، في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1994. قبل 27 عاماً في مثل هذا الأسبوع، كنا نحن المراسلون جالسين في مدرج ليس بعيداً عن المنصة حيث ترأس رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، والعاهل الأردني الملك حسين، وفوداً في حفل توقيع معاهدة السلام بجوار المعبر الحدودي بين البلدين، الذي كان على وشك الافتتاح لأول مرة.
كانت أهمية الحدث واضحة. بعد عام من توقيع "إسرائيل" على اتفاقها الأول مع الفلسطينيين، انضم الأردن إلى موكب السلام الرسمي بعد سنوات من التعاون الهادئ. كان على الفلسطينيين أن يكونوا في المقدمة، لأن الأردن لم يكن قوياً بما يكفي للقيام بذلك بمفرده.
ما زال ليس كذلك. هذه هي الحقيقة الأساسية التي يجب تذكرها في مواجهة تحليلات الخبراء التي تبدأ بعبارة "على الأردن...".
بحلول الوقت الذي تم فيه توقيع المعاهدة، كنتُ في مهمة في الأردن عدة مرات. كنت أسافر إلى قبرص، وأضع جواز سفري الإسرائيلي في قاعٍ مزيف من حقيبتي الصغيرة، وأسافر من هناك إلى عمان، عاصمة الأردن.
ليس لدي شك في أنّ المسؤولين الأردنيين كانوا يعرفون بالضبط من أكون. كنتُ قد ابتعدتُ بضع سنوات فقط عن فترة 14 عاماً في إذاعة الأخبار باللغة الإنكليزية في "راديو إسرائيل" على جهاز إرسال قوي جداً، بحيث يمكن استقباله بوضوح في جنوب أوروبا، ناهيك عن الأردن المجاور. قلت مازحاً إنّه يمكنك التقاط "راديو إسرائيل" على ماكينة حلاقة كهربائية.
لكن طالما أحسنت التصرف واتبعت القواعد، لم يكونوا ليتسببوا بأي مشكلة. بعد توقيع المعاهدة، كانت رحلاتي إلى الأردن أكثر روتينية.
كان من المفترض أنّها كانت بداية تحالف رائع. أن تتدخل "إسرائيل" وتساعد الأردن على تحديث اقتصاده والحد من البطالة ورفع مستوى اتصالاته. لم يكن الأمر ليأخذ الكثير من الجهد، بناءً على الناتج المحلي الإجمالي، كان الاقتصاد الإسرائيلي في سنة 1994 أكبر بـ13 ضعفاً من الاقتصاد الأردني. حتى لو اضطرت "إسرائيل" إلى دعم بعض المشاريع لبضع سنوات، أو أكثر، فإنّ الفوائد ستكون فلكية.
تخيلوا أنّ يحوّل الأردن نفسه، بمساعدة "إسرائيل"، إلى دولة فعّالة وحديثة على الطراز الغربي، على عكس دول أخرى قريبة مثل سوريا على سبيل المثال. بينما تحدث البعض عن ثمن السلام، كانت ستكون هذه جائزة السلام. لكن هذا لم يحدث هذا قط.
تجاهل رابين الأردن إلى حد كبير، وحوّل اهتمامه إلى الفلسطينيين. يوجد على رفّي "الاتفاقية الإسرائيلية - الفلسطينية المؤقتة بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة"، المكونة من 314 صفحة والموقعة في واشنطن، في 28 أيلول/سبتمبر 1995، بعد عام من توقيع المعاهدة الإسرائيلية - الأردنية.
نحن نعلم الآن أنّ القليل نتج عنها. بدلاً من ذلك، تخيّلوا كيف كان يمكن أن تتحول المنطقة لو كانت "إسرائيل" بذلت جهداً أكثر لتطوير علاقاتها مع الأردن. لكن، لا. تدريجياً، مع إهمال "إسرائيل"، تآكلت النوايا الحسنة تجاه الأردن ثم تبخرت.
رابين أُغتيل. خليفته، بنيامين نتنياهو، لم يهتم بالأردن أكثر مما فعل رابين. ثم مات الملك حسين.
بسبب افتقاده لسحر والده ودعمه، كان الملك عبد الله يكافح من أجل البقاء في السلطة. في بلد غالبية سكانه من الفلسطينيين، تبنّى الخطاب العام للانتقاد القاسي لـ"إسرائيل"، مع الحفاظ على التعاون الهادئ. الإسرائيليون يسخرون من الملك ويسألون لماذا لا يتصرف مثل الملك ويغيّر سياساته.
لماذا؟ لأنه لا يستطيع. ليس لديه الموارد أو القوة. نظامه يعاني بالفعل من ضائقة مالية، وهو مُثقل بمئات الآلاف من اللاجئين من الحرب الأهلية في سوريا. بلده الصغير يجب أن يتأرجح في مهب الريح أمام القوى العربية الإقليمية، وأن يُبحر في واقعٍ جديد تهيمن فيه روسيا وتتراجع الولايات المتحدة. عبد الله يواجه فعل توازنٍ شبه مستحيل.
تخبرنا التحليلات المستفادة من مراكز الأبحاث الإسرائيلية أنّ عبد الله في ورطة حقيقية: قد يستولي المتطرفون الإسلاميون على السلطة، وقد يطغى الفلسطينيون على نظامه، ومن ثم ستواجه "إسرائيل" وضعاً جديداً.
بدلاً من ذلك، تخيلوا ما كان يمكن أن يكون عليه الوضع، بعد 27 عاماً من توقيع معاهدة السلام في ذلك اليوم في وادي عربة، لو تابعتها "إسرائيل" من خلال المساعدة في تحويل الأردن إلى منارة لصنع السلام المفيد.